الإشكالات المرتبطة بمهام قضاة تطبيق العقوبات

التزايد المتواتر في عدد نزلاء المؤسسات السجنية يؤثر سلبيا على طريقة مسايرة هاته القضايا (3/1) بقلم: ميلود ضومير* تشكل مرحلة التنفيذ العقابي إحدى أهم المراحل التي تتكون منها السياسة العقابية الحديثة، حيث يتم فيها محاولة تحقيق الهدف من الجزاء الجنائي والمتمثل في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليه، وتتجه المعاملة العقابية نحو أسلوب إنساني. فلم يعد ينظر إلى المحكوم عليه الذي ينفذ مدة عقوبته، إنسانا منبوذا، بل أصبح ينظر إليه رغم إدانته بارتكاب الجريمة، إنسانا مخطئا ضل طريق الصواب، وهو بذلك في حاجة إلى مد يد العون والمساعدة له، لإعادة تأهيله، من خلال معاملة إنسانية لا تحط من كرامته. لا خير من بلوغ هذا الهدف من إسناد هذه المهمة لقاضي تطبيق العقوبات، باعتبار القضاء الحارس الأمين لحقوق المحكوم عليه أثناء تنفيذ هذا الأخير مدة عقوبته داخل المؤسسة العقابية أو خارجها وحتى بعد الإفراج عنه، لتكتمل عملية الإدماج الاجتماعي على النحو الذي رسمته السياسة العقابية المعاصرة. وكذلك لاستكمال بناء دولة الحق والقانون التي من أسسها صيانة كرامة الإنسان بصفة عامة والسجين بصفة خاصة ولتحقيق الغاية من العقوبة التي هي الإدماج والإصلاح عن طريق الرقابة القضائية على تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ومحيط قضاء هذه العقوبة الذي هو المؤسسات السجنية، وعليه فالهدف من إحداث مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات هو تدعيم ضمانات حقوق الدفاع وصيانة كرامة المعتقل، بالإضافة إلى استمرار الحماية القضائية للمحكوم عليه بعد صدور الحكم وهو شيء إيجابي. لأن صلة القضاء بالمحكوم عليه كانت تنتهي بمجرد صدور الحكم ليصبح تنفيذه بيد جهاز إداري، ومن خلال تصفح المقتضيات القانونية المحددة لصلاحيات هذه المؤسسة في إطار قانون المسطرة الجنائية المغربي، نجد أن اختصاصات قاضي تطبيق العقوبة تنحصر في حدود مهام إدارية واقتراحيه فقط دون أي اختصاصات قضائية، احتراما لمنهج التشريع التدريجي وذلك لضمان فعالية هذه المؤسسة وعدم الوقوع في سلبيات التضخم الإجرائي. وفي إطار الارتقاء بعمل مؤسسة قضاة تطبيق العقوبات بمختلف محاكم المملكة، وبالنظر للأدوار المحورية التي يضطلع بها هؤلاء القضاة سواء في ما يتعلق بمراقبة الفضاء السجني أو صلاحياتهم الاقتراحية المرتبطة بمنح الإفراج بشروط وكذا مراقبة تطبيق مسطرة الإكراه البدني، سيما في ظل ما تعرفه المنظومة القضائية من تطورات عامة على مستوى حماية الحقوق والحريات، مما يقتضي التفكير في المداخل العملية لتطوير أداء هذه المؤسسة. وفي إطار الممارسة الفعلية لقضاة تطبيق العقوبة، يمكن القول إن مؤسسة قاضي تطبيق العقوبات ورغم ما تكتسيه من أهمية سواء من ترسيخ قواعد العدالة وحماية كرامة المعتقلين ونزلاء المؤسسات السجنية، إلا أنها تشهد العديد من الصعوبات من حيث التطبيق العملي والقانوني، وهذا ما يتطلب البحث عن الحلول للصعوبات التي تعانيها هذه المؤسسة بتحديد الإشكالات العملية والقانونية التي تعترض عمل قضاة تنفيذ العقوبة مع اقتراح البدائل والحلول الممكنة لتجاوزها. أولا : الصعوبات العملية والإشكالات القانونية إن الممارسة التطبيقية والعملية لقضاة تطبيق العقوبة، أفرزت عدة إشكالات عملية وقانونية والتي تجلت من خلال ممارستهم، حيث يلاحظ أن البناء الوظيفي لمؤسسة قاضي تطبيق العقوبات جاء غير مستجيب لما يمكن أن يسند لمؤسسة أريد لها أن تكون لبنة أساسية في بناء صرح منظومة حقوق الإنسان، وتتجلى أبرز هذه النواقص في الصعوبات العملية والإشكالات القانونية في: أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يشمل كافة المؤسسات العقابية التي توجد في دائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يعين فيه، لكن الأمر الذي يعيق قاضي تطبيق العقوبات في أداء مهامه على أحسن وجه، هو مدى إمكانية تفرغه كليا لهذه المهام فقط وإعفائه من المهام المكلف بها باعتباره قاضي حكم. التزايد المتواتر في عدد نزلاء المؤسسات السجنية يؤثر سلبيا على طريقة مسايرة هاته القضايا من قبل قاضي تطبيق العقوبات الموجود بمقره بالمحكمة الابتدائية والذي من شأنه إثارة صعوبات، صعوبة ميدانية باعتبار أن القضايا التي ينظر فيها قاضي تطبيق العقوبات ترتبط في غالب الأحيان بملفات معروضة على أنظار محكمة الاستئناف، وأن مسطرة الإكراه البدني في جل الأحيان أمام محكمة الاستئناف، إضافة إلى أن جل نزلاء المؤسسات السجنية يرتبطون بملفات جنائية تدخل في نطاق محكمة الاستئناف. أن الصلاحيات الممنوحة لقاضي تطبيق العقوبات الغاية منها تحقيق الهدف الإصلاحي للعقوبة، وهي غاية لن تسعف الصلاحيات المسندة إليها، إلا بتعزيزها باختصاصات تساهم بالفعل في التدخل من أجل إعادة المحكوم عليهم في المجتمع والذي يستفاد منه من خلال التنصيص عليها في ديباجة قانون المسطرة الجنائية باعتباره مشعلا ورمزا لحماية الكرامة الإنسانية. وتكمن أهم صلاحيات القاضي الجنائي في مراقبة سلامة تطبيق القانون المتعلق بالمؤسسات السجنية وتسييرها. لم تحقق المؤسسات العقابية الهدف المرجو منها، وهو إعادة إدماج السجناء المنوط بقاضي تطبيق العقوبات في الجانب العملي والواقعي، رغم النتائج الإيجابية المسجلة في السجون. عدم تمديد اختصاصات قاضي تطبيق العقوبة إلى باقي أنواع العقوبات، والاقتصار على نوع واحد منها وهو العقوبة السالبة للحرية، خاصة أن التنفيذ الجزائي يمس بحقوق المحكوم عليه مهما كان نوعها. عدم إشراك قاضي تطبيق العقوبات في تشكيلة لجنة التأديب، والاكتفاء بالتنصيص على مراقبة إجراءات التأديب. عدم منح أي دور لقاضي تطبيق العقوبات في شأن منح الرخص الاستثنائية للخروج التي تمنح للنزيل الذي قضى نصف العقوبة، والمتميز بسلوك حسن بمناسبة أعياد وطنية أو دينية أو بقصد الحفاظ على الروابط العائلية أو لتهيئ إدماجهم الاجتماعي، ولو في شكل دور استشاري. عدم منح قاضي تطبيق العقوبات أي اختصاص في شأن الزيارات رغم ما لهذه الأخيرة من أهمية بالغة في إطار إعادة المحكوم عليه داخل المجتمع. عدم التنصيص ضمن اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات على أي مقتضى يخص الأعمال التي تتطلبها الرعاية الاجتماعية للسجين، كتأهيل السجين وتقدير ميولاته الانحرافية ومحاولة إيجاد بدائل عنها. * نائب رئيس المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء

الإشكالات المرتبطة بمهام قضاة تطبيق العقوبات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فنانون يحلمون بالألوان

التحقيق في اعتداء مجهول على طبيب بتازة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات