قـهـقـهـات الـوديـع

حبشي... أوراق من ذاكرة معتقل الحلقة الأخيرة أحمد حبشي، من مواليد 1949، بأحد أحياء درب السلطان بالبيضاء، التحق بسلك التعليم سنة 1970 بعد أن قضى سنة بمدرسة تكوين المعلمين، اشتغل لمدة ثلاث سنوات بضواحي برشيد بإحدى المدارس القروية، ثم انتقل إلى البيضاء، حيث اشتغل مدرسا، إلى أن اعتقل في 7 نونبر 1974، ليقضي ضمن العشرات من معتقلي اليسار الجديد عشر سنوات في السجن المركزي بالقنيطرة.«الصباح» التقت أحمد حبشي، المعتقل السابق وأحد الباحثين في مركز محمد بنسعيد أيت يدر للدراسات والأبحاث، وأعادت نبش ذاكرته، لالتقاط شذرات من سنوات «الحلم والغبار»، لشاب من حي درب السلطان، فتح عينيه على المسرح، ليجد نفسه منغمسا حد التصوف، ضمن شباب اليسار، وبالضبط في منظمة 23 مارس. إعداد: برحو بوزياني المعقل أصبح فضاء للحوار وإدارة الندوات بعد أن تمكن النزلاء من ضبط مراقبة الحراس لم يكن المعتقل السري مكانا للقمع واستنزاف قدرات المعتقلين على المواجهة والصمود، بل كان أيضا فرصة لمراجعة الذات وتقييم التجربة ورصد أخطائها، بمستويات مختلفة بمواقف كل من يرغب في مواصلة التجربة، والذين أخذوا يتبرؤون منها ويحملون الآخرين فقط مسؤولية ما انتهت إليه ممارساتنا الجماعية. بعد تجاوز مرحلة الرهبة، تمكن المعتقلون من ابتكار أشكال التواصل بينهم، واستقصاء أخبار كل الموجودين بالمعقل، من الرفاق الذين كان يربطهم إطار واحد، أو تجمعهم علاقات في الفضاء العام، تجنبا لنزيف الاعتقالات، وتمكين المحققين من معطيات تكون لها انعكاسات سلبية على البعض، الذين سعوا إلى إخفاء بعض المعطيات. هكذا أصبح المعقل فضاء للحوار وإدارة الندوات والنقاش، بعد أن تمكن النزلاء من ضبط أسلوب مراقبة الحراس. ونتيجة لفعالية المراقبة، فقد أحد الحراس صوابه، وكان شديد الحقد والضغينة على المعتقلين، يجلس في الممر، وتصله أصوات المعتقلين، فيتحرك في اتجاه الصوت، وكلما اقترب انقطع الحديث. في إحدى الليالي، أضاء الغرفة فوجد الكل في نوم عميق. أعاد الكرة مرات، بعد خلع حذائه وجاب المسافة بهدوء، دون جدوى ، فما كان منه إلا نزل ضربا في الجميع وأرغمهم على الوقوف على رجل واحدة، انتقاما منهم، وتعويضا لفشله في ضبط مصدر الصوت. كان الرفيقان المكلفان بمراقبة تحركات الحارس يقظين ويخبران الآخرين بتنقلاته في حينها، دون أن ينتبه بأن خياله كان يسبقه، قبل أن يصل إلى الغرفة. أما أبراج مراقبة تحركات الحراس فكانت دقيقة، ساعدت في نجاحها سذاجة الحراس وغباوتهم. بالطبع، عندما يضبط بعضنا مخالفا للتعليمات، يكون الضرب المبرح هو الجزاء. ومع ذلك، لم يكن بعضنا يأبه لذلك، ليسقط مرات في المحظور. لم يكن صلاح الوديع يقوى على التحكم في قهقهته، فهو يضحك بصوت مرتفع، كل ما سمع نكتة أو شاهد ما يثير الضحك، في حين كان خليل قاسم كثير الحركة والرغبة في الحديث، دون أخذ الاحتياط، أعياهم بعقوباته، لأنه كان يعض الحارس، حين لا يصرخ تحت وقع الضرب، بل خاطب يوما أحدهم، وهو من أكثر الحراس قسوة، بعد أن انتهى من ضربه على ظهره بـ "كرباجه»، دون أن يسمع صراخا أو أنينا، قال له "أنت ماشي رجل كتضرب واحد يديه مقيدين". الحاج "اللواط" خلال عشرة أشهر قضيتها بدرب مولاي شريف، لم أعاقب يوما، وضبطت مرة، وأنا أحدث يوسف فاضل في مدخل مكان الاستحمام، سمعت صوته، وهو يكلم الحارس الذي يأخذه للاغتسال، فرفعت صوتي ملحا للخروج إلى المرحاض. استجاب الحارس لطلبي، فهرعت إلى المكان قبل أن يدخل يوسف مكان الاستحمام، فانتبه الحارس إلى أنني اقتربت من يوسف وعانقته، غير أنه لم يقم بأي رد فعل، واكتفى بأن نهرني مخاطبا إياي "حتى انت أعزي"، كان فعلا من ألطف الحراس، وكنا نطلق عليه اسم الحاج اللواط، لأنه كان يرافق المعتقل إلى داخل الحمام، ليتأمل مؤخرات المستحمين، عند ما يخلع الواحد منا كل ملابسه.

قـهـقـهـات الـوديـع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لنصابة بالجديدة

توتنهام يتحرك لخطف النصيري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات