العدالة في مرآة النموذج التنموي

واقع العدالة يعاني منذ زمن وضعا صعبا رغم التطور التشريعي بقلم: ذ/جلال الطاهر* "النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات واستعـــادة الثقة لتسريــع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع"، هذا هو عنوان التقرير العام الذي أعدته لجنة من الخبراء (36) من جميع التخصصات، بتكليف ملكي. هذا التقرير، هو نموذج تنموي أضيفت إليه صفة "الجديد" ما يعني أن هناك "القديم" الذي ربما قد استنفد غاياته وأهدافه، أو أنه فشل في ذلك، الأمر الذي يفيد أن الجديد قد يستدرك الخلل وعوارض النقص في القديم. وعلى كل حال، فإن هذا النموذج، جدير بالاهتمام والقراءة، ولم لا إبداء الرأي، من ذوي الاختصاص والمواطن العادي، لا سيما، أنه جاء بعد استطلاع رأي كل فعاليات المجتمع المغربي، وخبرائه، وهيآته المدنية والسياسية في الداخل والخارج، وحتى المواطن العادي في أعالي الجبال. ومن جهة ثانية، فإن هذا النموذج، يرهن مبدئيا، ويحدد اختيارات الدولة العامة، وحياة المجتمع المغربي في كل المجالات، إلى حدود سنة 2035. وما يهمني بصفة خاصة في هذا النموذج، هو الموضوع الذي أمارس فيه، وقريب من همومه وقضاياه، وهو قطاع العدالة. وحتى تكون مساهمتي موضوعية، لا بد من إيراد الفقرة الوحيدة التي تتحدث بصفة خاصة عن العدالة، والتي تقول: (إن الاعتقاد السائد بأن العدالة غير فعالة يسهم في كبح الطاقات، وعلى الرغم من الإصلاحات التي تم إطلاقها لضمان استقلالية القضاء وتعزيز فعاليته والثقة فيه، فإن إحراز النتائج يعرف بعض التأخر: * آجال طويلة للبت في الملفات، * عدم القدرة على توقع الأحكام، * نقص في الكفــــاءات، * ضعـف فــــــي الشفافيـــة، * وقصـــور على مستـــــوى السلــوك والأخلاقيـــــــات، * إن الممارسات التعسفية، وإن كانت معزولة، * وعدم دقة بعض النصوص القانونية * وتفاوتها مع الواقع والممارسة يقوي تصور المواطنين والفاعلين بخصوص * مخاطر عدم الاطمئنان * والتعرض للتعسف في منظومة العدالة ـ وينظر المواطنون إلى بعض حالات عدم الدقة في الصياغة القانونية على أنها هوامش لتوظيف القانون لأغراض معينة، الذي قد يمس ممارسة الحريات العامة والفردية، مما يجعلها بذلك، تحد من حرية تعبير المواطنين ومشاركتهم فاعلين) (ص 32 من النسخة العربية). إنها أوضح فقرة في التقرير لامست وإن بشكل عام، علة العدالة المغربية. وهي فقرة فضفاضة، لا يفهم ما تعنيه في الواقع المعيش إلا القريب من هذا المجال، الذي يستطيع أن يدرك ما تعنيه ألفاظ هذه العبارات، على أساس أنها وردت لتحديد الأسباب، التي يعتبرها النموذج التنموي، صورا للواقع الذي يشكل كوابح وعوائق للتنمية. إن واقع العدالة، يعاني ومنذ زمن وضعا صعبا، ويعرف اختلالات، تزداد حدتها في كل مرحلة من حياة المجتمع المغربي، أفرادا ومؤسسات، رغم التطور التشريعي الكبير الذي جاء به دستور2011، والسلطات الواسعة التي حظيت بها السلطة القضائية كسلطة، والمؤسسات التي أحدثها الدستور، تجسيدا لهذا الاستقلال، الذي بالمناسبة، ظل بندا ثابتا في مطالب المحامين، ومواقفهم عبر كل المحطات والمؤتمرات التي يعقدونها وطنيا وعربيا، ورغم ذلك فإن النموذج يتضمن ما يفيد عدم فعالية العدالة، ويعتبر أن عدم الفعالية هذا أصبح، هو ( الاعتقاد السائد، بأن العدالة غير فعالة، مما يسهم في كبح الطاقات ...). وعدد بعض مظاهر الخلل والتأخير: (آجال طويلة للبت في الملفات، وعدم القدرة على توقع الأحكام، نقص في الكفاءات، ضعف في الشفافية، وقصور على مستوى السلوك والأخلاقيات). هذه قضايا الخصاص في ميدان العدالة، التي جاءت في النموذج، لكن تفصيل مظاهر هذه الوضعية، وأسبابها ودواعيها، بصرامة وجرأة، لو قام به النموذج قد يكشف عن أهوال، تتطلب مواجهتها، عدة عِصِيّ سحرية، وليس عصا واحدة، لكنه لم يفعل. ذلك أنه رغم عمومية الفقرة الواردة في النموذج وقوتها، فإن مجرد جرد الصفات التي طبع بها التقرير حالة العدالة وحدها تكفي لإبراز، مدى الخصاص المهول في هذا القطاع الهام في حياة المجتمع والدولة، وما يتطلبه ذلك لإصلاح منظومة العدالة، وخاصة جانبها الأخلاقي، الذي خصصت له اللجنة العليا لإصلاح منظومة العدالة أكثر من كتاب، وظلت دار لقمان على حالها، وربما أن منسوب العفة والنزاهة في إصدار الأحكام يتراجع باستمرار. إن الفقرة المذكورة أوردها النموذج كإحدى (المعيقات التنسيقية والكوابح في وجه التنمية)، التي تمت الإشارة إليها من قبل، رغم قوتها وقساوتها، فهي لا تفي بالتغطية والتشريح الفعلي والواقعي، بالوضوح اللازم والجرأة الضرورية، ولو كانت قاسية، التزاما بالتوجيه الملكي الذي دعا اللجنة، إلى أن (... تباشر عملها بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع لنا الحقيقة ولو كانت قاسية، أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار، في اقتراح الحلول ...). ومع ذلك فإن القراءة المتأنية للفقرة التي أعتبر أنها تحدثت بالمرموز، واكتفت بالكناية بدل التصريح، في كلمات محدودة، ولكنها موحية الدلالة، من ذلك: (العدالة غير فعالة مما يسهم في كبح الطاقات) وآجال طويلة للبت في الملفات))، (عدم القدرة على توقع الأحكام) (نقص في الكفاءات)، (ضعف في الشفافية) ، (قصور على مستوى السلوك والأخلاقيات)، (عدم دقة بعض النصوص القانونية وتفاوتها مع الواقع والممارسة). هذه نماذج لبعض الأوصاف العامة، التي رغم عموميتها لا تخلو من دلالات، خاصة ممن يتعامل مع العدالة كمرتفق، ومتقاض، أو ممن يمارس المساطر نيابة عن هؤلاء بالتعامل مع العدالة بشكل مباشر وبصفة دائمة، الذي قد يعتبر أن النموذج التنموي قد اكتفى، بالإيحاء، وترك الموضوع عاما والحقيقة مضمرة، بدل تسمية الأشياء بمسمياتها، (ولو كانت جارحة)، كما ورد في التوجيه الملكي. إلى غير هذا من الأوصاف والأوضاع، التي توصل إليها النموذج التنموي من خلال تقييم منظومة العدالة، وكل جملة من هذه الفقرة تحتاج لصفحات لتحليلها، ولإيجاد الحلول الكفيلة، بتجاوز الأوضاع السلبية التي تحول دون قيام العدالة بدورها في التنمية. إن تذكير النموذج بالخصاص في منظومة العدالة، يشير فقط إلى الوضعية العامة، في حين أن الخطاب الملكي، أكد على ضرورة الرصد الميداني، ووضع الحلول العملية الدقيقة لتجاوز العوار الذي يشكل عنصرا سلبيا في أداء العدالة لدورها الريادي، كركيزة من ركائز الدولة التي يقوم عليها البناء التنموي، حيث يجب أن توضع الحلول العملية، بدل الاكتفاء بالوصف العام، والأمل معقود، على أن يتدارك تنزيل النموذج، عمومية العبارات، بوضع خطة دقيقة، محددة في الزمن والأهداف... *محام بهيأة البيضاء

العدالة في مرآة النموذج التنموي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خطة انتخابية جديدة لـ "بيجيدي"

الزمامرة يدفع حكم إلى الاستقالة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات