“الممـنـوعـون مـن الـصـرف”

تشغل عشرات الآلاف من اليد العاملة وتؤدي ضرائب مهمة للدولة التي أهملتها منذ بداية الجائحة "وحنا إيمتى غادي يحن علينا الله؟ واش كلشي حال إلا حنا؟ واش كلشي خدام إلا حنا؟ آش درنا حنا لهاد الحكومة؟ آش بغات عندنا واقفة لينا فرزق ولادنا... ياك درتو الباص... وطلقو الناس وخليونا نعيشو"... هكذا تحدث أحد المستخدمين السابقين في "كباري" معروف بالبيضاء، يعاني البطالة منذ حوالي سنتين على إقفال الملاهي الليلية أبوابها بسبب الجائحة، دون أن يشملها البلاغ الحكومي الأخير بالتخفيف، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب ذلك، خاصة أنها فتحت المجال أمام إحياء الحفلات والأعراس. لقد تكبدت الملاهي الليلية ضربة قاسية وخسائر كبيرة، خاصة في المدن السياحية، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على هذه المحلات الترفيهية، مثل مراكش، التي يمثل نشاطها ثلاثة أرباع رقم معاملات القطاع السياحي بالمدينة الحمراء. مسير أحد الملاهي الكبرى، أكد في لقاء مع "الصباح"، أنه يشغل حوالي 200 من اليد العاملة البسيطة في محله، وجدت نفسها منذ بداية الجائحة، عرضة للفقر والهشاشة، بسبب انسداد الآفاق وغياب فرص الشغل في مجالات أخرى. المصدر نفسه، قال، إن تخفيف القيود يجب أن يشمل الملاهي الليلية، خاصة بعد رفع حظر التجول الليلي. إذ ما الفرق بين مطعم يغلق أبوابه على الواحدة وملهى يفتح مع منتصف الليل؟". فضاءات مهجورة السؤال نفسه يكاد يتردد على ألسنة جميع المسيرين وأصحاب الملاهي الليلية، الذين لا يستسيغون استثناءهم من إجراءات التخفيف بعد البلاغ الحكومي الأخير، خاصة وهم يعاينون مطاعم تحولت إلى ملاه ليلية، بعد أن أصبحت تستعين بالموسيقى الصاخبة والمغنين، مع فرق وحيد هو أنها تغلق أبوابها في الواحدة صباحا، في الوقت الذي يمنع عليهم استعادة "نشاطهم" السابق، رغم أنهم كانوا أكبر المتضررين من الإغلاق، دون الحديث عن المستخدمين، من مسيرين وندل وموسيقيين ومغنين، إضافة إلى "مولات الطواليط" و"الجمايرية" و"الفيدورات"... لقد أصبحت الملاهي الليلية مهجورة تماما من روادها. لذلك، ورغم رفع حظر التجول الليلي، لم يعد ليل البيضاء، وغيره من المدن الكبرى، إلى ألقه السابق. بل حتى ثقافة السهر وأجواء "الكباري" تغيرت تماما خلال الجائحة، وأصبح عشاق الليل يفضلون اليوم السمر والمنادمة و"الأفتر" في المنازل والسهرات الخاصة، بعد أن كانوا في الماضي القريب، يملؤون الفضاء بصخبهم وضجيجهم وعربدتهم. يقول مالك ملهى ليلي معروف بالعاصمة الاقتصادية، في حديث مع "الصباح"، إن الأمور بدأت تتراجع قبل انتشار الجائحة. فقد كانت الحركة ضعيفة، كما تأثر الرواج على المحل، خاصة في فصلي الخريف والشتاء، وأثر على مداخيله، قبل أن يأتي الإغلاق ويقضي على كل أمل في انتعاشة ممكنة"، قبل أن يضيف "صحيح أن هذه المحلات تحقق مداخيل جيدة، لكنها تؤدي للدولة ضرائب باهظة، وتخلق الكثير من مناصب الشغل، سواء للمؤهلين، ولغيرهم، وبالتالي فهي تساهم في حل مشكل البطالة، فلا يعقل أن يتم التعامل معها بهذه اللا مبالاة. لقد أفلس العديدون منا واضطر آخرون إلى التخلي عن محلاتهم. فإلى أين ستصل بنا هذه الإجراءات التي تتخذها الحكومة في حقنا، والتي لا تخلو من الكثير من الظلم". لبس وانتظار طويل لم تكن البلاغات الحكومية، منذ بداية الجائحة وانطلاق العمل بالإجراءات الاحترازية، واضحة ومباشرة بشأن الملاهي الليلية، بل كانت تحتمل العديد من اللبس. وكأن الدولة، لا تعترف بهذا القطاع الذي يدر عليها عائدات محترمة، أو كأنها تخجل منه. لقد كانت دائما تتحدث عن المطاعم. أما "البارات" و"الكباريهات"، ف"ممنوعة من الصرف". ولأصحابها أن يدقوا جميع الأبواب من أجل محاولة الفهم، بدءا من "المقدم" والشيخ، اللذين لا يملكان جوابا عن الأسئلة المرتبطة بالموضوع، وصولا إلى الولاية والجهات المختصة، التي غالبا ما تنتظر "تعليمات واضحة من الإدارة المركزية في الرباط". "شنو المعمول إذن؟"... لا شيء سوى الانتظار الطويل والمر. لقد فتحت الملاهي الليلية أبوابها في فرنسا وإسبانيا وتركيا والإمارات وغيرها من البلدان، التي لجأت إلى تخفيف القيود على حركة المواطنين لإنقاذ اقتصادها. إلا في المغرب، "ملّي سدّو ما حلّو"، وكأن "كورونا" تزداد انتشارا في تلك الفضاءات دون غيرها من الأسواق الشعبية و"القيساريات" و"المولات"، التي تضج بالزائرين في غياب التباعد الجسدي ووضع الكمامات. وهو ما يطرح السؤال ملحا من جديد: "لماذا فقط الكباريهات؟". إعادة تأهيل أم عقاب جماعي؟ مصدر مطلع، أوضح، في لقاء مع "الصباح"، أن الأمر يتعلق بمحاولة لإعادة تأهيل هذا القطاع وتنظيمه من جديد، بعد تغول عدد كبير من أصحاب "الكباريهات"، الذين يحكمون عالم الليل بقبضة من حديد، ويحاربون كل وافد جديد ولا يسمحون بأي نوع من المنافسة، بعد أن طالت أياديهم وأسسوا علاقات قوية مع السلطة، في الوقت الذي أكدت مصادر متطابقة، أن الأمر يتعلق بعقاب جماعي و"قرصة أذن" لأصحاب الملاهي الليلية، الذين لم يظهروا كرما حاتميا، بعد إطلاق صندوق "كوفيد" لدعم القطاعات المتضررة من الجائحة، وتبرعوا له بمبالغ هزيلة، رغم أنهم راكموا ثروات خيالية بعد سنوات طويلة من "الأنشطة الليلية". من جهته، استبعد مصدر ثالث، هذه "السيناريوهات"، مؤكدا أن السماح للملاهي والعلب الليلية بفتح أبوابها سيأتي في مرحلة مقبلة، وبشكل تدريجي، وأن استثناءها من تخفيف القيود حاليا، تم في إطار الإجراءات الحكومية المتخذة، من أجل تدبير أفضل للجائحة، خاصة أنها ليست فضاءات أساسية أو مهمة في الحياة اليومية للمواطن، مثل السوق أو القاعة الرياضية أو الحمام أو المدرسة أو العمل أو باقي المؤسسات الحيوية، إضافة إلى أنها فضاءات تنقل العدوى بامتياز، خاصة بعد أن يلعب الخمر لعبته على العقول والنفوس ويكثر العناق والحميمية بين الزائرين، دون إغفال الجانب الأمني، إذ تكثر الحوادث والعراكات بين المخمورين الذين تلفظهم "الكباريهات" في ساعات متأخرة، مما يزيد مهام عناصر الأمن صعوبة في ظل الضغط الكبير على خدماتهم منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية. واختصر المصدر حديثه ل"الصباح"، قائلا: "الليل عالم لوحده. ليس من السهل تدبيره"، مشيرا إلى أن هذه الفضاءات الترفيهية يمكنها أن تستأنف نشاطها مع احتفالات نهاية السنة الحالية، إذا ظلت الوضعية الوبائية مستقرة". نورا الفواري

“الممـنـوعـون مـن الـصـرف”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قــطــاع مــأزوم

جناح المغرب بدبي... نزهة داخل المملكة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات