سجين "الطوندونس" عزلة الشباب والمراهقين وعزوفهم عن الخوض في قضايا المجتمع والسياسة، ليست حديثة، بل واقع مر نتاج أسباب متنوعة تفاقمت وتوسعت، ومنها انعدام الثقة وما شكله من هوة عميقة بين الأجيال والماسكين بزمام كل القطاعات والمجالات السياسية والاجتماعية والثقافية. الإعلام بدوره قد يكون له دور، على الأقل بنشره أشكال موضة وموديلات ونماذج تصويرية وحياة فخمة وثراء سهلا يسيل لعاب شباب مهووس يقلد بغباء من وسط محيطه البئيس. فماذا ننتظر مما نعاينه من مشاهد «روتيني اليومي» وغيره، غير انحلال الأخلاق والضمير الإنساني؟ لا يمكن لجيل يتربى وسط الفضائح والعري وسائل للكسب و»التوندوس» عوض التحسيس ونشر الوعي وقيم المواطنة ووسائل الحفاظ على الهوية المغربية، إلا أن يكون كما هو الآن، اتكاليا غير مكترث ومنبهرا بالسراب وحالما بالوهم ومهووسا ب»ستوريات» هاتفه أو حاسوبه. شبابنا أصبح للأسف خارج مجتمعه وذاته منعزلا ومعزولا عنهما، سجين «خربشات» تواصلية في غياب التوجيه والإرشاد والحوار خاصة مع الفئات العمرية الأكبر والأنضج. إنه محتاج إلى بدائل ناجعة للخروج من قوقعته إلى بر الأمان، في غياب الأمان الحقيقي في الأسرة والمجتمع. هذه الفئة في الحقيقة ما هي إلا ضحية أوضاع يعيشها المجتمع، فلا بد من حملات تحسيس وتوعية ومد يد الأمن والسلام والتقرب منهم واحتضانهم، فبجعبتهم الكثير مما يمكن أن يقدموه لهذا الوطن الحبيب. فقط يحتاجون إلى فرصة وموجه منصت ومرشد حقيقي لهم صوب النجاح، وبهذا نخلق جيلا مهتما منشئا وفعالا بدل جيل «ما مسوقش». * لبنى البراهمي (طالبة جامعية وباحثة وفاعلة جمعوية- مسلوب الإرادة سأحاول بداية أن أجيب عن سؤال: لماذا شبابنا غير مكترث بما يدور حوله خاصة ما يتعلق بالمشاركة السياسية؟ وفي اعتقادي لا يمكن فهم حدة السؤال إلا بالنظر لعمق الأزمة التي أنتجت عقودا من ممارسة سياسية جعلت الشباب ينفر من المشاركة والتفاعل.عدة اختيارات وعوامل أفقدت الناس، وليس الشباب فقط، الثقة في كل شيء ودفعتهم للانعزال والتفرج على الوضع من بعيد فاسحين المجال لاستشراء كل مظاهر العبث والتسيب والفوضى. ولست متفقا مع المقاربة المحملة للشباب مسؤولية العزوف السياسي والمجتمعي. ليس كل الشباب عازفين ومنعزلين، فهناك شباب ناضج ومبادر ومدرك لما يريد من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، لكن يقابل أحيانا بالالتفاف والتخويف والاعتقال والملاحقات والمحاكمات. فأي سياسة نريد للشباب أن ينخرط فيها ويكون له صوت فيها؟ تسويق صورة السياسة بمعناها المغربي وربطها ب»التشلهيب» والفساد والانتهازية والمحسوبية والمكر والخداع، ساهم في نفور مجتمعي وليس شبابيا فقط، ومن هنا قد نجد جوابا لسر كون شبابنا «ما مسوقش» وغارق في عوالمه الخاصة، غير عابئ بما يجري حوله من تطورات وتغيرات. ما يقال عن العزوف السياسي، ينطبق أيضا على باقي المجالات وعزلة وانعزال الشباب، بل وتحوله أحيانا شخصا مسلوب الإرادة تتحكم الهواتف في حركته ويعيش على أحلام الانعتاق من ذاته غير الراضي بها، ومن مجتمعه الذي لم يوفر له شروط الانصهار والوعي بدوره فيه». * محمد الهاشمي (حقوقي وجمعوي ومستشار جماعي) "وليدات فري فاير" نلاحظ أن هناك فعلا جيلا مبتورا ليس كسابقه. وطبعا لن يكون كالذي سيليه، وكأننا مجتمع مبتور التاريخ الثقافي والتربوي، لا توجد حلقات رابطة بين أجياله. وهنا أستحضر ما يجب أن يكون من تفعيل للقول المعروف «علموا أولادكم، فإنهم مخلوقون لزمن غير زمانكم». كيف أصبح جيل الشباب والمراهقين خارج سياق المجتمع، وما هو الفهم الممكن له في زمننا، هل هم على حق أم الذين سبقوهم؟ أسئلة محورية تحتاج إجابة مقنعة حتى لا نكون مجحفين وقاسين إن أصدرنا حكما مسبقا وجاهزا ينسب التفاهة وعدم الاكتراث لشبابنا. طبعا لا يعول على شباب يجهل تاريخ وطنه، ولن نقبل بمتتبع لأخبار الفنانين ولاعبي الكرة وآخر صيحات اللباس والحلاقة ولا يعرف أصله ووطنه وجغرافيته بداعي أنه جيل «ما مسوقش»، في غياب استخدام العقل وتعويضه بآلة حولتهم آلات بقولة ديكارت «حينما أنظر من النافذة، لا أرى سوى قبعات تحركها عربات»، كي لا يصبح مجتمعنا مستقبلا آلات بشرية لا تستخدم عقلها .في سياق الجواب عن سر عدم اكتراث هذا الجيل بما ومن حوله، لا بد من تلمس طريق المبررات والأسباب، فشبابنا وصل لما وصل إليه لتراكمات مجتمعية جعلته كما هو، وهو الذي تعرض لطوفان من الوصلات الإعلامية التافهة ويتخذ قدوة له شخصيات تافهة ورواد التفاهة في «يوتوب». الأسرة والمدرسة مساهمتان في صناعة هذا الجيل العنيد المقلد للغرب ورواد التفاهة والجهل. شباب يعيشون مع ذواتهم وهواتفهم وحواسيبهم، لا يعيرون أي اهتمام لقضايا مجتمعهم مهما كانت قوتها. جيل لا يهتم للوضع السياسي الوطني، ولا موقف له من قضية الصحراء ولا من قضية فلسطين. شباب تأسفوا لسقوط لاعب الدانمارك أركسن في كأس أمم أوربا أكثر مما تأسفوا لوفاة الفيلسوف المغربي محمد سبيلا. شباب لا يجيب على الهاتف لأنه يلعب «فري فاير». فهل ستكون للمغرب مكانة بهذه العقليات؟ وهل الدولة مهتمة برجال ونساء المستقبل، أم أنها ستبقي الحبل على الغارب ليزيد غرق المجتمع في الحضيض؟ بعدما كان للسياسات المتعاقبة دور في صناعة «جيل من الضباع» كما وصفهم السوسيولوجي الراحل محمد جسوس». * وفاء الشليح (جمعوية حاصلة على ماستر في علم الاجتماع وطالبة باحثة في تحولات المجتمع القروي) "جيل الضباع" قد أكون قاسيا إن كررت ما قاله المفكر الراحل محمد جسوس من «إنهم يريدون خلق جيل جديد من الضباع». العبارة كافية لتلخيص رأيي عن هذا الجيل من الشباب والمراهقين الذي صنعته عوامل مختلفة تحامت في فترات مختلفة لتصنع منه جيلا مسلوب الإرادة و»خارج التغطية». شبابنا أفسدت تربيته وأخلاقه التكنولوجيات الجديدة التي لم يحسن استغلالها وبعضه ذاب في ألعاب إلكترونية غسلت دماغه وجعلته مشلولا غير قادر على التفكير والاستيعاب، بعدما اختارها وسيلة أبعدته عن نفسه ومجتمعه وألهته عن دراسته والتحصيل العلمي المطلوب. تلك الألعاب أخطر من الخمر والمخدرات، وجعلت من الشباب آلات وأصناما أمام آلة، ما صنع جيلا «لا قراية لا أخلاق..». فماذا ننتظر غير ذلك من جيل لا يقرأ ويلازم هاتفه وحاسوبه طوال ساعات يعيش فيها خارج التغطية، ليبقى دوما كذلك جاهلا بما يدور حوله ومعزولا عن محيطه. جيل بلا علاقات اجتماعية واقعية وليست افتراضية، وليس له حد أدنى من الوعي بحقوقه وواجباته تجاه الأسرة والمجتمع والدولة وحتى نفسه. كل ما يشغل باله الآن، هو الحصول على آخر أنواع وماركات الهواتف واللباس والأحذية والدراجات النارية ووسائل الترف. هذا الجيل يعامل للأسف، كما لو كان عبئا ثقيلا من قبل الأسرة والدولة، فأصبح كل ما يطمح إليه هو الهروب من الذات أولا وإلى الضفة الأخرى التي يبني عليها أحلامه التي قد تتحقق أو يجهضها غرق في عرض البحر. وهذا ما لا نرضاه لشبابنا المحتاج لجهود منا تعيده لنفسه وتعيد قراءته وتضمن إعادة اندماجه وإدماجه في مجتمع يحتاجه لبناء أسس مستقبل بلد لن يكون آمنا ومزدهرا بدون كل شبابه. * سعيد ملاح (فاعل جمعوي وطالب باحث في العلوم الاقتصادية) العيش على الأحلام يحز في نفسي ونفوس كل المغاربة، أن نرى شبابا، نساء ورجال المستقبل، غير آبهين بقضايا بلدهم، وغير مبالين بما يجري ويدور ويستحق اهتمامهم وتفاعلهم وتدخلهم ومشاركتهم. وهذا ما ولد فئة مفتقرة لروح المسؤولية الوطنية تعيش على الأحلام منعزلة عن ذاتها ومجتمعها. بدل الاهتمام بما يقع ويدور حولهم من قضايا سياسية ووطنية واجتماعية، يبقى عقل شبابنا مشغولا بالموضة والثقافات الدخيلة من موسيقى الروك والميتال، ومهووسا بآخر صيحات الموضة. شباب يتهرب تماما حتى من ذاته وما يجول حوله ويتبع فقط ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي. تلك الآليات والوسائل الافتراضية أصبحت تقود شبابنا دون بوصلة محددة وتوجه أذواقهم وأفكارهم وحتى اهتماماتهم من وراء ما أصبحنا نسميهم بالمؤثرين والمؤثرات الذين يقودون من ورائهم الشباب المغربي في سكة غير آمنة، فقط لإشباع الرغبات التسويقية للشركات التجارية. كائنات و»مخلوقات» تصنع محتويات تافهة أسرت شبابنا المقبل عليها بنهم دون الجاد مما تعرضه مواقع «يوتوب» و»فيسبوك»، ما يساهم في تكوين جيل سيزداد تفاهة واستهتارا واهتماما بها وبالموضة وحياة الناس عوض الاهتمام بالواقع المعاش وتطوير الذات والتحصيل العلمي. وبالتالي أصبحنا نجد أنه من السهل للشاب المغربي أن يناقش ويكون على دراية معمقة بحياة فلان وقصة شعر فلانة وسروال «فرتلان»، ولا يهتم لما يحمله المسؤولية ويجعل منه شابا مسؤولا فعالا لذاته مفتخرا بهويته وثقافته وملما بها ومساهما بشكل فعال في صناعة المستقبل لذاته ووطنه» . خديجة القصابي (جمعوية وطالبة) كسول واتكالي الجيل الجديد من شبابنا جيل غير مبال بما يدور حوله من وقائع وأحداث نتيجة تراكم معاناته وعدم الاهتمام به واستغلاله الاستغلال الأمثل كقوة ضاربة يتمتع بها المغرب عن باقي دول العالم. إحباط ويأس ترسخا في عقول جيل اليوم لتراكمات مختلفة ومتنوعة، منها غياب التأطير والتوعية والإرشاد والتوجيه وصعوبة الحصول على شغل لائق ورعاية اجتماعية جيدة والافتقاد لكل الوسائل الكفيلة بتأمين انصهاره في مجتمعه وتفاعله معه ومع قضاياه. عراقيل أخرى كبرى تعترض اندماج شباب اليوم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، إذ تبقى نسبة تأثيرهم على السياسات العمومية محدودة جدا، ما تنامى معه الشعور الدائم بالإحباط وانعدام الثقة وجعل شبابنا معزولين عن محيطهم المجتمعي. كل هذه الظروف وغيرها، جعلت الجيل الجديد من الشباب والمراهقين، يعيش في عالم خاص به، إما متمردا غير مكترث بمن حوله أو منحرفا ومدمنا وعازفا عن كل شيء، أو يعيش على آخر صيحات الموضة وما استجد في عالم الموسيقى والرقص والتكنولوجيا الحديثة. إنه بحق جيل كسول واتكالي لا يتفاعل ولا يجتهد ولا يبدع ولا يتحدى صعوبات الحياة. جيل همه الهجرة والبحث عن الأحلام التي يراها في الأفلام والبرامج الخارجية ليعيش على أوهامها وكأنه سيجد المال مكدسا والثروة يسيرة والكرامة مزروعة في دروب تلك البلدان. هذا الوهم جعل فئة عريضة من الشباب تهتم بالغرب والهجرة وتعيش على أحلام وردية مغالى فيها، جعلته يهتم بالغرب أكثر من اهتمامه ببلده، لدرجة أصبح معها شبابنا أو فئة منه، يعرف عن بعض البلدان الخارجية أكثر مما يعرفه عن بلاده. شباب يعيش بذات مسلوبة في وطنه وعقل وتفكير في غيره من البلدان. إنه هو جيل الغد الذي ننتظر منه أن يستلم المشعل لاستكمال مسيرة البناء التي أسسها وناضل وقاوم من أجلها الأجداد. للأسف لن يتحقق ذلك إلا بإعادة بنائه وإدماجه وتأمين استرجاعه الثقة في نفسه ووطنه. عزيز الإدريسي البوزيدي (فاعل جمعوي، الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بتاونات) استقاها: حميد الأبيض )فاس(