الأمن القضائي الزجري وسؤال النجاعة

استعمال السلاح الوظيفي أثار جدلا بالنظر لتطور الظاهرة الإجرامية وتناميها (2/1) بقلم: د. يونس العياشي * الأمن القضائي الزجري من المفاهيم الحديثة نسبيا، وهو موضوع له راهنيته ماضيا وحاضرا ومستقبلا، بالنظر لارتباطه الوثيق بأهم حق من حقوق الإنسان، وهو الحق في العيش في محيط آمن من الظاهرة الإجرامية، التي هي قديمة قدم التاريخ منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل. تلعب الدولة بمكوناتها الأمنية والقضائية دور الحامي انطلاقا من العقد الاجتماعي الذي يجمعها بالأفراد تماما كما تصوره الفقيه جون جاك روسو، الذي تقوم نظريته على تنازل الأفراد عن جزء من حرياتهم مقابل حمايتها لهم في أموالهم وأرواحهم وسلامتهم الجسدية. والتزام الدولة في هذا الباب (باب حماية المواطن) هو التزام بتحقيق نتيجة، وليس مجرد بدل عناية بالمفهوم المدني للكلمة، وذلك تحت طائلة قيام المسؤولية العقدية للدولة عن عدم تدخلها العاجل للتصدي للجريمة، أو على الأقل التقليل من آثارها (النجاعة الأمنية)، وللضرب بيد من حديد (النجاعة القضائية) على كل من سولت له نفسه خرق ذلك الالتزام الأخلاقي والقانوني الذي يجمع الأفراد في ما بينهم، والمتمثل في عدم الإضرار ببعضهم البعض. لذلك فالأمن القضائي الزجري سنتناوله من خلال بعدين يبدوان متكاملين، هما البعد الأمني والبعد القضائي وفق منهجية المدرسة الأنكلوسكسونية. أولا: النجاعة الأمنية رافعة في تعزيز الأمن القضائي الزجري إن الحديث عن النجاعة الأمنية باعتباره مفهوما قانونيا حديثا، يحيلنا على مفهومين أساسيين هما: - السياسة الجنائية: والتي تعتبر جزءا من السياسة العمومية للدولة، هي تعني مختلف الإستراتيجيات والوسائل التي تتخذها الدولة لإيجاد أجوبة للمشاكل التي تعرفها مسألة الوقاية من الجريمة ومكافحتها، وهي تنقسم إلى ثلاثة فروع رئيسية، فهي تمثل سياسة التجريم وسياسة العقاب وسياسة المنع والوقاية من الجريمة . ومعلوم أن السياسة الجنائية -خطوطها العريضة -أصبحت اليوم اختصاصا أصيلا للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بعدما كانت حتى الأمس القريب من صلاحيات وزير العدل. - الحكامة الأمنية : وهي اختصاص أصيل للمديرية العامة للأمن الوطني تمارسها من خلال المناشير الموجهة لجميع ولايات الأمن والمناطق الأمنية ومفوضيات الشرطة في مجموع التراب الوطني، تتضمن تعليمات صارمة وصريحة لرجال الأمن بمختلف اختصاصاتهم الإدارية والقضائية. والنجاعة الأمنية تظهر في الدور الاستباقي للمصالح الأمنية للتصدي للظاهرة الإجرامية، وهذا يتطلب توفير الإمكانيات اللوجيستيكية والبشرية المؤهلة، سيما على مستوى استثمار المعطيات الاستخباراتية التي يتم التوصل إليها، وكذا من خلال التدخل السريع لحماية المواطن من خطر الجريمة، ولو كان رجل الأمن خارج أوقات العمل. ونعزز هذا الموقف بقرار صادر عن محكمة النقض عدد 470/1 وتاريخ 14/05/2014 في الملف الجنحي عدد 101/7/2013 والذي جاء فيه:"يلزم رجال الأمن الوطني بالتدخل تلقائيا خارج أوقات العمل لتقديم العون للمواطنين ورد كل اعتداء عليهم، دون حاجة لإذن من رؤسائهم استنادا على الفصل 16 من ظهير 23/01/2016، والمحكمة لما طبقت نصوصا عامة وأغفلت نصا خاصا يعتبر قرارها ناقص التعليل الذي يوازي انعدامه ويجعله عرضة للنقض". وأثير جدل أخيرا حول استعمال السلاح الوظيفي عند رجال القوة العمومية، بالنظر لتطور الظاهرة الإجرامية وتناميها، على أن هذا لا يعني البتة غياب رجال الأمن أو التقصير في واجبهم المهني، بقدر ما هو وضع نفسي شاذ أصبح يعيشه رجل الأمن والدرك سواء على مستوى حدود ونطاق تدخله أو على مستوى كيفية التعامل مع المجرم لاسيما مع التطور الذي عرفته ثقافة حقوق الانسان بالمغرب. فأي شرعية لاستعمال السلاح الوظيفي لدى رجال القوة العمومية؟ وقبل هذا وذاك ما هو الأساس القانوني لحيازة رجال القوة العمومية للسلاح الوظيفي؟ و هل سيكون رجل الأمن أو الدرك في منأى عن أي متابعة جنائية إذا ما استعمل سلاحه الوظيفي في إطار النجاعة الأمنية وتسبب تدخله في جرح أو قتل غير عمدي لمجرم خطير؟ في حيازة السلاح الوظيفي : بالرجوع إلى الفصل 303 من القانون الجنائي نجده قد عرف المقصود بالسلاح بالقول " يعد سلاحا في تطبيق هذا القانون، جميع الأسلحة النارية والمتفجرات، وجميع الأجهزة والأدوات والأشياء الواخزة والراضة أو القاطعة أو الخانقة. وعاقب المشرع المغربي بمقتضى الفصل 303 مكرر بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 1200 درهم إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من ضبط في ظروف تشكل تهديدا للأمن العام أو لسلامة الأشخاص أو الأموال وهو يحمل جهازا أو أداة أو شيئا واخزا أو راضا أو قاطعا أو خانقا مالم يكن ذلك بسبب نشاطه المهني أو لسبب مشروع. ومعنى هذا حيازة رجل الأمن أو الدرك ومن في حكمهما لسلاحه الوظيفي هو بسبب نشاطه المهني، وبالتالي فحيازته له هي حيازة مشروعة، وتستند لسبب مشروع طيلة ممارسته لنشاطه المهني . 2 - في استعمال السلاح الوظيفي : إن حيازة السلاح الوظيفي -حيازة مشروعة-تكون بقصد استعماله عند الاقتضاء، وإلا تصبح حيازة السلاح الوظيفي والتدريب على استعماله مجرد عبث ليس إلا. 3 - في مدى شرعية استعمال السلاح الوظيفي : بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي-المتأثر بالقانون الجنائي الفرنسي بحكم الروابط التاريخية-نجده ينص على ثلاثة أسباب للتبرير تمحو الجريمة، وهي أسباب واردة في المادة 124 على سبيل الحصر وليس المثال يقول الفصل: "لا جناية ولا جنحة و لا مخالفة : 1 - إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية ؛ 2 - إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة أو كان في استحالة مادية منعته من اجتنابها لسبب خارجي لم يستطع مقاومته؛ 3 - إذا كانت الجريمة قد استلزمتها حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو ماله أو مال غيره بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء. فأي سبب من هذه الأسباب يعتبر رجل الأمن أو الدرك معنيا به عند تدخله واستعمال سلاحه الوظيفي؟ نعتقد أن رجل الأمن أو الدرك قد يكون معنيا بأسباب التبرير كلها، وقد يكون معنيا بأحدها دون الأخرى، فحيازة السلاح الوظيفي- وهي حيازة مبررة انطلاقا من الاستثناء المقرر في الفقرة الأخيرة من المادة 303 مكرر من القانون الجنائي كما سبق بيانه- واستعماله في كبح جماح مجرم خطير يهدد سلامة الأفراد والجماعات هو تدخل أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية، سيما عندما يرفض المشتبه فيه الامتثال رغم إنذاره في عدة مناسبات إما بإطلاق أعيرة في الهواء أو استعمال مكبر الصوت، أو يقاوم رجال القوة العمومية بشكل شرس وهو حامل سلاحا أبيض وتظهر عليه حالة تخدير متقدمة . وقد يكون رجل الأمن أو الدرك مكرها ومضطرا إلى استعمال سلاحه الوظيفي أي أنه يكون في استحالة مادية منعته من اجتناب إيذاء المشتبه فيه في إطار حماية حق أولى بالحماية والرعاية كالحق في الحياة والسلامة الجسدية لمواطنين أبرياء محتجزين لدى الجاني ويتلذذ بتعذيبهم، أو قد يجد نفسه في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو نفس غيره أو ماله أو مال غيره بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء. على أن ثمة مادة تتضمن التزاما أخلاقيا هو واجب التضامن نعتبرها مكملة للمادة 124 من القانون الجنائي المغربي، وهي المادة 430 من القانون نفسه الذي يعاقب من كان في استطاعته دون أن يعرض نفسه أو غيره للخطر أن يحول بتدخله المباشر دون وقوع فعل يعد جناية أو دون وقوع جنحة تمس السلامة البدنية للأشخاص، لكنه أمسك عمدا عن ذلك، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين. * نائب وكيل الملك لدى ابتدائية تمارة دكتور في الحقوق

الأمن القضائي الزجري وسؤال النجاعة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دركي مزيف ببطاقة صحافة مشبوهة

بناء يوثق اغتصاباته بالفيديو

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات