المصداقية رهان انتخابات القضاة

الهيأة الناخبة ملزمة باستحضار جسامة المهمة ومتطلباتها وهي تصوت بقلم: جلال الطاهر* سيشهد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تجديد العضوية عن طريق الانتخاب الفردي، إذ سيكون أول مجلس بعد الهيكلة الجديدة للسلطة القضائية في أعلى مستوياتها. ومن المعلوم أن هذا المجلس هو الذي يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، سيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم. إن المهام والمسؤوليات التي أناط بها الدستور المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ليست مجرد كلمات أو نص إنشائي، بل إن كل كلمة وردت في النص الدستوري أعلاه تمثل مسؤولية كبيرة تنوء بها الجبال، ومن الأكيد أن الأسرة القضائية وهي تتهيأ لهذا الاستقلال الكبير والهام، تستحضر جسامة الرسالة، وتعقيد المهمة وثقل الأمانة لا بالنسبة للهيأة الناخبة أو بالنسبة للمرشحين لتحمل هذه المسؤولية الثقيلة. فبالنسبة للهيأة الناخبة، قضاة وقاضيات فإن مسؤولية اختيار من يتحمل أمانة الاضطلاع بتدبير الحياة الوظيفية والقضائية والاجتماعية والإنسانية والاعتبارية للقاضي، لابد أن تراعى فيه كل الخصال التي تضمن الحرص الضروري على ضوء هذه القضايا التي تتعلق بالسلطة القضائية، والقضاء الصادق والعمل الجاد والحضور المادي والمعنوي، الكفيل بتحقيق آمال من يمثله بصفة خاصة، والمواطن المتقاضي بصفة عامة. وهذه الأهداف لا تتحقق إلا بالاختيار الموضوعي الصارم، بعيدا عن المحاباة والتعصب للفئوية أو التوجهات الجمعوية أو المجاملات. هذا بالنسبة للهيأة الناخبة، ويبقى الأهم من ذلك، هو من يزكي نفسه ويترشح للعضوية بالمجلس، حيث من المفروض أنه يتوفر على الصفات التي تقع على عاتق كل عضو من أعضاء الهيأة الناخبة، ينضاف إلى ذلك أن مهمة التمثيل وتمثيل الهيأة القضائية، مهمة بكل "موضوعية" ليست في متناول الجميع، حيث كل لما خلق له، فالعضوية في مجلس نص الدستور في الفصل 113 منه على أنه "يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، لا سيما في ما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها. يُصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط". مهمة بهذه الجسامة، كان الله في عون من تقع على عاتقه أعباؤها ومشاقها، حيث هي أمانة، والأمانة كما هو ثابت في الحياة الدنيا ومآلها في الآخرة، لا يقدم على تحملها إلا من يقدر ثقلها ويستحضر تبعاتها، ولعل خير مثال على ذلك استعظام ثقل الأمانة، قول الحق: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا). والذي يزيد من ثقل مسؤولية عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو أنه عضو في مؤسسة دستورية يترأسها الملك بصفته الدينية والدنيوية أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة، كما ينص على ذلك الفصل 115 من الدستور، الذي يفيد أن الملك يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف هذا المجلس من الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض، وأربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، وستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي، والوسيط، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى". وبقراءة لمكونات المجلس الأعلى للسلطة القضائية المذكورة في الفصل 115 من الدستور تظهر خصوصيته وأهميته، إذ أنه بجانب ممثلي القضاة في كل درجات القضاء يضم رؤساء ومؤسسات دستورية وشخصيات مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، مع تمثيلية المجلس العلمي الأعلى مع ما يصبغ على المجلس الصفات الدينية والحقوقية، كل ذلك في سبيل ضمان استقلال القضاء وسيادة القانون. هذا المجلس بهذه المكونات المتعددة الاختصاصات والتخصصات، قد أناط بها الدستور مهام ومسؤوليات حيث "يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، سيما استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، كما يضع تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات بشأنها. كما يصدر بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدأ فصل السلط". إن قراءة متأنية في الاختصاصات التي خص بها الدستور المجلس الأعلى للسلطة القضائية تبرز وتؤكد جسامة الرسالة والمسؤولية، التي على كل قاضية وقاض، آنس في نفسه القدرة على تمثيل زملائه القضاة في هذه المؤسسة أن يستحضر التكاليف الفكرية والمعنوية والمؤهلات العلمية والصفات الأخلاقية والتضحيات الواجبة التي عليه أن يتوفر عليها إذا أراد أن يفي بما تنتظره هذه المسؤولية منه، وما يتطلع إليه زملاؤه القضاة من خلال تزكيته والتصويت عليه. إن عليه أن يقبل شروط هذا الميثاق الغليظ الذي تتكون بنوده من صوت كل زميل أو زميلة زكاه لحمل هذه الأمانة. والجدير بالذكر أن الانتخابات الحالية تمثل الولاية الثانية في حياة المجلس، بعد أن مثلت الولاية الأولى مرحلة التأسيس، التي لا بد أن تواجه صعوبات البناء وطرائق العمل ومساطره التي قد تمثل مبررا وعذرا لعدم الوفاء بكل التزامات المجلس الدستورية، إلا أن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة للولاية المقبلة لأن دهشة البداية قد زالت والمعالم المنصوبة للاسترشاد قد تكرست واتضحت. فالمرجو من الهيأة الناخبة أن تستحضر جسامة المهمة ومتطلباتها وهي تضع ورقة الصوت على الشخص المختار ، فهذه العملية البسيطة شكلا (وضع ورقة في صندوق)، بالغة الدلالة جوهرا وروحا لأنها تمثل شهادة صدق أمام الضمير والله والتي يجب عدم كتمانها لقول الحق ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)، ونحن ننزه قضاتناعن تلك التصرفات الآثمة. * محام بهيأة البيضاء

المصداقية رهان انتخابات القضاة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرضاعة الاصطناعية لها مميزات أيضا

"واتسـاب"... وسيـط بـدون تكاليـف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات