الشعـوذة تتغـذى مـن التخلـف

بن المقدم: معالجتها تحتاج إلى فاعل يمتلك الإرادة والقدرة والمعرفة قال محمد بن المقدم، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس، إن الشعوذة تتخذ مظاهر متنوعة في المجتمع، ونجاحها مبني على عبقرية المشعوذ واستعداد الضحية، وتتغذى من سيادة التخلف والجهل في غياب الفهم العلمي الحديث للإنسان والعالم، مشيرا إلى أن الخروج من دوامة الظاهرة ممكن، ومعالجتها تحتاج إلى فاعل يمتلك الإرادة والقدرة والمعرفة. وتطرق إلى محاور مختلفة مرتبطة بالظاهرة، تجدونها في هذا الحوار الذي أجرته معه «الصباح»: أجرى الحوار: حميد الأبيض (فاس) > أي تفسير يليق بظاهرة الشعوذة من وجهة نظرك؟ > الشعوذة، في نظري، فرع من السحر، تقوم على الطلاسم والتعاويذ والتمائم والأحجبة وغيرها بغية القيام بأعمال التضليل والخداع، مع الادعاء بالاستعانة بالجن. لهذا يعتمد نجاحها على عبقرية المشعوذ واستعداد الضحية. ولفهم هذه الظاهرة الاجتماعية القديمة قدم الجماعات البشرية، لا بد من استحضار الاشتباك بين ثلاثي السحر (الشعوذة فرع له) والدين والعلم. يتقاطع السحر والدين في بعض الخصائص، ليس هنا مجال تفصيلها. وما يهمني هو التمييز بينهما بالاستعانة بما قدمه جيمس فريزر في كتاب «الغصن الذهبي». فقد ارتكز على معياري التسلسل الزمني والشكل. وعنده السحر أسبق زمنيا من حيث الظهور. لقد حاول الإنسان في البداية إخضاع قوى الطبيعة، باستخدام طقوس السحر التعاطفي، معتقدا بأن القيام ببعض الإجراءات لا بد أن يؤدي إلى نتائج معينة. أي أنه كان يمارس نوعا من العلم الزائف يثق به كل الثقة. وبمرور الزمن تبين له أن قوى الطبيعة تقع خارج سيطرته السحرية، وتخيل تبعا لذلك وقوعها تحت سلطة قوى إلهية متعالية. هنا انتقل من ممارسة السحر إلى عبادة تلك القوى الإلهية واسترضائها أملا في استمالتها إلى جانبه وتحقيق أغراضه. أي أن الدين ظهر بعد أن فشل السحر. كما يمكن استحضار التمييز الجميل لإميل دوركهايم بين الطقس الديني والطقس السحري، باعتبار أن الأول إلزامي بينما الثاني اختياري. > هل استطاع ظهور الأديان اجتثاث السحر والشعوذة؟ > رغم ظهور الأديان، خاصة التوحيدية منها، التي جمعت كل الوظائف التي كانت للقوى الغيبية الأخرى، في يد قوة وحيدة، الله، يهوه، إلا أنها لم تستطع اجتثاث السحر والشعوذة لتغلغلهما في البنية الثقافية للإنسان. وفي العصر الحديث، تمكن العقل العلمي الأوربي، مستفيدا من التراث العلمي للأمم الأخرى، أن يقدم بديلا جديدا لفهم وتفسير الظواهر الطبيعية، بما فيها جسد الإنسان: هذا البديل هو العلم الطبيعي. ولظروف تاريخية وسياسية واقتصادية، تبنت الدولة الوطنية الرؤية العلمية الحديثة للعالم وللإنسان، ما ضيق الخناق على التصورات السحرية وممارسات الدجل والشعوذة. بطبيعة الحال، لم يسفر ذلك، عن القضاء نهائيا عنهما، ولكن على الأقل، صار وجود الشعوذة نادرا جدا، أما المؤسسة الدينية، فأعادت تموقعها واختصاصها. إذن، انطلاقا من كون الشعوذة فرعا من السحر، يمكن القول إن العديد من فئات المجتمع المغربي، لم تنتقل بعد إلى مرحلة الفهم العلمي الحديث للعالم والإنسان، بل ما زالت في مرحلة يتعايش فيها السحر والشعوذة والدين. وهذا التعايش يفرض تحديا على الدين نفسه، لأن الخطاب الديني منذ البداية حاول إزاحة المشعوذين والسحرة. > ما هي أسباب استمرار الشعوذة في المجتمع المغربي؟، وهل يعود ذلك للتخلف والجهل؟ > صحيح أن التخلف والجهل من أسباب السقوط في شرك الشعوذة، إلا أن ذلك لا يكفي، ويحتاج إلى تدقيق تلك المتغيرات. هل نقصد بالجهل؟ الأمية (عدم التمدرس)، وهذا يفنده أفراد وجماعات لا تتعاطى للشعوذة رغم أنها غير متمدرسة؛ أم أن الجهل هو غياب المعرفة العلمية الحديثة التقنية، وهذا يدحضه أيضا، وجود ضحايا سقطوا في شراك المشعوذين رغم أن لهم مستوى تعليمي في تخصصات علمية مختلفة. أظن، أنه لا يمكننا أن نحكم أن شخصا محصنا من الوقوع ضحية للمشعوذين إلا عندما ينجح في تجاوز تجارب قاسية غير اعتيادية دون اللجوء إلى الشعوذة (كمرض استعصى شفاؤه، عدم الإنجاب، الفشل المتكرر في التجارة... كما أعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية هي استفادة الشعوذة من بعض جوانب التربية الدينية الصوفية، لأن تربية المريد والأتباع على القبول بإمكانية الأولياء خرق العادة الطبيعية والإتيان بالمعجزات والخوارق بفضل البركة والكرامة، فتح فجوة في الوعي الاجتماعي لتسرب أطماع المشعوذين، خاصة عند اشتداد الأزمات الفردية والجماعية. ويدافع الخطاب الصوفي عن كون أحوال الأولياء هي الصدق والعمل الصالح والبر، وأن خرقهم للعادة كرامة وهبة إلهية وليست بالتعلم والكسب. > ما علاقة بعض الروايات والقصص الخاصة بقدرات خارقة في تغلغل الشعوذة؟ > إن بعض الروايات تكرس تعطيل العقل والقوانين العلمية مثل، رواية أن للنبي (ص) معجزة عدم ظهور ظل له» في الشمس أو القمر. والإنسان العادي وليس العالم الفيزيائي يرى أن لكل جسم ظلا؛ وقس على ذلك الحديث عن معجزة عمر بن الخطاب عندما خرج عن موضوع خطبته بالمدينة المنورة ليخاطب سارية بن الحصن في بلاد فارس «يا سارية بن حصن الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم». والأمثلة كثيرة لفحص جدواها الأخلاقية والتربوية لا صحة ورودها. إذا كنا نريد من الناس أن يتخذوا من النبي (ص) أسوة حسنة ومن الصحابة قدوة، فينبغي أن نقدمهم في بشريتهم، أي كبشر نجحوا في الارتقاء الأخلاقي والإيماني بالتربية الحسنة والكد والمجاهدة حتى نمنح للناس الأمل في الاقتداء بهم، أما تقديمهم كأشخاص لهم معجزات فوق بشرية، فالفضل هنا للعناية الإلهية، وليس لقدراتهم البشرية، ولا ينبغي أن نطلب من البشر العاديين الاقتداء بهم. ثم أننا نقدم خدمة مجانية للمشعوذين والدجالين، بإعداد الناس للقبول بوقوع الأحداث والظواهر دون علل أو أسباب علمية وتاريخية معقولة. تمائم وبخور > أين تتجلى مظاهر الشعوذة وكيف تختلف وسائلها وتبعاتها في مجتمع يؤمن بالخرافة أكثر من إيمانه بالعلم؟ > مظاهر الشعوذة في المجتمع كثيرة منها: تعليق التمائم، تقديم الهدايا والنذور التبرك بالأضرحة، ووضع عظام الحيوانات وبعض المنحوتات اعتقادا بدفعها شرور الحاسدين، واستعمال البخور من أجل تطهير البيت من العين والحسد، والاعتقاد بالنجوم والأبراج، وتنظيم حفلات لإخراج الجن ممن بهم مس حسب زعم المشعوذ. في سطور - من مواليد مدينة فاس في 1973 - متزوج وأب لـثلاثة أطفال - أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز - باحث في الفلسفة السياسية وفلسفة الدين - عضو مختبر إقلاع للقانون والفلسفة والمجتمع - شارك في العديد من الأنشطة الوطنية والدولية حول حقوق الإنسان بتونس وألمانيا وإندونيسيا. - نشر العديد من المقالات العلمية منها «الدين بين الأخلاق والميتافيزيقا» و»مقاربة هيرمينوطيقية للخطاب الديني الشيعي الإمامي» و»تجديد الخطاب الثيولوجي عند كانط» و»الثقة بين اللاهوت والحداثة».

الشعـوذة تتغـذى مـن التخلـف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تصفية مغربي رميا بالرصاص بمدريد

تصوير بحمام نساء يورط مهاجرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات