ازدواجيـة مقيتـة

الشرقاوي قال إن ״البواجدة״ يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي بانتهازية قل نظيرها كشف عمر الشرقاوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، تناقضات «العدالة والتنمية»، وانتهازية الخط السياسي لهذا الحزب من أجل تحقيق مكاسب، عبر تقديم أوهام في برنامجه الانتخابي، وكذا البرنامج الحكومي. وقارن الشرقاوي، في حوار مع « الصباح»، بالمعطيات الرقمية، بين الوعود التي قدمها الحزب في حملاته الانتخابية لنيل أصوات الناخبين، وبين واقع مر، موضحا العقلية السائدة في هذا الحزب للعيش في ظل المتناقضات. في ما يلي تفاصيل الحوار: < هل استطاع حزب «العدالة والتنمية» احترام برنامجه الانتخابي أم أخفق؟ < من المغامرة أن نقول إن «العدالة والتنمية» حقق أو أخفق بشكل كلي في احترام التزاماته الانتخابية. وبدون شك، فإن العشر سنوات التي قضاها على رأس السلطة التنفيذية، تظهر أن الكثير من الوعود الانتخابية التي كسب بها الأصوات لم تتحقق. ويكفي أن نذكر وعود الحزب منذ 2012 ببلوغ نسبة 7 في المائة من النمو، قبل أن تبني حكومة العثماني فرضية القانون المالي ل2020 على معدل 3 في المائة، دون نتيجة. لم يستطع الحزب تحقيق وعده بمحاربة الفساد وتحسين تصنيف المغرب في الرتبة 40 في مؤشر محاربة الفساد، إذ انتهت 2020 والمغرب يحتل الرتبة 86، بعدما كان مرتبا في عهد حكومة عباس الفاسي، وفق تصنيف 2010، في الرتبة 85. كما أن وعد «العدالة والتنمية» بتحسين الدخل الفردي ب40 في المائة، لم يتحقق، بل وضع تقرير منتدى الاقتصاد والأعمال بالأمم المتحدة 2018 المغرب في رتب متدنية (122)، متأخرا عن دول عربية كثيرة. ويتذكر الجميع تعهد الحزب بتخفيض نسبة البطالة بنقطتين، وتحقيق نسبة 8 في المائة من السكان النشيطين، انتهت النسبة خلال 2020 وفق تقرير المندوبية السامية للتخطيط إلى 11.9 بالمائة من إجمالي القوى العاملة، دون الحديث عن تدهور البطالة في زمن كورونا. < وماذا عن محاربة الفقر وتقليص نسبة الأمية؟ < فشل العدالة والتنمية في تقليص نسبة الأمية إلى أقل من 20 في المائة كما وعد بذلك في 2021، ويمكن أن ندخل في قائمة الوعود الكاذبة تقليص معدل الفقر إلى النصف. وبعد 10 سنوات من التدبير، رفعت نسبة الفقر في المغرب وفق آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط إلى 19.87 بالمائة خلال 2020 مقابل17.1 بالمائة في 2019. ووعد بالتحكم في عجز الميزانية في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، لكن الواقع وفق تقرير المندوبية السامية للتخطيط سجل بلوغ 7.4 في المائة. كما تضمن البرنامج الانتخابي ل»العدالة والتنمية»، منذ عشر سنوات، وعد بلوغ الرتبة 90 في تصنيف الأمم المتحدة للتنمية البشرية، انتهت 2020 بترتيب المغرب في الرتبة 121 بعدما كان يحتل المغرب في حكومة عباس الفاسي في 2010 الرتبة 114. < هل من تفسير لظاهرة أن يكون حزب قائدا للحكومة وفي الوقت نفسه معارضا لها؟ < لم يسبق لحزب خلال عشر ولايات تشريعية أن مارس الشيء ونقيضه، ولم يسبق أن أيد قانونا وعارضه، ولم يسبق لحزب اتخذ القرار وخرج لمهاجمته كما يفعل «العدالة والتنمية». مر نصف قرن من العمل البرلماني السياسي لنعيش هذه اللحظة البشعة في الممارسة السياسية. بكل صراحة، المشاعر المتناقضة التي يعلن عنها الحزب، تختزل ازدواجية وانتهازية حزب اعتاد أن يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي. ليس بغريب على العدالة والتنمية هذا التناقض العجيب، فتاريخه، منذ أن سمح له إدريس البصري بدخول المؤسسات الرسمية منتصف تسعينات القرن الماضي، مليء بالتبدل السريع للمواقف السياسية والدينية، فهو يغير مواقفه السياسية واختياراته بسرعة فائقة وحسب تغير الظرف وحجم الضغط وحسابات الربح والخسارة. < أين يتجلى التناقض لدى قادة "بيجيدي"؟ < إن حزب الإسلاميين لا يعمل بمنطق الالتزام السياسي الذي يفرض عليه تحمل تبعات قرارات وقوانين مهما كانت نتائجها. هو آلة براغماتية يدبر شؤون الحكومة طيلة الأسبوع، ويلبس وزراؤه عباءة المعارضة نهاية الأسبوع. يكلف فريقا بالتأييد وجناحا بالرفض، وحين تستفسره عن هذا التناقض يقول إنها الديمقراطية الحزبية التي تفتقدها الأحزاب السياسية، بينما هي ازدواجية مقيتة تنفر من العمل السياسي، وتفقد الثقة في المؤسسات السياسية وتزيد من رقعة العدمية التي تستند إلى مثال «العدالة والتنمية» لنشر ثقافة التبخيس. وسينحني قادة "المصباح" لعاصفة الجلد والنقد حتى تمر كما تعود على ذلك في مواقف سابقة، ثم سيعودون لرفع شعارات براقة كأن شيئا لم يقع، فهم يعلمون أن منافسهم الانتخابي متواضع، وزبناءهم السياسيون قارون، ولن يغيروا وجهتهم مهما ارتكب الحزب من فظاعات، وخان من عهود. فالمهم لدى «بيجيدي»، هو الاستمرار في السلطة بأي ثمن ولو تحول الحزب إلى مسخ سياسي. < هل طبق «بيجيدي» شعاراته في حماية المستهلك أم اكتفى بالمزايدة برفع الشعارات، على غرار ما وقع في ملف المحروقات؟ < لا يريد «العدالة والتنمية» أن يؤدي ضريبة السلطة. هو يريد أن ينعم بالسباحة دون أن يتبلل بالماء. والغريب، أن عبد العزيز رباح، خرج في إطار التسخينات الانتخابية، يشتكي الأرباح غير المشروعة لشركات المحروقات، لكن من العيب أن ينسى السياسي أنه وزير للطاقة وتوجد تحت سلطته عدد من الإمكانيات التي تسهم في حكامة الأسعار، إذ رأى أنها لا تخضع للقواعد القانونية، فوزارة رباح هي التي تصرح سنويا لشركات المحروقات برخص محطات الوقود التي تفوق 170 محطة سنوية، ووزير الطاقة توجد تحت إمرته وفق مرسوم اختصاصات الوزارة مديرية المحروقات التي تملك أدوارا في تحديد أسعار المحروقات وضبط الأسعار. والكارثة أن عبد الإله بنكيران هو من اعتمد منذ 2012 قانون حرية الأسعار، وترك المواطن البسيط تحت رحمة قانون السوق. < خرج «العدالة والتنمية» يتباكى على اقتسام الثروة. كيف يمكن تفسير هذا التناقض بين تدبير حكومة 10 سنوات ورفع مطلب التوزيع العادل للثروة؟ < لنحاول أن نساير «العدالة والتنمية» بغياب التوزيع العادل للسلطة، لكن قبل ذلك لنتساءل من يملك سلطة التوزيع العادل للثروات؟ وكيف يتم التوزيع العادل للثروات؟ ومن ينبغي عليه تحمل المسؤولية السياسية والدستورية على ذلك؟ بلا شك، الحديث عن شعار التوزيع العادل للثروة عادة ما يكون مغريا ومشحونا عاطفيا، وغالبا ما يستعمل في الصراع السياسي، سيما في الزمن الانتخابي لكسب بعض الأصوات، لكن لا يمكن أن يتباهى بهذا الشعار من ظل عقدا من الزمن على رأس السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتوجد تحت إمرته الإدارة بمختلف مؤسساتها، وله سلطة صناعة السياسات العمومية ونفوذ التعيين في المناصب السامية. سيكون من العبث لحكومة يقودها «العدالة والتنمية»، سمحت بتحرير الأسعار وخضوع المواطن لقانون السوق دون رقيب، أن يرفع الشعار، فلا يمكن للحزب الذي كانت تحت سلطة أمينيه العامين وضع عشر قوانين مالية سنوية حددت مداخيل الدولة، ورسمت حدود توزيعها ووضعت الآليات الكفيلة بتدبير الثروة سواء على مستوى الضرائب المباشرة وغير المباشرة أوعلى مستوى تدبير الصناديق السوداء، أو التوزيع المالي على القطاعات الوزارية، أن يتباكى اليوم على أعطاب في توزيع الثروة. فحينما يقول إن نظام توزيع الثروة غير عادل، فمن حق المواطن أن يسأله، ما الذي كنتم تفعلونه منذ 10 سنوات؟ < وقع سعد الدين العثماني، أمين عام «بيجيدي»، ورئيس الحكومة، على الاتفاقية مع إسرائيل. وهاجمها وحزبه، كما صادق على قانون الكيف ورفضه نوابه هل من تفسير لهذا التناقض؟ < في قضايا كثيرة، سواء في التوقيع مع إسرائيل، أو قانون الكيف أو القانون الإطار المتعلق بالتعليم، كان العدالة والتنمية يختار أسلوب «التقلاز» ولغة الابتزاز السياسي لمخاطبة الدولة ولعب دور الضحية في كل ما يجري، وأنه حزب لا حول ولا قوة له أمام جبروت قوى غير مرئية بالعين المجردة التي تجبره على اتخاذ قرارات لا يريدها. ولذلك فهو دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه. الشعارات الأخلاقية تراجعت < ما هي تناقضات «بيجيدي» بين استغلال قيم الدين والدعوة وواقع حال الأعضاء؟ < لم يعد لحزب «العدالة والتنمية» أي وازع ديني، بعد أن استثمره في بناء مجده السياسي، إذ تحول إلى كائن براغماتي بسبب ضريبة السلطة وبفعل التحول الديمغرافي والجيلي الذي يعيشه حزب بدأ بالدعوة وتحول إلى تدبير جزء من شؤون الدولة. لذلك فكل تلك الشعارات الأخلاقية تراجعت إلى الوراء. ونتذكر جميعا كيف أجبر عبد الإله بنكيران حزبه للتصويت على اتفاقية مناهضة التمييز ضد النساء التي أسس عليها الحزب جزءا من شرعيته النضالية، وينطبق الأمر نفسه على العلاقات مع إسرائيل، ويسجل المنحى التراجعي في خطاباته الدينية تجاه توظيف عائدات الخمور واليانصيب والدخان باعتبارها موارد تغذي المالية العمومية، فبعدما كان يحرج كل الحكومات منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي بشأن أموال الخمور، تحول إلى الدفاع عنها واعتبارها إحدى ركائز الميزانية. أجرى الحوار : أحمد الأرقام

ازدواجيـة مقيتـة

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يا إلهي... إنهم يريدون العنب وسلة العنب!!

الدخيسي: استجلاء حوالي 4 ملايين قضية مسجلة في مجال محاربة الإجرام

مقالات ذات صلة