“يتنحاو كاع”

يغرق النظام الجزائري في مزيد من الوحل، ويتحول، بالتدريج، إلى عالة على المنطقة المغاربية وجنوب البحر الأبيض المتوسط، بل تحول إلى نظام مارق خارج الشرعية الدولية، يهدد المصالح الإستراتيجية لشركائه الأوربيين، ويعبث بالاستقرار والسلم الإقليميين. ويتصرف "كابرانات" الدم بقصر المرادية من تلقاء أنفسهم، كأنما يعيشون في غابة دون ضوابط ودون قوانين، وليس في عالم تحكمه مؤسسات دولية وقرارات تتمتع بشرعية المجتمع الدولي، ممثلا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العمومية ومحكمة العدل. لذلك، فإن النظام المارق في الجزائر لا يواجه، اليوم، المغرب (بكل المبررات التافهة والمضحكة التي يروجها منذ أشهر)، بل يواجه المنتظم الدولي ويتحدى قرارات صريحة صادرة عنه، أهمها الكف عن التلويح بالحرب، واعتماد الحوار والتفاهم والوساطة والتحكيم آليات للنزاعات السياسية. ووصلت الدول الكبرى، بما فيها روسيا والصين، إلى قناعة لا غبار عليها بأن النظام الجزائري، بشكله الحالي، أضحى خطرا على السلم في شمال إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، وحتى في منطقة الساحل والصحراء، التي تعتبر من أكثر المحاور هشاشة أمنيا، ويعشش فيها عدد من الجماعات المتطرفة والإرهابية، التي تنتظر ساعة الصفر للانقضاض على هذا الجزء من العالم. ومن الأخطاء الجسيمة لعواجز العسكر الجزائري، اعتقادهم أن العالم غافل عن حماقاتهم، أو غير منتبه إلى "العربدة" التي يقترفونها كل يوم في المنطقة، والأفلام الخيالية التي تُنسج ببلادة لجر المنطقة إلى حرب، آخرها السيناريو المحبوك على الطريقة الستالينية، بادعاء قتل ثلاثة مدنيين جزائريين في طريق "دولي"، وهي ادعاءات كذبتها تقارير بعثة الأمم المتحدة، وقبلها الجيش الوطني الموريتاني. وعلى امتداد هذا الشريط الطويل من التفاهات، يصغر حجم بلد "خمسة ملايين شهيد... أو أكثر أو أقل"، في أعين الجزائريين العاديين أولا، الذين ضاقوا ذرعا بتصرفات صبيانية لدولة تعجز عن توفير الاكتفاء الذاتي من "البطاطس"، في وقت تلوح باستعمال أنظمة صواريخ متطورة تساوي قيمتها المالية جميع حقول الخضر والفواكه في الكون. وثانيا، في أعين القوى السياسية والنقابية والجمعوية والإعلامية الحية في البلاد، التي تعرف أن ما يقوم به أزلام النظام، وإشهارهم ورقة المؤامرات الخارجية والمغرب وإسرائيل وفلسطين وتقرير مصير "الشعب الصحراوي"، ما هي إلا مبررات واهية لتأجيل مشروع التغيير الكبير في الجزائر، الذي يحمل شعار "يتنحاو كاع". والحقيقة أن "يتنحاو كاع" لم يعد مطلبا للحراك الشعبي الباسل في الجزائر، بل أصبح مطلبا ملحا أيضا للمنتظم الدولي، وأوربا أساسا، التي لن تسمح بتغيير قواعد اللعب الجيوإستراتيجي من جانب واحد، ولن تقبل أن يتصرف أي أحد في المنطقة من تلقاء نفسه، أو لحسابه الشخصي فقط، أو يكون وكيلا مسخرا لقوة دولية أخرى. فقد يُهضم أسلوب "العصابة" في الداخل الجزائري على مضض، باعتباره شأنا جزائريا جزائريا، لكن لن يُسمح له بعبور الحدود، لأنه ستكون نهايته الحتمية. هذه هي الرسائل التي فشل نظام تبون في التقاطها، حين أصدر مجلس الأمن قرارا يدعو فيه إلى الحوار السياسي، وفشل أيضا في التجاوب مع "غضب" الاتحاد الأوربي من قطع أنبوب الغاز المغاربي، وفشل في استيعاب المتغيرات السريعة بالمنطقة. فشل تلو فشل... وفشل، يضع الجزائر خارج كل شيء تقريبا، وهو أسوأ ما قد يتعرض له نظام سياسي... على الإطلاق.

الرصاص لإيقاف جانح ببرشيد

هجوم مسلح على مركز صحي بمراكش

مقالات ذات صلة

مانع إعلانات!!!