المحكمة استبدلت الإعدام بالمؤبد في حق الجاني أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية لدى محكمة الاستئناف بمكناس أخيرا، قرارا يقضي بتأييد الحكم الابتدائي المستأنف القاضي بإدانة المتهم الخمسيني (ع.ع) بالإعدام لارتكابه جنايات القتل العمد والسرقة الموصوفة وتكوين عصابة إجرامية وجنحتي التمثيل بجثة وإخفائها، في الشق المتعلق بالإدانة مع تعديله بجعل العقوبة المحكوم بها عليه محددة في السجن المؤبد مع تحميله الصائر. وتعود وقائع القضية إلى 2006، إذ فور توصل مصالح الأمن بالمدينة، بخبر اختفاء الضحيتين (إ.ح) وزوجته (م. ب) في16 فبراير من السنة نفسها، تعبأت بأمر من النيابة العامة التابعة لمحكمة الاستئناف بمكناس، وعملت بتنسيق مع نظيرتها في الرباط من أجل الكشف عن خيوط هذه الجريمة المزدوجة، وهو ما أدى إلى إلقاء القبض بالرباط على أحد المتهمين، الذي مكن التحقيق معه من الكشف عن باقي المتورطين في الجريمة. لم يكن الجناة سوى الإخوة البوعامي أصحاب محل بيع اللحم المفروم (الكفتة)، الذي يوجد في أسفل المنزل الذي يقطنه الضحية (إ. ح) (محام) وزوجته (م. ب). وعمل الجناة على قتل الضحيتين بطريقة أقل ما يقال عنها إنها وحشية، إذ لجؤوا إلى ضربهما بواسطة أداة حادة على رأسيهما، ولم يكتفوا بتصفيتهما فقط، بل قطعوا الجثتين إلى أطراف، وفرم لحمهما بواسطة آلة مخصصة لذلك، وخلطه بالماء ورميه في مياه الصرف الصحي، ثم كسروا العظام إربا إربا، وفتتوا الرأسين، وتم وضع كل الأشلاء في حقائب وأكياس بلاستيكية تابعة للوقاية المدنية، وتخلصوا منها برميها في واد الشراط ضواحي الرباط. وتحدثت الأنباء عن وجود نزاع قديم بين عائلة الجناة وأسرة الضحية (المحام). كان ذلك منذ سنوات طويلة خلت، كان يجمع بينهما سكن واحد، إذ كانت عائلة الضحية تسكن في الطابق الأول، فيما كانت عائلة البوعامي تقطن في الطابق الثاني، وتكتري أيضا محلا لبيع اللحم المفروم في المحل الذي يوجد أسفل البيت في المدينة العتيقة بمكناس. وقد حدث نزاع بين العائلتين حول الضرر الذي يخلفه الدخان المنبعث من المحل (المشواة)، والضجيج الذي يحدثه الزبناء، وهو ما أقلق راحة أسرة المحامي التي طالبت بواسطة أكثر من شكاية برفع الضرر عنها، في وقت كانت عائلة البوعامي ترى أن إغلاق المحل هو الضرر نفسه، خاصة أن المحل عرف بكثرة زبائنه، ويدر دخلا مهما على أصحابه، وبإغلاقه قد تسد أمامهم كل أبواب الرزق بحسب اعتقادهم، فكان النزاع يتطور يوما بعد آخر، قبل أن ينتهي في نهاية الأمر إلى جريمة قتل مزدوجة بشعة هزت الرأي العام المحلي والوطني. وبعد أن أحس الإخوة البوعامي برجوح كفة المحامي في ميزان النزاع، فكروا في عدة طرق وسيناريوهات من أجل حسم هذا النزاع لصالحهم، وإبعاد شبح كسب المحامي وزوجته القضية. وربط أحد الإخوة «البوعامي» الاتصال بأحد المهاجرين المغاربة بالديار الإسبانية المدعو(ع.ع)خمسيني متزوج وأب لابنة، عن طريق إحدى الوسيطات، و الذي أصبح واحدا من المشتبه فيهم الرئيسيين في هذه المجزرة، حيث بادر المعني إلى حبك خطة رفقة الإخوة وأحد عناصر الوقاية المدنية بمكناس، الذي ساعد بشكل مباشر الإخوة في تنفيذ جريمة القتل المزدوجة، حيث تجمع المتهمون جميعا وتم الاستعداد لتنفيذ خطتهم الإجرامية، وذلك بعد أن نال المشتبه فيه (المهاجر) أموالا كثيرة. وفي ليلة باردة، قبل بضع سنوات من الآن، كان المحامي وزوجته عائدين إلى منزلهما بالمدينة العتيقة، ولم يكن يدور بخلدهما أبدا أن هناك من يترصدهما ويسعى لتصفيتهما جسديا. وفور وصولهما إلى شقتهما فاجأهما الجناة بضربات قوية بواسطة آلات حادة على رأسيهما، حتى لفظا أنفاسهما الأخيرة، وعمد الجناة إلى سحب جثتيهما إلى الطابق الثاني، حيث يوجد بيت «البوعامي». ولم يكتف الجناة بقتلهم المحامي وزوجته، بل قطعوا عظامهما، إربا إربا بواسطة آلات خاصة، وحولوا اللحم إلى كفتة تم خلطها بالماء وصبها في مياه الصرف الصحي رغبة منهم في إخفاء معالم الجريمة. كما تم جمع باقي الأشلاء في أكياس بلاستيكية ووضعها في حقائب تم نقلها بعد ذلك إلى ضواحي العاصمة الرباط، حيث جرى رميها في واد الشراط. واستولى الجناة بعد ارتكابهم جريمتهم النكراء على مجوهرات وهواتف محمولة في ملكية الضحيتين. أمام جريمة نكراء بهذا الشكل، كان لا بد من وضع اليد على الفاعلين، وهو ما قامت به الشرطة القضائية بمكناس حين علمت باختفاء المحامي وزوجته، عن طريق الشكايات التي تقدمت بها عائلتا الضحيتين إلى مصالح الأمن، فتم الانتقال إلى البيت الذي يوجد بحي النجارين وإلى البيت الآخر بالحاجب، دون أن تعثر لهما الشرطة على أثر. لم تقدم التحريات الأولى أي جديد يذكر، خاصة أن الجريمة خطط لها بإتقان من قبل المتهم الرئيسي والعقل المدبر في هذه المجزرة. ولكن إغفال المجرمين إغلاق الهاتف المحمول للمحامي (الضحية) سيعجل بالإطاحة بهم سريعا، إذ مكنت مكالمة واحدة من قبل امرأة بسلا استقبلها هاتف المحامي من الوصول إلى الخيوط الأولى للجريمة، فقد أدركت عناصر الضابطة القضائية أن الجناة يتوزعون بين سلا ومكناس. وبعد العديد من التحريات الميدانية نجحت الشرطة في القبض على المتحدثة في الهاتف، التي أرشدتهم إلى زوجة المهاجر (ع.ع)التي كانت على علم بارتكاب زوجها جناية القتل، فتم اعتقاله بإسبانيا بناء على مذكرة بحث دولية، وبعد ذلك تم الوصول إلى العناصر الرئيسية التي كانت وراء ارتكاب الجريمة، وتضاعف عدد المتهمين في القضية، إذ تم القبض على نساء أخريات بتهمة شراء حلي مسروقة، كما شهد الحادث بعد ذلك وفاة أحد الإخوة «البوعامي» بسجن سيدي سعيد بمكناس. حميد بن التهامي (مكناس)