خلف الملامح القاسية للبيضاء، وخلف حركة التمدن والتعمير المتسارعة التي تعيش على وقعها العاصمة الاقتصادية، ما زالت هناك أركان خفية في هذه المدينة الكوسموبوليتية تحضن بين طياتها وجدرانها حكايات لأولياء وأضرحة تحفظ لكازابلانكا جانبا من تاريخها المنسي، الحابل بحكايات وأساطير صلحائها الذين ارتبطت بهم المدينة وشكلوا جزءا من مخيالها الشعبي الذي يأبى إلا أن يقاوم الزمن ويستمر في الحاضر. الحلقة الرابعة سيدي محمد مرس السلطان كان "كرّابا" ولقب بـ "مولْ الصبيانْ" لحبه الشديد للأطفال تشير بعض الكتابات إلى شخصية سيدي محمد مرس السلطان بأنه كان أحد مساعدي السلطان مولاي الحسن الأول، وكان يتولى مهمة الإشراف على "المرس"، لكنه سرعان ما زهد في المنصب وباع ممتلكاته وقصد مدينة فاس لتلقي العلوم الدينية في جامع القرويين، وتوسم فيه معلموه الشأن الكبير، ثم عاد أدراجه صوب مدينة الدار البيضاء، حيث سخّر ثروته لخدمة الفقراء واليتامى، وعرف بقدرته على علاج القلق النفسي، حتى في حالاته المستعصية. عاش الرجل في بداية القرن الماضي، وكان "كرّابا"، يرفض تلقي أجرته مالا ويقبلها كسرة خبز وحفنة من الزيتون.. لقب ب«مول الصبيانْ» لحبه الشديد للأطفال وملاعبته لهم، فبادلوه الحب نفسه، وكان يهتمّ بإعداد أدوية من خليط الأعشاب للأمراض التي تصيبهم فيستردّون عافيتهم فورا.. وذاع صيته فقصدته الأمهات لعلاج فلذات أكبادهن. يوجد ضريح محمد مرس السلطان وراء شارع عبد المومن، وسط العمارات الحديثة، التي كانت حتى عهد قريب عبارة عن فيلات. من الطقوس الثابتة للضريح والتي مازال معمولا بها إلى يومنا هذا، شراءُ الشموع من شخص له غصن من فرع شجرة الولي. وهذا الشمع الذي يلقى به من خلال الشباك الحديدي يتم جمعه وبيعه مرة أخرى.. وهكذا يتم ضرب عصفورين بحجر واحد، وتابعت المصادر أن «برَكة» سيدي محمد كانت تنحصر في علاج السعال الديكي (العُوّاية) والقلق النفسي لدى البالغين، قبل أن يضيف القيّمون على الضريح تخصصات أخرى، مثل "ضْريب اللّدونْ" وطرد شبح العنوسة، لجلب موارد أخرى للضريح.. «برَكة» سيدي محمد لا تضاهيها بركة في علاج "العواية"، إلى جانب القلق النفسي وحتى حالات الصرع المستعصية، يقول مصدرنا، قبل أن يضيف أن مستشفى الأطفال الذي لا يبعد كثيرا عن الضريح، كان بعض "أطبائه" ينصحون الأمهات بحمل أطفالهن إلى هنا من أجل اختصار المراحل التي لا بد أن يقطعها العلاج قبل أن يبدأ في إعطاء مفعوله. عزيز المجدوب