نساء كسرن جدار الصمت

خمس نساء كشفن، في شهاداتهن لهيأة الإنصاف والمصالحة، عن العنف المباشر الذي طالهن والتهجير والإقصاء من الحياة والمعاناة والتعذيب وسوء المعاملة، باعتبارهن زوجات ومن عائلات خصوم الدولة. نساء كسرن جدار الصمت، حسب ما أكده المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في كتاب "نساء كسرن جدار الصمت.. مرويات نساء سنوات الرصاص"، أصدره، بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، ليكشفن عملية احتجازهن واستجوابهن وتعذيبهن ومضايقتهن وإذلالهن... الحلقة الأولى حفيظة... ضحية خيانة مزدوجة أوقف راتب زوجها بعد اعتقاله سنة 1984 وأنفق تعويضات هيأة المصالحة على امرأة أخرى أكثر ما يقهر المرأة، هي الخيانة، فبعدما تمضي سنوات من حياتها، لرعاية زوجها وأبنائها، تطمح في لحظة اعتراف، تنسيها سنوات من الألم والحزن وقلة الحيلة، لكن نادرا ما حدث ذلك، لتتأكد أنها هدت حياتها وكسرتها من أجل أشخاص لا يستحقون. قصة حفيظة من القصص التي لابد أن تكون عبرة لكل امرأة تفكر في الآخرين قبل نفسها، تسهر من أجل راحتهم، حتى لو كان ذلك على حسابها، قصة لابد أن تكون عبرة لكل واحدة، تفكر في زوج سيدهسها في أول مناسبة تتاح له. تجر حفيظة خلفها معاناة حاولت أن تكشف تفاصيلها أمام أعضاء هيأة الإنصاف والمصالحة، لعل ذلك يخفف صدمتها وحزنها. تقول حفيظة إنها ترعرعت في منطقة الناظور في بيئة محافظة جدا. مات والدها فذاقت طعم اليتم، لتتزوج والدتها، فذاقته مرة أخرى. من أجل ذلك، تولى جدها تربيتها "كأنني واحدة من ممتلكاته، احتجزني كما تحتجز البهيمة، لم أكن أرى الناس إلا نادرا. تزوجت ابن خالي في سن مبكرة، تكرر معي الأمر نفسه. منعني هو أيضا من الخروج من البيت. كتمت سري وألمي ونذرت نفسي لتربية أبنائي". في كل مرة كانت حفيظة، خلال العودة إلى الماضي، تهرب إلى الصمت لتعود مرة أخرى لكشف تفاصيل الماضي، ولتقول "كان زوجي موظفا بسيطا بوزارة الفلاحة. لم أكن أعرف الشيء الكثير عن أعماله. فقد اعتاد مغادرة البيت دون علمي، لكن بوجود المأكل والمشرب، كنت أحس أني أملك كل شيء". أنجبت حفيظة ثلاثة أطفال خلال العقد الأول من زواجها، وكانت تعيش حياة طبيعية، إلى أن انقلب كل شيء "في أحد أيام 1984، طلب رجال التحدث إلى زوجي والبقاء بعيدا عنهم. قاموا باستجوابه وبحثوا عن الكتب في المنزل. وسألوني عن أنشطة زوجي، وعما يفعله وعن المكان الذي يذهب إليه. أرادوا أن يعرفوا أيضا كل من يجيء لمقابلته، قلت لهم بصدق إنني لا أعرف شيئا، وإنه نادرا ما يأتي الزوار إلى المنزل". وفي ذلك اليوم أخذ الرجال زوجها، دون أن تكون على علم بمكانه، وظلت في المنزل لأيام، دون أن تقوى على الخروج منه، بسبب الرعب الذي عاشته في ذلك اليوم، سيما أنه في ذلك اليوم، كان أول لقاء لها مع المخزن. عاشت حفيظة خمسة أشهر دون أن تصلها أي أخبار عن زوجها، أو حتى سبب احتجازه، فقد كانت خائفة مختبئة في منزلها مع أطفالها الثلاثة، وما زاد الطينة بلة، أنه تلك الفترة، تفادى بعض جيرانها وأقرابها التحدث إليها خوفا من اضطهادهم، قبل أن تكتشف أن زوجها نقل إلى أحد السجون في آسفي، وبمساعدة شقيقها ذهبت لمقابلته، ليخبرها أنه على استعداد ليطلقها وتعيش حرة، إلا أنها رفضت اقتراحه وظلت على ذمته في انتظار إطلاق سراحه. وفي تلك الأيام، تخبطت في معاناة أخرى، وعاشت مأساة أخرى، سيما بعدما أوقف المخزن راتب زوجها، فلم يعد لها أي مصدر رزق. فأحست بالضعف، ولم تقو على مواجهة العالم الخارجي والعمل خارج المنزل، الأمر الذي دفع والدتها إلى العمل وتوفير متطلبات جل أفراد العائلة، قبل أن ينقطع أبناؤها عن الدراسة، للبحث عن العمل. لكن بعد سنوات من "العذاب" ستعيش حفيظة عذابا آخر "بعد عشر سنوات طويلة وشاقة، أفرج عن زوجي وعاد إلى بيته، وصارت الأمور في بادئ الأمر على ما يرام وأنجبت ثلاثة أطفال آخرين، قبل أن يتغير زوجي، وأضحى لا يتردد في ضربي لأتفه الأسباب" والمفاجأة الكبرى أنه أعلن عزمه الزواج من امرأة أخرى، ولأنها رفضت ذلك، أصبح المنزل مسرحا للصراعات، فهرب اثنان من أبنائها لأنهما لم يتحملا الوضع، وأحسا بأن والدها خانهما بعد سنوات من الفقر والمعاناة. "رغم كل تلك التضحيات، طلقني ورمى بي خارج المنزل خاوية الوفاض، وبعدما حصل على تعويضات، تزوج بامرأة أخرى وتخلى عن أطفاله"، تقول المرأة إنها كانت ضحية خيانة زوجية من قبل زوجها ومن قبل الدولة، لأنها لم تقدم أي شيء لأولادها الذين تمت التضحية بمستقبلهم دون أن يكون لهم يد في ما قام به والدهم. إيمان رضيف

نساء كسرن جدار الصمت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كسور تهدد الرضع

فضيلة بنموسى... فنانة عصامية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات