قراقي قال إنها لم تكن نزيهة خلال "سنوات الرصاص" لكن المناخ السياسي كان حيويا بين الأمس واليوم فتر الحماس الشعبي تجاه لحظة الانتخابات، ولم يعد لها ذلك الالتفاف الذي كان حولها، حين كان المغاربة يقبلون على اختيار من يمثلهم في المؤسسات المنتخبة، لاعتبارات عديدة. وفي هذا السياق يقول الدكتور عبد العزيز قراقي إنه من الصعب تحديد نسب المشاركة السياسية خلال ما سمي "سنوات الرصاص" بدقة متناهية، بحكم أن الانتخابات في تلك الفترة لم تكن نزيهة، وأن كل الأرقام كانت مثار شك وريبة والعديد من الأسئلة. لكن في المقابل يضيف أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن المناخ السياسي كان في تلك الفترة حيويا، فضلا عن أن القوى السياسية كانت في عنفوان شبابها، ولها القدرة على التعبئة انطلاقا من مقولات وشعارات كانت تحظى بقبول المواطنين والتفافهم حولها. وأضاف قراقي أن ما كان يميز المكونات الحزبية بالأمس، قدرتها على الانفتاح على مختلف مكونات المجتمع المغربي وفئاته، خاصة في أوساط الشباب والنقابات ورجال التعليم وغيرهم. وأرجع الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي هذه الدينامية السياسية إلى طبيعة العلاقات السياسية التي كانت سائدة بين النخب الحزبية، وأساليب التأطير والتعبئة التي كانت تمكنها من التجذر داخل بنيات المجتمع المغربي. وعن سبب تراجع نسبة المشاركة السياسية للمواطنين خلال السنوات الأخيرة، اعتبر قراقي أن هذه الظاهرة ليست مغربية فقط، بل تشهدها العديد من دول العالم، منها فرنسا التي بلغت فيها نسبة العزوف الانتخابي في آخر انتخابات إلى ما يناهز سبعين في المائة، في الوقت الذي تتسم فيه في المغرب بنوع من الخصوصية. وأوضح عضو مركز العرفان للأبحاث والدراسات، بقوله إن تغيير نمط الاقتراع يعد أيضا أحد أسباب تراجع المشاركة السياسية، إذ أن نمط الاقتراع الأحادي الاسمي، الذي كان سائدا يعطي الفرصة للمواطنين لتكوين علاقة مباشرة مع المنتخب، وكان يوم الاقتراع بمثابة لحظة للمساءلة والمحاسبة والمعاقبة أو المجازاة. كما أن الفاعل الحزبي، يضيف المتحدث نفسه، قلما كان يهتم بالمتغيرات القانونية، بقدر ما كان يولي عناية كبرى بترسيخ رصيده الشعبي. وتوقف قراقي عن لحظة تغيير نمط الاقتراع ابتداء من 2002، حين أصبح الاعتماد على نمط الاقتراع باللائحة، الذي انتقل بالفعل الانتخابي إلى إعطاء الأولية للمشاريع الفكرية، بدل التركيز على العلاقات الشخصية، ما ولد انطباعا لدى المواطنين بأنهم لم يعودوا يتحكمون في مصير من يجب أن يمثلهم في المؤسسات المنتخبة، مثل البرلمان أو الجماعات المحلية والمقاطعات. واعتبر الباحث الجامعي أن نمط الاقتراع صار معقدا أكثر من ذي قبل، وصارت الأحزاب تدرك أنه بإمكانها أن تضمن عبر آليات غير صناديق الاقتراع مكانا لها في المؤسسات المنتخبة، دون أن تكون بالضرورة منسجمة مع المجتمع أو تتمتع برصيد كبير من الشعبية، فلم تعد تعير أهمية للعلاقات التي تجمعها بالناخبين. ويقارن قراقي بين انتخابات اليوم مع الأمس، فيقول إن زعماء الأحزاب في الماضي كانوا يتواصلون مع المواطنين بشكل مباشر، كما كانت تتم التعبئة لذلك عن طريق الجرائد الحزبية أو التنظيمات الموازية، في الوقت الذي لم تعد اليوم القدرة لتلك الأحزاب أن تحشد الجماهير في تجمعاتها الخطابية اليوم إلا عن طريق الاستعانة بالفرق الغنائية والمشاهير. ويرى عضو اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة أن البنيات الحزبية صارت تعرف اختلالات، بعد أن عجزت عن ترسيخ فكرة الديمقراطية كآلية لتجديد النخب، بل صارت خاضعة لمنطق التدافع الذي يسمح بوصول الأقوى وليس الأصلح. عزيز المجدوب