في بيتنا مثلي … ابني المهندس “مصدقش”

مغربي مقيم في ألمانيا تصدمه مثلية ابنه "الملتزم" ويرضخ إلى الأمر الواقع في النهاية فرك الأب عينيه للمرة الثانية، كي يتأكد أن ما يراه أمامه في الجهة الأخرى من الطريق"حقيقة"، وليس كابوسا مزعجا. ولم يصدق عبد الهادي (54 سنة، يتحدر من تاونات ومقيم في ألمانيا منذ 2001)، أن الشاب الذي يجلس فوق الكنبة في وضعية "التصاق" مع زميله، هو ابنه "محمد" الذي يؤدي صلواته الخمس في وقتها، ويواظب على دروسه الجامعية، ويمارس رياضة "لايكيدو" التي يعشقها، ويخلد إلى النوم باكرا في غرفته في الطابق السفلي ببيته بحي بافاريا ببلدية ميتنفالد بضاحية غارمش بارتن كيرشن. كان عبد الهادي عائدا من عمله (موظف حسابات بشركة للتصدير)، حين التفت من زجاج سيارته ناحية الحديقة الصغيرة المزهرة بأشجار "التنوب" الباسقة، قبل أن يرى شبح شاب يشبه ابنه محمد الذي من المفروض أن يكون في هذه الساعة معتكفا على دروسه الإعدادية لامتحانات سنته النهائية في هندسة المعلوميات. خفف الأب من سرعة السيارة، وعاد إلى الوراء، فتأكد فعلا أن الشاب الذي يلتصق بشاب آخر فوق كنبة خشب، ويتبادلان حديثا هامسا، ثم عناقا وقبلا "حارة"، هو ابنه فعلا. صدم الأب، لأن من يبعد عنه خطوات فقط، هو محمد بلحيته الصغيرة وشعره المصفف بعناية والمعقوف إلى الأعلى. تأكد الأب أيضا أن هيأة ابنه مختلفة على غير عادته، إذ كان يضع شيئا "ما" على بشرته تجعلها تلمع من بعيد، كما تتخذ شفتاه لونا يميل إلى الوردي، و"شيئا" آخر في عينيه، وارتدى سروالا جلديا أسود التصق بجسمه النحيل، وحذاء رياضيا وسترة مفتوحة من جهة الصدر، رغم أن الجو كان قارسا. ظل الأب يتفرس هيأة ابنه الغريبة من وراء الزجاج. ومازال لم يصدق أن من يجلس هناك هو "محمد" المزداد بتاونات في 1999 وحمله صغيرا إلى ألمانيا، حين كان عمره سنتين فقط، واختار أن يهاجر به إلى الضفة الأخرى من المتوسط، مع شقيقه الأكبر وأخته وأمهم حتى يضمن لهم مستقبلا زاهرا. مازال "محمد" ملتصقا بـ"عشيره" يتبادلان أطراف حديث "هامس"، بينما الأب مجمد في سيارته بأفكار متفجرة، يحاول أن يفهم ماذا يجري بالضبط؟ وماذا يفعل ابنه "الملتزم" في هذا المكان مع زميله غريب الأطوار؟ ومنذ متى يفعل ذلك؟ وكيف نجح طيلة سنوات في إخفاء هويته الحقيقية وميولاته الجنسية؟ فكر لحظة أن يلتقط له صورا من خلف الزجاج، حتى يواجهه بها أثناء عودته إلى المنزل، قبل أن يعدل عن ذلك، ثم بحث عن اسم زوجته في الهاتف، كي يخبرها بما هو بصدد مشاهدته، قبل أن يتراجع أيضا، خوفا من صدمة محتملة لامرأة تعبت، خلال عشرين سنة، في تربية أبنائها على الصلاح والطريق المستقيم. تذكر عبد الهادي أيضا أن أبناءه يحملون جنسية بلد أوربي، تحسم قوانينها في الاختيارات الجنسية الفردية، وتعتبر مضايقة المثليين، ولو من قبل الأقارب، جريمة يعاقب عليها القانون. ظلت الأفكار تفترس عبد الهادي من وراء الزجاج، بينما ابنه "محمد" يجلس مرتاحا، في "أحضان" زميله. فكر أيضا أن يترجل من السيارة، ويواجهه بالحقيقة، ويطلب منه مرافقته إلى البيت بهدوء، لكن توقع أن ينتفض في وجهه الشاب الألماني الآخر ويقضي ليلته في السجن. في الأخير، قرر أن يشغل سيارته، ويغادر المكان بنصف خسارة، وفي نيته أن لا سبيل إلا التعايش مع مستجد، لم يخطر بباله حتى في أكثر تكهناته تشاؤما في بلاد الغربة، لكنه وقع وعليه أن يجد حلا. يوسف الساكت

في بيتنا مثلي … ابني المهندس “مصدقش”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

في بيتنا مثلي! ... صراعات نفسية ومحاولات انتحار

السريع يواجه الجيش وديا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات