متزوجات هاربات من جحيم العنف

جلسات استماع بجمعية "عيون نسائية" تحولت إلى مناجاة ومطالبة بالحماية هن نساء لا تجمعهن نون النسوة فقط، بل تجمعهن خيبات الأمل في أزواج ظنن حين ارتبطن بهم، أنهم سيكونون السند والعون لهن في مصاعب الحياة، لم يعلمن أنهن سيقعن بين براثن أزواج سيحولون حياتهن إلى جحيم، إهانة وضرب وتهديدات وصلت بعضها إلى القتل.«الصباح»، انتقلت إلى جمعية «عيون نسائية» للقاء بعضهن ونقل جزء بسيط من معاناتهن. سمية ضحية عنف زوجي، شخصيتها قوية، متمردة، لا تخاف مما هي مقدمة عليه، تحكي قصتها بسخرية، وتقول إنها مستعدة للمواجهة مهما كانت العواقب. سمراء، من مواليد سنة 1986، مستواها الدراسي الباكالوريا علوم. تزوجت سمية اعتقادا منها أن الزواج هو المخرج الوحيد من مشاكل عائلية عاشتها في ظل شقيق عنيف، يملي عليها تصرفاتها ويمنعها من اتخاذ قراراتها واختياراتها بنفسها رغم أنها أكبر منه بخمس سنوا. ولأن الأسرة تناصر الشقيق وتطلب من الابنة الإذعان، فإن سمية لم تجد بدا من الموافقة على الزواج بأول رجل يطلب يدها. تحكي سمية قصتها مبتسمة ومتحدية في الوقت نفسه، « كان زوجي من أقاربنا في البادية، مستواه الدراسي السادسة ابتدائي، تقدم لخطبتي فوافقت على الفور، دون التفكير للهروب من جحيم أخي، ولم أكن أظن أني سأصادف جحيما أبشع».مر زواج سمية من مراحل عدة، اختارت وزوجها كراء غرفة صغيرة ليعيشا تحت سقفها، كان عمله لا يدر عليه الكثير، لكنهما صمدا وتحديا الصعاب معا، لتبتسم لهم الحياة حين وجد عملا قارا في شركة، وأصبح مدخوله أكبر، إلا أن رياح الحياة أتت بما لم تشتهه سمية، بعد أن سمح زوجها لبعض أصدقائه بالتدخل في حياتهما، «كانوا يحرضونه ضدي، مؤكدين أن النساء لا يستقمن إلا بالضرب والجوع»، تقول سمية.أول مرة ستتعرض فيها سمية للضرب من طرف زوجها كانت بعد إنجاب طفلهما البكر، «انتهت كمية حليب رضاعة ابننا فطلبت منه اقتناء عبوة أخرى، إلا أنه رفض وتطور الأمر إلى جدال بعدها إلى عنف، حيث قام بصفعي وضربي إلى درجة إصابتي بجروح، خرجت ولجأت إلى بيت ابنة خالتي ثم طالبت بالطلاق، وكما توقعت لم يتقبل أهلي هذا القرار، خاصة أني أم، وتحت ضغطهم رضخت لمطالبهم وعدت إلى الغرفة».إجبار سمية من طرف عائلتها على العودة إلى زوجها، كانت بداية الجحيم الذي ستعيشه، إذ ازداد تعنته، وتحول الضرب والإهانة واقعا معيشا يوميا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ ستكتشف وبالصدفة رسائل على هاتفه المحمول من امرأة أخرى، وعند مواجهته بالحقيقة لم ينف الأمر وقبل الطلاق، بعدها اكتشفت أن له مغامرات قبل الزواج بها، أسفرت عن ميلاد طفل تخلى عنه وعن والدته التي وعدها بالزواج، «بعد معرفتي بهذا الأمر قررت عدم الإنجاب مجددا، أخاف أن أنجب طفلة فينتقم الله منه فيها، وما يدريني أن لا يلتقيا حين يكبران ولا يعلما أنهم إخوة».رغم علمها أنه مقدم على الزواج بأخرى مباشرة بعد حصول الطلاق، إلا أنه وضع شروطا لمنحها الطلاق، أولها التخلي عن كل مستحقاتها، والتكفل بتربية الطفل، وقبول المبلغ الذي يحدده هو وليس القاضي، إن هي أرادت حريتها. ميلودة... زواج المعاناةلا تختلف قصة ميلودة كثيرا عن قصة سمية، كان زواجها تقليديا، أسفر عن ميلاد طفلين. عملت قبل زواجها سنة 1999 خياطة، واستمرت حتى بعد الزواج، كان القرار أن يتعاونا معا على مصاعب الحياة، لكن بعد إنجابها طفلتها الأولى، اضطرت إلى البقاء في البيت للعناية برضيعتها بعد أن استعصى عليها إيجاد مكان تتركها فيه أثناء مزاولة عملها. بقاء ميلودة في البيت أثر على ميزانية الأسرة، إذ لم يستطع الزوج توفير جل احتياجات البيت، وأصبحت المشاكل تترصد بهما، لتتدخل عائلته ويتفاقم الصراع.تروي ميلودة قصتها وهي تغالب دموعها. بخجل وبمرارة وبغصة ألم تحكي ل»الصباح»، «بعد إنجاب طفلتي الأولى وقرار الجلوس في البيت، بدأت المشاجرات بيننا تتراكم، ليتحول الأمر إلى ضرب وتهديد بالقتل، فتركت المنزل ولجأت إلى بيت عائلتي».وكعادة العائلات المغربية، تدخلت للصلح بين الزوجين، وعادت ميلودة إلى زوجها قبل أن تنجب طفلها الثاني، إلا أن المشاكل الزوجية ظلت تتربص ببيتهما، لتتفاقم بتزايد عنف الزوج وتهديده لها بالقتل، وهنا قررت ميلودة هجره بشكل نهائي والمطالبة بالطلاق سنة 2004، «بعد ذهابي لبيت أهلي قام برفع قضية ضدي وطلب أن يرى الأطفال، وحكم له برؤيتهم مرة في الأسبوع». تقول الزوجة المعنفة وتضيف «كان يأتي كل يوم الأحد ليأخذ الطفلين معه طيلة النهار. ابنتي كانت ترفض الذهاب معه، لكنها تذهب مرغمة عكس ابني، لكن في إحدى المرات عاد إلى البيت مرعوبا وخائفا وبكى بحرقة، ولم يكن يبلغ من العمر إلا ثلاث سنوات. لم أعلم ما حل له، لكنه رفض الذهاب معه مرة أخرى، ومع مرور الأيام أخبرني طفلي أن والده قام بتكبيله في زريبة الغنم، وظل يصرخ ويبكي ولم يقم أحد من عائلة زوجي بفك أسره. ابني الآن يخاف من والده ولا يريد أي لقاء معه، أما ابنتي فأثر عليها ما كان يحصل أمامها من عنف، فأصيبت بمرض الصرع، كما كان يهددهما بالضرب، إن هما أخبراني بالمكان الذي كان يقصده معهما، وهو بيت عشيقته».تعيش ميلودة منذ 2004 تاريخ خروجها من بيت زوجها عند عائلتها. اضطرت للعمل حتى تعيل ابنيها، إذ أن قيمة النفقة لم تكن تكفيها لسداد قوت ابنيها. حاولت أن تكون الأم والأب في الوقت نفسه، وأن تعوضهما حنان الأب المفقود، رغم أن إخوتها يساعدونها، إلا أن مكان الأب الشاغر يجعل طفليها يطرحان أسئلة للمقارنة بين وضعهما ووضع أقرانهما. تقول ميلودة بمراراة «حين يشاهد ابني خاله يلاعب أحد أطفاله، ينزوي في ركن بعيد ويلوذ بالصمت. أحاول بقدر استطاعتي التخفيف عنهما، لكن الأمر يفوق قدراتي أحيانا كثيرة». نبيلة... مسلسل تركيكانت قادمة مثل غيرها من النساء ضحايا العنف، إلى جمعية «عيون نسائية»، تطلب الاستشارة القانونية. فتاة جميلة ورشيقة، لا يتعدى سنها 21. هيأتها تدل على أنها من عائلة ميسورة. حين علمت بوجود «الصباح»، في مقر الجمعية أرادت أن تشارك بقصتها، لربما تستفيد منها بعض بنات جلدتها المغرمات بأبطال المسلسلات التركية، فزوجها تركي الجنسية. كان لقاء نبيلة به قبل ثلاث سنوات في مدينة المحمدية عبارة عن أمنية تحققت. شاب تركي وسيم، شبيه بأبطال المسلسلات التركية التي غزت كل البيوت العربية. كان بحنان أسمر بطل مسلسل «وتمضي الأيام»، وتفهم مهند في مسلسل «نور»، وبجرأة إيزيل.منذ أول لقاء بينهما تقدم إلى عائلتها يطلب الزواج بها كأي فارس مغوار. رفضت العائلة طلبه لأن ابنتها لم تكمل بعد السن القانوني للزواج، وكانت تتابع دراستها الثانوية، لكن إصرار نبيلة وإلحاح الخطيب التركي، جعلا العائلة ترضخ وتم الزواج.استقرا في مدينة الزهور، وعاش العروسان مدة ثمانية أشهر حياة مستقرة وسعيدة، إلى أن حان موعد العودة إلى تركيا، وهنا سيبدأ مسلسل المعاناة. تقول نبيلة، «بمجرد وصولنا إلى تركيا ولقاء أهله، تغير زوجي ب 180 درجة، ما عاد ذاك الزوج الذي أحببت في المغرب، الحنون والعطوف والمتفهم. أصبح شخصا آخر لا أعرفه. اختفى كل ما شدني إليه».كانت أول صدمة تلقتها نبيلة هو تراجعه عن وعده لعائلتها بإسكانها في بيت خاص بها، «بمجرد وصولنا إلى تركيا، ذهبنا إلى بيت عائلته. كنت أظن أن الأمر مؤقت إلى حين تحضير شقتنا كما وعدني، لكن المفاجأة أنه لا توجد أي شقة، وأنه علينا العيش مع عائلته. أعلنت والدته الحرب علي منذ أول لحظة «.عاشت نبيلة منذ حلولها ببلاد كمال أتاتورك الويلات، حماتها التركية لم تتقبلها، ازداد الأمر سوءا حين انتقل زوجها إلى مدينة أخرى للعمل، «أصبحت والدته تتلذذ بإهانتي وسبي. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعداه إلى تحريض ابنها ضدي. أصبح يضربني ويشتمني بسبب أو بدون سبب، وفي إحدى المرات استولت شقيقته على أغراضي، وحين طلبت منه التدخل قام بضربي قائلا، وما أدراني أن تلك الأغراض تخصك أنت وليست لشقيقتي، وأنك قمت بسرقتها وهي استرجعتها».لم يكن الضرب والإهانة والسب الممارسات الوحيدة التي تعرضت إليها نبيلة، تحكي وهي تغالب دموعها «لم تتعامل أمه معي مثل إنسانة تركت أهلها وقدمت إلى بلد غريب وتحتاج إلى التعاطف، ولم تقدر حتى أني مازلت صغيرة السن. كانت قاسية جدا، تمنع عني حتى الطعام. أما زوجي فكان دائم الغياب عن البيت، ويتركني تحت رحمة والدته. كانت حياتي بمثابة جحيم حقيقي، ضرب وإهانة وتجويع، كل ما لم يكن يوما يأتي في أسوأ كوابيسي».طلبت من زوجها أن تذهب إلى زيارة عائلتها، لكنه رفض متحججا أن لا مال لديه، لكنها نجحت في إقناعه بالذهاب، بعد أن أخبرته أن عائلتها ستتكفل بمصاريف الرحلة، لرغبتها في الاهتمام بها أثناء حملها، وعادت إلى المغرب. لم تصدق أنها تخلصت من كابوسها المزعج أخيرا، وقررت البقاء رغم وعود زوجها أن كل شيء سيتغير.لكن رغبتها في البقاء في المغرب، ستتغير بعد أن صدمت بكابوس آخر، إذ أخبرت أنه لا يمكنها الإنجاب في بلدها، لأنه يتعين وجود زوجها لتسجيل الرضيعة، فأجبرت على العودة على أمل أن يفي زوجها بوعوده هذه المرة، كما أن خالتها رافقتها لمساعدتها في أيامها الأخيرة من الحمل، «أهلي لم يصدقوني حين كنت أخبرهم بما كنت أعانيه في تركيا، لكن بسفر خالتي معي ومعاينة ما كنت أعيشه هناك وكيف أن زوجي تملص من وعوده من جديد اقتنعت أخيرا بروايتي، خاصة أن حماتي عاملتني بجفاء ولم تحاول أن تخفي ذلك عن خالتي، وطلبت مني أن تقوم خالتي بشراء حاجياتنا إن أردنا الطعام، لا بل تجرأت وقالت لي لم لا تبيع خالتك حليها الذهبية وتقوم بإطعامك».حاولت نبيلة التأقلم إلى حين وضعتها، أما زوجها فتركها ورحل إلى العمل بعيدا. وبعد أن أنجبت طفلتها، عادت خالتها إلى المغرب، ولحقت بها والدتها بعد أن تأكدت من أن ابنتها تتعرض لشتى أنواع الضرب والإهانة، لتقوم بالاتصال بالقنصلية المغربية التي منحت الطفلة وثيقة تسمح لها بالدخول إلى المغرب. تركت نبيلة ووالدتها ومعها الرضيعة البيت بعد أن ادعتا أنهما ستقصدان السوق لاقتناء أغراض، وبعد تأخرهما إتصل زوجها بها لتخبره،حسب ما روته ل»الصباح»، أنها عند صديقتها ليهددها تضيف نبيلة وتقول «حاولت تهدئته وإخباره أني سأعود في اليوم الموالي، في تلك الأثناء كنت في المطار أنتظر الطائرة المتوجهة إلى المغرب. كنت خائفة من أن يقوم بمنعي من السفر أنا وطفلتي، لكن أحمد الله أن الأمر مر بسلام، واستطعت الهروب من جحيمه التركي، والعودة إلى بلدي مع صغيرتي». إعداد: حفيظة وجمان (صحافية متدربة)

متزوجات هاربات من جحيم العنف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

3 أسئلة: النساء ما بين 18 و40سنة أكثر تعنيفا

رباح يهاجم "الجبابرة" و"الظالمين" بسيدي يحيى

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات