الترحم على ضحايا الكوارث … عصيد: المسلمون يفتقدون النزعة الإنسانية

عصيد قال إن التراث الفقهي يتضمن كراهية شديدة للآخر قال أحمد عصيد إن مفهوم الكفار في الثقافة الإسلامية مرتبط بسياق الصراع والحروب الدينية القديمة، وأضاف الباحث المغربي أن النزعة الإنسية والضمير الإنساني مفقودة لدى أغلب المسلمين، وأن التراث الفقهي يتضمن كراهية شديدة لغير المسلم، ودعا صاحب كتاب "رسائل إلى النخبة المغربية" إلى مراجعة ثانية لمشروع إصلاح التربية الدينية الذي أطلقه الملك محمد السادس، واعتبر الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن النخب الدينية خاضعة لتيارات التطرف. < هناك العديد من المسلمين مقتنعون بعدم جواز الترحم على ضحايا الكوارث الطبيعية من الملل الأخرى.. ما تعليقكم؟ < هذا السلوك المتخلف عن روح عصرنا، يعود إلى ثلاثة أسباب، أولها اعتبار المسلمين بأن الديانات الأخرى باطلة وأنها محرفة، وغير صحيحة وأهلها ضالون، وأن الإسلام وحده الدين الصحيح، وهذا مشكل حقيقي لأنه يدخل ضمن عقيدة المسلمين، بينما هو مناف تماما لروح عصرنا التي يطبعها حوار الأديان واحترام الآخر. والسبب الثاني هو مفهوم الكفار في الثقافة الإسلامية، الذي له سياق الصراع الديني والحروب الدينية القديمة، لكنه اليوم لم يعد له معنى، أن تقول عن شخص ما بأنه كافر لم يعد له أي معنى، لأننا اليوم لم نعد نعطي قيمة للإنسان من خلال عقيدته، بل أصبحت قيمة الإنسان تتحدد بعمله وإنتاجه، ومواقفه وسلوكه، والمسلمون لا يهتمون بالسلوك ولا المواقف، ولا قيمة الأعمال بقدر ما يهتمون فقط بالعقيدة. ولهذا تجدهم مغالين في التدين، وتجد بينهم فاسدين من الناحية الأخلاقية والسلوك. سلوكهم وعملهم متخلفان لكنهم متدينون، هذه من الأسباب العظمى لهذا الوضع. السبب الثالث هو انعدام النزعة الإنسية، والضمير الإنساني في الثقافة الإسلامية ولدى المسلمين، فليس لديهم ضمير إنساني، وهو الضمير الذي يساوي بين البشرية، ويعتبر أن قيمة الإنسان في أنه إنسان، وأنه قيمة عليا وهذا هو المبدأ الذي جاءت به الحداثة منذ مائتي عام، وعصر الأنوار، لكنه لم يتغلغل في عقول المسلمين فظلوا يرددون الثقافة الفقهية القديمة، والتراث الفقهي الذي يتضمن كراهية شديدة لغير المسلم، وكذلك مادة التربية الدينية، الآن في المقررات المدرسية، مادة خطيرة جدا لأنها تقوم على هذه الأسس الثلاثة أي اعتبار الإسلام هو الدين الصحيح، واعتماد مفهوم الكفر والكافر، ثم عدم اعتماد الضمير الإنساني والنزعة الإنسانية، واعتبار أن المسلم أفضل من غير المسلم، وهناك مثال في السنة الثالثة إعدادي، يدرسون سورة الحشر، وتتحدث عن تهجير يهود بني النضير وطردهم وهدم بيوتهم وقطع نخيلهم وأشجارهم، وهذا شيء خطير أن تعلم الأطفال الصغار كراهية اليهود فقط لأن المسلمين قد طردوهم قبل 1400 سنة، فهذه ليست مادة بيداغوجية وليست تربوية، بل تتعارض مع أهداف المدرسة، لكنك تجدها في مقرراتنا. < ألا تشكل الخلافات المذهبية بين المسلمين أنفسهم باعثا على الكراهية؟ < هذه الأسباب الثلاثة التي تجعل المسلمين لا يترحمون ولايحترمون ضحايا غيرهم، بل داخل الإسلام نفسه، في العراق وسوريا وبلدان الشرق حيث يوجد الشيعة والسنة، فإذا كان المسلم شيعيا فإن السنيين لا يكترثون لموته والعكس أيضا صحيح، وحتى عند اختلاف المذهب، إذ يحكي المؤرخون في ما يسمونه "فتنة الحنابلة" أن فقهاء الحنابلة كانوا إذا اختلف معهم فقيه من الشافعية أو الحنفية، كانوا يعادونه عداء شديدا، ويرفضون الحضور في جنازته، بل كان منهم من يخرجون جثته ليلا ويجلدونها فقط لأنه كان على مذهب مخالف لهم، إذن هناك فظاعات حتى داخل الإسلام نفسه، بسبب عدم قبول الاختلاف. وفي هذا السياق أستحضر قصة راهب مسيحي كان بإحدى مدن سوس وقضى بها أربعين سنة قبل أن يتوفى، وكان محبوبا من قبل الجميع نظرا لحبه لأعمال الخير مع الإنسان والحيوانات ويعلم الأطفال العناية بالطبيعة والبيئة، فلما أراد أهل المدينة مرافقة جنازته نهاهم رئيس المجلس العلمي، وقال لهم سيدخلكم الله مدخله، على أساس أن الفقيد مثواه النار لأنه كافر. هذه النزعة الكارهة للإنسان والمنحرفة تجب محاربتها، وهذا لن يتم إلا بإصلاح مناهج التربية وإصلاح التربية الدينية، التي دعا الملك محمد السادس منذ ثلاث سنوات إلى مراجعتها ولم تراجع كما ينبغي، إذ أن المراجعة كانت محدود وهي في حاجة الآن إلى دورة ثانية، من أجل تنقيح المقررات المدرسية من كل ما يتعارض مع الضمير الإنساني ومع النزعة الإنسية. كما ينبغي تجديد النخب الدينية الموجودة الآن في المساجد، لأنها أغلبها متخلف وتابع لتيارات التطرف، والكثير من خطباء المساجد عوض أن يدعوا إلى الضمير الإنساني، يحرضون على العكس، ولهذا ينبغي تجديد النخب، وتكوين فقهاء متنورين، وإتاحة الفرصة لهم للحضور في المؤسسات لكي يمرروا خطاب التنوير الديني، أما بهذه النخب الموجودة في المجالس العلمية، والتي تحتكر، فلا يمكن التقدم. < هناك من يعتبر أن سلوك الكراهية هذا لا يعكس روح الدين الإسلامي وليس من صميمه؟ < هؤلاء الفقهاء الذين يجمعون على هذا الرأي يستعملون نصوصا من القرآن والسنة النبوية، لكي يزكوا مواقفهم، وهي النصوص التي شاعت عند عموم الفقهاء المسلمين فأصبح عليها نوع من الإجماع وسادت عبر القرون، وتغلبت، لذا حتى الفقهاء المتنورون يجدون حرجا في أن يعلنوا موقفا إيجابيا ويتم الهجوم عليهم من قبل أغلب الفقهاء، ويقولون لهم أنتم خارج الشريعة وموقفكم غير صحيح أو أن رأيهم شاذ. < إذن أين يوجد العطب؟ < أعتقد أن العطب موجود في قراءتنا للنصوص وطريقة اشتغال الفكر الديني لأنها طريقة تقليدية جدا، ما زالت تعتمد القراءات السابقة، أي ما قرأه الفقهاء السابقون في نصوص لم يعد لها سياق، وهذا هو الذي ينبغي أن يعرفه المسلمون، فتلك النصوص فعلا موجودة لكن سياقها لم يعد موجودا، وأنت تعلم أنه في فلسفة القانون بأن كل نص لم يعد له سياقه الذي ظهر فيه فإنه يعطل أي لا يتم اعتماده، فمثلا كانت النصوص تقول بعدم جواز مغادرة المرأة بيتها إلا للضرورة فكان لها سياقها المرتبط بسياق الحريم في المجتمع القديم، لكن الآن فإن عمل المرأة واجتهادها وتوليها المناصب والمسؤوليات جعل تلك النصوص تعطل لأن سياقها الاجتماعي والاقتصادي والسوسيو ثقافي والسياسي لم يعد موجودا، والشيء نفسه يقال عن مفهوم الكافر فالنصوص المتحدثة عن الكفار وأنهم في النار ولا يجوز الاستغفار لهم أو الترحم عليهم، مرتبطة بالصراعات القديمة بين المسلمين وغيرهم، لكنها لم تعد تهم المجتمع المعاصر. أجرى الحوار: عزيز المجدوب

الترحم على ضحايا الكوارث … عصيد: المسلمون يفتقدون النزعة الإنسانية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مشروع قانون النقابات ... فراشين: تقزيم دور النقابات

الترحم على شخص غير مسلم ... زوهار: العبرة بالاعتقـاد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات