الأديان لم تتخلص من النزعة الإقصائية

أيلال قال إن حديث "الفرقة الناجية" يغذي الإرهاب الديني قال الباحث رشيد أيلال إن مفهوم "الفرقة الناجية" المستمد من حديث نبوي، يؤجج الحقد والكراهية وينسف أي مبادرة للحوار والتفاهم وتذويب الخلافات، واعتبر الباحث في نقد التراث الديني أن هذا الحديث يتعارض مع المفهوم القرآني للتسامح والرحمة الواسعة لله، كما توقف صاحب كتاب "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة" عند الكيفية التي توظف بها حركات الإسلام السياسي هذا المفهوم في صراعها مع خصومها، وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب > كيف يمكن قراءة حديث "الفرقة الناجية" في ظل ثقافة اليوم عن التسامح والحوار بين الأديان والثقافات؟ > حديث الفرقة الناجية والذي يتحدث عن أن "اليهود افترقوا إلى إحدى وسبعين فرقة والنصارى افترقوا إلى اثنتين وسبعين فرقة وأمة الرسول ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي". طبعا هذا الحديث يتنافى بشكل جذري وأساس مع التسامح الذي أساسه الحوار والاحترام بين كل الثقافات والديانات، ومع المواثيق الدولية المؤسسة للسلام بين بني البشر، فاعتبار كل المذاهب والتوجهات في النار يؤجج الحقد والكراهية بين الفرقاء والانتماءات الدينية، مع كامل الأسف هذا الحديث الذي صححه الألباني ودافع عنه ابن تيمية الحراني وقال عنه حديث صحيح مشهور، لا يتسق ولا يتوافق مع ما تطمح إليه الإنسانية الآن من رتق وردم للهوة التي يزيد في تكريسها التشدد والكراهية، وأيضا تقريب وجهات النظر، فالحوار يكون على أرضية مشتركة على أساسها نعمل على تذويب الخلافات، لكن هذا الحديث وأمثاله يلغي أي سبيل للحوار والتفاهم لأنه ينطلق من مبدأ أن العالم كله في النار إلا أنا وزمرتي وتوجهي، بل الأخطر من هذا فهو يفرق حتى بين أتباع الملة المحمدية ويجعل أغلبها في النار، وكأن هذا الحديث تم وضعه فقط للتمزيق والتفريق والإقصاء بين كل بني البشر. > ما مدى تعارض هذا الحديث مع المفهوم القرآني لرحمة الله التي تسع كل شيء؟ > هذا الحديث يتعارض رأسا مع كل ما يدعو إليه القرآن من تآلف وتعارف بين الناس، فأولا كما تفضلتم القرآن يؤكد على أن رحمة الله وسعت وكل شيء، ثانيا القرآن يساوي بين كل الديانات ويجعل أساس دخول الجنة هو الإيمان والعمل الصالح وذلك واضح في الآية التي تقول: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". والآية التي تقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير". ومن هنا يتضح أن هذا الحديث لا يستقيم مع المعطى القرآني بخصوص الآخر المختلف عنك، (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فلماذا التدخل في مصائر الناس الغيبية وتقرير مصيرها، حتى أن القرآن يأمر الرسول بأن يقول للناس ( قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) فكيف يدعي هذا الحديث بأن الرسول يعرف مصائر الناس الأخروية ويدخل هذا الجنة والآخر النار؟ ! > كيف تم توظيف مفهوم "الفرقة الناجية" في سياق الإسلام السياسي؟ ـ يتم توظيفه توظيفا بشعا، بحيث أن كل جماعة تدعي لنفسها بأنها الفرقة الناجية، وتصنف منافسيها حتى وإن كانوا من داخل صف الإسلام السياسي بأنهم من أهل النار وأنهم فرق ضالة مصيرها جهنم وكل من اتبع أو صوت لغيرهم فهو من زمرة أولئك (الضالون الكفرة) فيصبح التنافس عقائديا لا سياسيا، ويصبح سلاح هذه التوجهات الإسلاموية عبارة عن نصوص دينية وليست برامج إصلاحية أو تنموية أو سياسية، فيرهبون الناس بجهنم للحصول على أصوات الناخبين ودعمهم. هي فعلا وسيلة دنيئة يستعملها هؤلاء إما لتصفية الحسابات أو للانفراد بكعكة السياسة، ودعني أذكرك كيف استعملت الجماعات السلفية في سوريا حديث الفرقة الناجية لتقاتل بعضها، والانفجارات التي نسمع عنها في كابول ضد طالبان الإسلاموية من قبل داعش الإسلاموية والكل يحمل حديث الفرقة الناجية شعارا له. > هل يمكن القول إن المفهوم تجاوز إطار تغذية جذور الكراهية تجاه الآخر غير المسلم إلى المسلمين أنفسهم؟ > نعم وبكل تأكيد، والتاريخ يشهد كيف تناحر المسلمون سنة وشيعة، وسنة وسنة، بل كيف تناحر الصحابة في ما بينهم، وفي واقعنا الحالي خير مثال، كيف تلعن كل جماعة إسلاموية أختها، وتعتبرها ضالة وعقائدها فاسدة وبالتالي فهي ليست من الفرقة الناجية، والمضحك في الأمر أنهم كلهم يدعون بأنهم يتمثلون طريق الرسول وأصحابه، مع العلم أن كتب الفقهاء والمحدثين والإخباريين تعج بالخلافات القاتلة بين الصحابة أنفسهم ! > كيف يمكن تحليل فكرة "حصرية الجنة" في الثقافة الإنسانية بشكل عام، والسياق الإسلامي على وجه التحديد؟ > الأديان كلها مع كامل الأسف لم تتخلص من النزعة الإقصائية للغير، فحولت خلافاتها الفكرية والعقائدية إلى البعد الغيبي وادعت لنفسها المآل الأخروي الحسن، ولغيرها النار والشنار، رغم أن الكتب السماوية تعج بالنصوص الداعية إلى الألفة والتآلف، لكن النزعة الضيقة ظلت هي المسيطرة لمئات السنين، رغم مجهودات الإصلاحيين من داخل هذه المنظومات الدينية، والذين حاولوا أنسنتها وخلصوا إلى أن مسألة العقائد الدينية هي شأن شخصي ولا يجب الخوض في مصائر الناس ومعتقداتهم، وبناء علاقات بين هؤلاء الفرقاء على أساس المشترك الإنساني من قيم مصالح كثيرة توجد وتجمع، بدل تحويل البشرية إلى كيانات قزمة متناحرة متفرقة، غير أن المجتمعات المسلمة مع كامل الأسف ما زالت تحكمها تلك النظرة الضيقة، رغم أنه ثبت فشلها، فهي لم تجلب لنا وللإنسانية سوى الدمار، بل حتى أن الأصوات الإصلاحية من داخل المنظومة الإسلامية والتي تحاول جاهدة محاربة هذه الأفكار الإقصائية بتسييد ثقافة التسامح والبحث في النصوص الدينية المؤيدة لها، تجابه بالتكفير والإقصاء والتفسيق واتهام النوايا، لذلك ففكرة حصرية الجنة داخل الثقافة الإسلامية ما تزال تتسيد المشهد الديني، حتى أنها أصبحت من المسلمات لدى الكثيرين لا تجب مناقشتها، أو حتى إظهار أنها تخالف النص القرآني باعتباره المصدر الأول للتشريع لدى المسلمين، وهو الشيء الذي فتح الباب أمام فوضى عقائدية فالكل يتهم الكل ويدعي لنفسه الجنة، والأخطر من هذا لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى الدعوة إلى وجوب الجهاد ضده، لأنه إما كافر أو مرتد وكلاهما وجب قتالهما في عرف هؤلاء وفي أدبياتهم العقائدية، لذلك أنا أعتقد أن حديث الفرقة الناجية يعتبر من أهم النصوص المغذية للإرهاب الديني في عصرنا! في سطور: ـ من مواليد مراكش. ـ كاتب وباحث في نقد التراث الديني وعلم مقارنة الأديان. ـ من مؤلفاته "صحيح البخاري.. نهاية أسطورة"

الأديان لم تتخلص من النزعة الإقصائية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

8 سنوات لعصابة سرقة النساء

اعتقال سارق منزل شقيقته بتامنصورت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات