أي مستقبل لغالي في تندوف؟

تاريخ النهايات يكتب بحروف عريضة على صفحات كتاب اسمه جبهة "بوليساريو" بقلم: الفاضل الرقيبي عاد زعيم "بوليساريو" إلى أحضان الجنرالات من جديد، بعد شد وجذب، دام قرابة شهرين، تخللهما الكثير من الغموض، وابتدأ زمن الحقيقة، التي تكشفت أمام أعين سكان المخيم، بعد أن سقطت ورقة التوت الجزائرية عن عورة من كان يحسبه الصحراويون بالمخيم زعيما، فتيقنوا اليوم أنه مجرد مجرم ملاحق في قضايا جنائية وأخرى أخلاقية، ولا أدل على ذلك من لحظة مثوله أمام المحكمة يوم فاتح يونيو، في جلسة استماع، هي الأولى في مسار محاكمة زبانية الرابوني، التي لا تزال فصولها طويلة. فقد استمع القاضي الإسباني لأجوبة بن بطوش، وأمر بسراح مؤقت له، بضمانات من محاميه، في انتظار الاستماع للضحايا والشهود، بمن فيهم الفاضل بريكة، الذي يحمل ملفا ثقيلا، يوثق لكل الجرائم التي ارتكبت ضده، ويستند في ذلك على دلائل قوية وقرارات أممية تنتصر لحقه في محاسبة من اختطفوه وعذبوه. ساعات قليلة بعد الاستماع لدمية العسكر المريضة، حملته طائرة على وجه السرعة إلى العاصمة الجزائرية، حيث سارع شنقريحة ومعه تبون إلى حشد كاميرات إعلامهما في غرفة غويلي بمستشفى عين النعجة، لنسج مشاهد فولكلورية تظهر الدميتين تبون وغويلي تتبادلان التحايا والتهاني أمام سيدهما شنقريحة لمناسبة نجاح عملية سحبه، ولو إلى حين، من مقصلة الضحايا التي نصبت له بإسبانيا، وذلك في محاولة لحفظ ماء الوجه أمام سكان المخيم الذين صعقوا لرؤية من كان يصور لهم رئيسا، وهو يدخل مستشفى لوكرونو، مهربا تحت اسم مزور، قبل أن يعود منه مهربا من ملاحقات القضاء قبل شفائه، بعدما أصبح ضيفا غير مرغوب فيه لدى الحكومة الإسبانية، التي تسعى بكل الطرق لتجاوز أزمة الثقة التي أحدثتها داخليا وخارجيا صفقة استقبال غويلي. بالرابوني، تعيش قيادات الجبهة بكثير من التوجس عودة غويلي، بالنظر إلى الخلل الحاصل بموازين القوى في مخيم بات الجوع والفقر مصدري معاناة الناس فيه، بعد إحكام الجيش الجزائري القبضة عليه من جل مخارجه. ولعل المستشار المثير للجدل، البشير مصطفى السيد، أكثر القيادات حزنا بهذه العودة، فهو الذي قرصن صلاحيات غويلي، وأعلن موافقة "بوليساريو" على تعيين ديمستورا، وعين ممثلي "بوليساريو" في برلمان إفريقيا دون أي مرسوم، بل أطلق حملة تجميع فواتير الكهرباء من سكان المخيمات الذين ضاقت مداخيلهم بعد تهورات "بوليساريو" في الكركرات، وحصار المخيم، بينما اكتفى رجال كان غويلي يظن أنه صنعهم بالتفرج على صلاحياته وهي تتفرق بين القبائل. إذ أن مصطفى محمد علي سيد البشير، وزير داخلية الجبهة، اكتفى بملف التنسيق مع المخابرات الجزائرية، ولم يتنازع مع البشير أمر ما يقوم به دون أي تكليف من القيادة. وظهر أيضا عجز "كريكاو" وحجمه الطبيعي، كونه أضعف من أن يعلن موقفا مما يحدث في المخيم، وتبين للجميع أنه فقد نفوذه منذ تنحيته عن استخبارات الجبهة، لدرجة أنه لم يغادر منزله بتندوف منذ أن تم تهريب زعيم الجبهة إلى إسبانيا سرا. قيادات أخرى كانت قريبة من "بن بطوش العليل"، وظنها البعض مكمن قوة التنظيم ورجالات مرحلة غويلي، تبين أنها كراكيز إعلامية، تعيش في وضع ترقب وتوجس، فقد توارت مريم منت احمادة عن الأنظار، وهي التي كانت لا تغيب على واجهة الأحداث بالمخيم، بينما اختار أبي بشرايا صمت القبور، حتى أنه لم يظهر في لقاء تلفزيوني للدفاع عن غويلي كما كانت عادته. أما عبد القادر الطالب عمر وولد اعكيك، فكانا أكثر القوم ذكاء، إذ قاطعا سيل اجتماعات مكتب الأمانة التي كان يدعو إليها بشرايا بيون، تارة بأمر من مصطفى محمد علي سيد البشير، وتارة أخرى بأمر من البشير مصطفى السيد، وزير تسجيلات "واتساب". ورغم اختلاف الرجلين، وصراعهما الخفي والصامت، إلا أنهما اتفقا على استعمال بشرايا بيون طيلة غياب زعيم الجبهة، فمرر كل منهما ما يريد دون ضجيج أو اعتراض، في حين بقي ولد اعكيك والطالب عمر يلاحظان تطور الوضع عن بعد طيلة هذه الفترة متذرعين بعدم تلقي أي تعليمات من قصر المرادية، حتى جنازة لبطيل لم يحضرها أي منهما، خصوصا أنهما يعتبران وفاته، تشكل نقطة تحول في موازين القوة داخل أجنحة الجبهة، لأنه الرجل الذي رسخ فكرة مفادها أن "بوليساريو" لا يمكن أن يتزعمها إلا قيادي من قبيلة الرقيبات. كل هذه التدافعات التي عرفتها الجبهة منذ نشأتها، قد باتت غير ذات معنى، فأبرز قادة الرابوني يلاحقهم القضاء الإسباني. والمدعوون للمثول أمام قضاة مدريد كثر، ومنهم البشير مصطفى السيد ومصطفى محمد علي سيد البشير وعمر بولسان، إلى جانب ضباط جزائريين متورطين في جرائم المخيم، خصوصا أن غياب هؤلاء عن جلسة الاستماع لهم التي كانت مبرمجة في ماي الماضي، سيدفع المحكمة الوطنية الإسبانية إلى إصدار أمرها بإحضارهم بالإكراه. فمبادرة الفاضل بريكة قد كسرت حاجز الصمت، وها هي اليوم ترسم مسارا جديدا يقطع مع واقع الإفلات من العقاب، وستتبعها مبادرات لاحقة ستهز الأرض من تحت أقدام قادة الرابوني وأسيادهم بالعاصمة الجزائر. ها هو تاريخ النهايات يكتب بحروف عريضة على صفحات كتاب اسمه جبهة "بوليساريو"، نهاية وهمِ ما سوقته قيادة الرابوني "دولة على ظهر لحمادة"، ونهاية وهمِ "رئيسهم" الذي انتهى به المطاف أمام قضاة إسبانيا، يسألونه عما اقترفت يداه من جرائم ضد الصحراويين بالمخيم. إنها محاكمة عصر أفول الجبهة، وهي لحظة فارقة بين زمن الوهم وزمن الحقيقة.

العثماني "يلجم" العدوي

الولوج إلى العلاج أولوية

مقالات ذات صلة