وضع المغربُ الجزائرَ أمام التاريخ والجغرافيا والدين والأخلاق والسياسة والمصير المشترك بين شعبين توأمين، وليسا شقيقين فقط. فلأول مرة، منذ دخول علاقات البلدين النفق المسدود في عهد عبد العزيز بوتفليقة والرئيس الحالي، تواجه الجزائر برسالة الوضوح التام، كما سيطلب منها أمام دول العالم أن تختار: * إما الاستمرار في خنق إقليم المغرب الكبير وقتله بكيان انفصالي منبوذ دوليا ومنعدم الوجود شرعيا، يكلفها ملايير الدولارات سنويا على حساب القوت اليومي للشعب الجزائري. * أو تنحاز إلى أطروحة الإخاء والمصير المشترك والحتمي بين دولتين تربط بينهما آلاف الكيلومترات، وعقود من التاريخ والعلاقات الثنائية المشرفة، وبين شعبين تجري في عروقهما الدماء نفسها، بل يحملان الخريطة الجينية نفسها، حسب مصطلح "التوأمين" الذي استعمله جلالة الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 22 لجلوسه على عرش المملكة المغربية العتيدة. فلا نقول إن المغرب سجل هدفا في مرمى النظام الجزائري، ولن نحرض على لغة غالب ومغلوب، بل نجزم أن منطقة شمال إفريقيا، قبل خطاب 31 يوليوز 2021، لن تكون المنطقة نفسها بعده. لقد انتصر جلالة الملك للشعبين المغربي والجزائري واعتبرهما شعبا واحدا وجه له خطاب العرش، وهو يدرك التقدير الكبير الذي يكنه أغلب الجزائريين لشخص جلالته وكرمه وعطفه ومبادراته الشعبية والإنسانية وعمله الدؤوب في إصلاح ذات البين، بينما تنتصر بعض الأبواق في الجيش الجزائري والإعلام والدبلوماسية للتفرقة والفتنة والإصرار على الخطأ الجسيم نفسه لأكثر من 42 سنة. إن الخطاب الموجه إلى الشعب الجزائري العزيز يدعو على نحو واضح، إلى استحضار المكاسب التي يمكن أن يجنيها من إعادة فتح الحدود المغلقة منذ تسعينات القرن الماضي، تحت ضغط سياق لم يعد قائما، كما جرت مياه كثيرة من تحت الجسور وتغير مسؤولون وأجيال من الحكام لا علاقة لهم بما حدث، لكن يتحملون مسؤولية أخلاقية وسياسية لتصحيح هذا الخطأ. فلم يحدث أن خص خطاب ملكي للعرش موجه إلى الشعب المغربي، شعبا جارا بكل هذه الحفاوة والتقدير، وهو ينبهه إلى مخطط "إغلاق العقول" المعتمد من قبل جهات في الداخل، ودعا جزائريين إلى زيارة المغرب كي يروا بأم أعينهم أن ما يردده البعض حول الفقر والتهريب والمخدرات مجرد أساطير. في المقابل، حذر جلالة الملك الشعب الجزائري من الشر الحقيقي القادم من التهديدات الأمنية والجرائم العابرة للقارات، ومن سوء استغلال الإمكانيات المتوفرة للمنطقة المغاربية لتحقيق الإقلاع المنشود، لما فيه رخاء الجميع. إنها دعوة العقل والتبصر والحكمة الموجهة للشعب الجزائري لتوقيف عداد الهدر التنموي والتاريخي، والتوجه إلى البناء المشترك. إنه أيضا النداء الأخير قبل الخروج، بلغة الطرق السيارة، أو نداء الفرصة الأخيرة، حين حرص جلالة الملك على التأكيد، في الخطاب نفسه، أن الشعب المغربي يمكن أن ينجح بإمكانياته الذاتية وحدها كما نجح في مواجهة أزمة كورونا، وسينجح بنموذجه التنموي الجديد وبمؤسساته الأمنية والاستخباراتية والعسكرية العتيدة، لكن سينجح أكثر مع توأمه الجزائري. واش فهمتونا ولا لا.