القـرآن تبنى النفـي المبـطـن

الدكتور بوهندي أكد أن النص الديني أسقط ثقافة الجن واعتبر تعاونهم مع الإنس انتهى منذ بعثة محمد قال مصطفى بوهندي أستاذ تاريخ الأديان المقارن، إن القرآن عالج موضوع الجن معالجة ثقافية، ليبين مجموعة من الحقائق، وتقديم قراءة جديدة في إطار الإضافات النوعية للقرآن، منها أن علم الإنسان يتفوق على علم الجن، وهو ما حدث في واقعة إحضار عرش ملكة سبأ، وأنهم على خلاف ما يروجه الدجالون لا يعلمون الغيب، إذ لم يعلموا بوفاة النبي سليمان إلى أن خر بفعل "دابة الأرض"، إضافة إلى أن العالم الغيبي لا يمكن الاطلاع عليه إلا بالوحي، وهو ما حدث مع الرسول محمد في سورة "الجن". أجرى الحوار: مصطفى لطفي > كيف تفاعلت أديان وحضارات مع الجن؟ > الجن موضوع تاريخي كبير، عالجته كثير من الأديان والثقافات من خلال فكرة الأرواح الطيبة أو المقدسة أو الشريرة، أي تلك الكائنات الغيبية، التي يجب الانتباه إلى وجودها وإرضائها بقرابين، تصل إلى حد التضحية بالأطفال في بعض الثقافات، وبحكم أنها في عالم خفي، فإنها تتجسد في صور مختلفة. والجن يعني المخفي، مأخوذ من مصطلح الجنة، لأنها تخفي من يكون فيها، وهذا أمر عرفته الثقافات وذكر في الكتب المقدسة، التي تحدثت عن الأرواح، وميزت بين الأرواح الطاهرة، وتعادل الملائكة، على رأسهم روح القدس، الطاهر بكل ما تعنيه الطهارة، وبين "إيفل" أو الشيطان المدنس والقبيح. والقرآن عالج هذا الموضوع معالجة ثقافية، ليبين مجموعة من الحقائق، خصوصا في سورتي "سبأ" و"الجن"، ولإعادة قراءة ما عند الناس والثقافات الأخرى وتقديم قراءة جديدة، إذ هناك تمثلات عند الناس حول الجن، وهي نفسها لدى أهل الكتاب، خصوصا الأفارقة، الذي كان الجن حاضرا بقوة في كتبهم المقدسة، على نقيض الكتب المقدسة الحالية، التي تسقط الجن من قصة سليمان، وهو ما اعتبر "نصبا مقدسا" من قبل الأوربيين. > كيف تعامل القرآن مع موضوع الجن؟ > بالعودة إلى سورة "سبأ"، نجد أن الجن في القرآن كان مكلفا بأعمال في عهد النبي سليمان، فهم سخروا له وكانوا جنودا له، كما جاء في قوله تعالى " حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون". في اجتماع حضرته جميع مكونات الجيش والحاشية، سيكون الحديث عن بلقيس ملكة سبأ الذي أتى بخبرها الهدهد، بأنها وقومها يسجدون للشمس دون الله. كان حديث النبي سليمان مع الحاشية حول من يأتيه بعرش ملكة سبأ، فتدخل عفريت من الجن، قال له إنه سيأتيه بعرشها قبل قيامه من مقامه، وهنا الأمر يوحي أن الجن له قدرة خارقة على إحضار شيء من أي مكان في وقت وجيز، إلا أن الإضافة القرآنية في هذا الموضوع، هي أن النبي سليمان لم يهتم بقول العفريت، وإنما سيهتم بقول "الذي له علم بالكتاب"، وهو من الإنس، الذي وعده بإحضار عرش بلقيس قبل أن يرتد طرفه. هنا يتبين أن علم الإنسان يتفوق على علم الجن. إضافة إلى ذلك، أن سليمان كان ملكا للجن، الذين كانوا يملكون مهارات وقدرات عجيبة، منها صنع التماثيل والقصور العظيمة، إذ وصل الأمر في هذا الإبداع، إلى حد أنه لا يمكن للبشر العادي إنجازه بالأدوات البسيطة، إذ كانوا يخدمون ويعاقبهم أشد العقاب، لكن واقعة مثيرة جاءت في القرآن، وهي لحظة وفاة الملك سليمان، إذ لم يكتشف أمر وفاته إلا من قبل "دابة الأرض"، في رسالة أن الجن لا يعلمون الغيب، وهو ما جاء في قوله تعالى "فلما قضينا عليه الموت، ما دلهم على موته إلا دابة الأرض، تأكل منسأته، فلما خر، تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين". نحن نتكلم عن الجن وقدراته، والقرآن تطرق إلى أمر خاص، وهو أن استعباد الجن أمر خاص بالنبي سليمان فقط، ولا يجب على أي إنسان أن يفكر في الموضوع، وأن زمن التحكم في هذا المخلوق انتهى بوفاة سليمان، وأن الموضوع طوي بشكل نهائي بوفاة الرسول محمد. > لكن البعض ما زال يدعي اتصاله بالجن وخدمتهم له، كيف تعلق على هذا الأمر؟ > بالعودة إلى سورة "الجن"، هناك معطيات حول تعامل المسلم مع الجن، فالسورة تبدأ بـ"قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن، فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد، فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا". وهذا يعني أن محمد لا يمكنه أن يتعامل مباشرة مع الجن، بل أوحي إليه، أي ليست هناك أي رؤية أو اتصال، وأن العالم الغيبي يمكن الاطلاع عليه فقط عن طريق الوحي. المسألة الثانية في هذه الصورة أن القرآن على لسان الجن، كشف عاقبة كل من أراد أن يستعين بالجن، " وأَنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا"، فهذه الآية توضح أن كل إنسان حاول أن يحتمي بالجن، سيصيبه الضرر وسيتسلط عليه ويعذبه، أي هنا بدل الحصول على المساعدة من الجن وقع التعذيب، وأيضا أن كل من أراد الاتصال بهذا العالم الخفي، وجب عليه مخالفة سنن الرسل والتورط في المعاصي والكبائر. ثم هناك مسألة غاية في الأهمية، هي أن الجن في ما قبل كانت لهم قدرة الاستماع للسماء، إلا أنهم منعوا من ذلك، كما جاء في القرآن "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا"، أي أن ميزة التواصل مع السماء والاستماع، انتهت بنزول الوحي على النبي محمد، وفي النهاية سنجد أن الجن يقدمون نصيحة للإنسان أنهم آمنوا بالله ولن ينفعوهم في شيء. > هذا يعني أنه حدث قطع نهائي بين عالم الجن والإنس... > هذه الرسائل قوية في إزالة ثقافة الجن وإسقاطها، وأن التعاون الذي كان بين الإنسان والجن في زمن الشرك، انتهى منذ بعثة محمد إلى اليوم، فالقرآن وجه رسالة مهمة لكل المدعين، الذين يقولون إنهم يسخرون الجن ويطردونهم من أجساد المرضى، وأن على الإنسان تحصين نفسه من الشيطان وباقي الشرور بقراءة آيات من القرآن، التي ستمنحه قوة نفسية وثقة كبيرة في الله، وتجنبه مكر الخداعين والكذابين، الذين يدعون معرفة أسرار الناس ويستغلون ضعفهم للتأثير عليهم. فالخطاب القرآني غير الكثير في ثقافة الجن، واعتبر أن التعاطي مع هذا الموضوع يجب أن يكون بأمور علمية ومنطقية يتحكم فيها الإنسان، وأن هذه الأشياء تجب محاربتها لأنها لا تليق بمسلم، وأن فترة تداول موضوع الجن، كانت البشرية في بدايتها. > هناك من ينكر وجود الجن جملة وتفصيلا ويعتبره خرافة، ما قولك؟ > أولا القرآن تبنى النفي المبطن لعالم الجن، بتأكيده أنه عالم خفي، لكن حتما لا يمكننا معرفة الغيب، وأن أي رافض لفكرة الجن يجب أن يقدم دليلا على كلامه، وهذا أمر يتطلب علما أكبر، فموضوع وجود الجن من عدمه شبيه بنسخة كتاب واحدة بين آلاف الكتب في مكتبة ما، البعض سيقول إنه عاينها واطلع عليها، وآخرون سيؤكدون أنهم لم يعثروا عليها رغم بحثهم المضني عنها داخل المكتبة. كما قلت لا يجب الحديث في موضوع الجن دون علم وتقديم دليل قاطع على عدم وجوده، وهذا غير ممكن لأننا أوتينا من العلم قليلا، فالعديد من النظريات، التي جاءت في أفلام الخيال العلمي، صارت حقيقة، لهذا فموضوع الجن ممكن، شرط البحث بشكل مخالف للقوانين العلمية الحالية. في سطور: - من مواليد البيضاء في 2 يونيو 1961 - حاصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بعين الشق - حاصل على دبلومات الدراسات المعمقة بجامعة محمد الخامس بالرباط - حاصل على الماجستير بجامعة محمد الخامس بالرباط في 1989 - حاصل على دكتوراه الدولة بكلية ابن امسيك في 2000 - مؤسس محترف الدراسات القرآنية بكلية ابن امسيك 1993 من مؤلفاته : - 2002 كتاب " أكثر أبو هريرة" - 2003 كتاب جزء من أطروحة "نحن والقرآن" ( مقدمات منهجية في أصول التدبر) - 2004 " التأثير المسيحي في تفسير القرآن"، طبع دار الطليعة بيروت - 2011 "الإضافة النوعية القرآنية" (مراجعة نقدية في سفر التكوين) - 2018 "موسى والتوحيد" (أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج)

القـرآن تبنى النفـي المبـطـن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حقيقة لا تناقش

"الجان"... لعبة الدجالين ومكر المشعوذين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات