العدالة والاستثمار… التحديات والرهانات

افتتح مؤتمر العدالة بمراكش في صيغته الثانية، تحت شعار العدالة والاستثمار، في أجواء ميزتها المشاركة المكثفة، إذ غصت قاعة المؤتمرات بالحضور، كما أكدت إحصائيات اللجنة المنظمة أن حوالي 1500 مؤتمر حجوا لمتابعة الافتتاح، ضمنهم ممثلو أزيد من 68 دولة يمثلون القارات الخمس. وتميزت الدورة بالرسالة الملكية التي تلاها الرميد، والتي رسمت الخطوط العريضة للإقلاع الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار، كما ألقى الرئيس المنتدب للسلطة القضائية كلمة استعرض فيها مجهودات القضاء واجتهادات محكمة النقض وتوجيهات السلطة القضائية في المجال نفسه، كما تناول الكلمة محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة، ومحمد بنعبد القادر، وزير العدل... إنجاز: المصطفى صفر (موفد الصباح إلى مراكش) - تصوير: (عبد الرحمن المختاري) عبد النباوي: النيابة العامة تواكب السياسات العمومية قال محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، إن وضع القوانين وتجويدها ليسا غاية في حد ذاتهما، وإنما يعدان وسيلة لبلوغ الأهداف التي تسطرها الدولة. وهنا تكمن أهمية دور القضاء الموكول إليه أمر تطبيق النص القانوني على وقائع معينة، على نحو يجعله مؤهلا لحماية النظام العام الاقتصادي وتحقيق الأمن القضائي، كما ينص على ذلك الفصل 117 من دستور المملكة. ومن أجل تحقيق أهداف المرحلة الجديدة التي أعلن عنها جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2018. واستعرض رئيس النيابة العامة مواكبة القضاء للإصلاحات الاقتصادية. وابتكاره حلولا واجتهادات كانت تقدم أجوبة ملائمة لمشاكل التجارة والمقاولات في غياب النص القانوني أحيانا، كما هو الشأن في استناد محكمة النقض إلى أحكام اتفاقية نيويورك للتحكيم قبل صدور القانون المغربي للتحكيم والوساطة. وتطبيقها لاتفاقية هامبورغ في مجال النقل البحري بالأولوية على بعض مقتضيات القانون الوطني، بالإضافة إلى حماية حقوق المقاول تجاه الإدارة في الصفقات العمومية، وغيرها من الأمثلة التي تؤكد انخراط القضاء في تطوير المنظومة القانونية بما يتلاءم وأهداف تحسين مناخ الأعمال و تشجيع الاستثمار. وأشار المتحدث نفسه إلى أن النيابة العامة باعتبارها جزءا من السلطة القضائية، لا تحيد عن هذا النهج، بل تواكب مختلف القوانين والسياسات العمومية في مجال المال والأعمال والاستثمار. وتسهر على دعمها لمناسبة ممارستها لدورها في حماية النظام العام الاقتصادي وتنفيذ السياسة الجنائية. وذكر عبد النباوي أنه في أول يوم باشر فيه الوكيل العام للملك مهامه باستقلال عن السلطة التنفيذية حرص على مطالبة أعضاء النيابة العامة بضرورة المساهمة الفعالة في اختيار حلول كفيلة بالحفاظ على نشاط المقاولة، والحفاظ على مناصب الشغل، وحماية حقوق الدائنين، وتشجيع الاستثمار. كما تم التأكيد على هذا التوجه لمناسبة دخول الكتاب الخامس من مدونة التجارة حيز التنفيذ. كما أن النيابة العامة لا تتوانى في القيام بأدوارها في توفير الحماية الجنائية للتجارة والمعاملات التجارية، سيما في ما يتعلق بحماية الملكية الصناعية والقوة الإبرائية للأوراق التجارية، وعلى رأسها الشيك، وحماية أموال الشركاء والشركات، وحماية الاقتصاد الرقمي، عبر ردع الجرائم المعلوماتية وكل الممارسات التي من شأنها زعزعة الثقة في المعاملات الإلكترونية. والحرص على ضمان حرية المنافسة وتكافؤ الفرص، سيما في ما يتعلق بالصفقات العمومية، فضلا عن المساهمة في تخليق مناخ الأعمال عبر تحريك المتابعات بشأن كل صور الرشوة واستغلال النفوذ والغدر والاختلاس وتبديد المال العام. وذكر المتحدث نفسه أن دور القضاء في حماية الاستثمار لا ينتهي عند حدود تطبيق القانون بعدالة وإنصاف، وإنما يتطلب كذلك أن يخضع اجتهاد القضاة للمبادئ الناظمة للأمن القضائي، التي تجعل المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين مطمئنين على استثماراتهم وعملياتهم، من جراء استقرار الاجتهاد القضائي من غير جمود، وتطوره من غير تسرع، مراعاة لمتطلبات السوق وقواعد المنافسة الحرة وحماية حرية العمل وحقوق الأجراء وضمان استمرار المقاولة. بنعبد القادر: إجراءات تشريعية وقضائية في الطريق استهلت فعاليات المؤتمر الدولي للعدالة، بكلمات المسؤولين التي أعقبت الرسالة الملكية، إذ تناول الكلمة محمد بنعبد القادر وزير العدل، مشيرا إلى دواعي اختيار موضوع العدالة والاستثمار بما يطرحانه من رهانات وتحديات، ليكون شعار هذه الدورة ، مفيدا أن اهتمام المملكة المغربية بتشجيع الاستثمار، باعتباره خيارا إستراتيجيا، هو في الأساس رؤية ملكية سامية، وتوجه رسم خطوطه صاحب الجلالة، بتأكيده في عدة مناسبات على ضرورة إيلاء الاستثمار فائق العناية، وتذليل جميع العقبات التي تحول دون تشجيعه، وإيجاد الظروف الملائمة لجلبه ، والعمل على تحسين مناخ الأعمال. وذكر بنعبد القادر بما عبر عنه جلالته في الخطاب الأخير أمام أعضاء مجلسي البرلمان في 11 أكتوبر الجاري، حيث دعا إلى ضرورة الاستمرار في تشجيع الاستثمار، موجها كلامه إلى القطاع البنكي حيث قال جلالته: "أعرف جيدا أنه من الصعب تغيير بعض العقليات البنكية، كما سبق أن أكدت على ضرورة تغيير العقليات الإدارية، ووضع حد لبعض التصرفات، التي تعيق التنمية والاستثمار". وأكد وزير العدل أنه تعزيزا للمجهود التشريعي المبذول لتحسين مناخ الأعمال بالمغرب خلال السنتين الأخيرتين، والمتوج بصدور عدد هام من القوانين المهيكلة، وتنفيذا للتوجيهات الملكية، فإن وزارة العدل بالتنسيق والتعاون مع باقي القطاعات الحكومية المعنية والمؤسسة التشريعية، وكل مكونات منظومة العدالة، تعتزم تنزيل باقي النصوص القانونية المضمنة في المخطط التشريعي، والنصوص التنظيمية المتعلقة بالقوانين المصادق عليها، وذلك خلال الأمد القريب والمتوسط ، ويتعلق الأمر بتسريع مسطرة المصادقة على نصوص تشريعية وتنظيمية تتيح إمكانية التقاضي عن بعد، اعتبارا لما سيكون لها من آثار إيجابية على تسريع مسطرة التقاضي، سيما في المجال التجاري المتسم بالسرعة، وتسريع مسطرة الإحالة بشأن مشروع قانون التنظيم القضائي الذي يتضمن مقتضيات من شأنها ضمان تقريب خدمات القضاء التجاري من المتعاملين الفاعلين الاقتصاديين، ثم التعجيل بالمصادقة على مشروع القانون المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، وكذلك تكثيف المشاورات مع كل الفاعلين والمتدخلين للانتهاء من إعداد مشروع القانون المتعلق بالمراكز التجارية الكبرى، وإصدار المرسوم المتعلق بتنظيم ومسك السجل الوطني للرهون مع بداية 2020. وإصدار المرسوم و قرار وزير العدل المنظمين للسجل التجاري بما يتلاءم مع قانون إحداث المقاولات عبر الخط ، مع بداية 2020، وأخيرا إصدار المرسوم المتعلق بالمؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام السنديك، والأتعاب المستحقة عن المهام التي يباشرها في إطار مسطرة صعوبات المقاولة، خلال 2020. وفي السياق نفسه، أكد وزير العدل، أن الجهود متواصلة للانتهاء من وضع السجل الوطني للرهون، والذي من المتوقع ان ينطلق العمل به مع بداية 2020، كما أن منصات التبادل الإلكتروني مع المحامين والمفوضين القضائيين والموثقين والعدول وصل تنزيلها إلى مراحل متقدمة، والأمل معقود على انخراط كل المهن لإنجاح هذا الرهان الإستراتيجي. وبالموازاة مع هذه الجهود، ستعمل وزارة العدل بتعاون وتنسيق مع شركائها في منظومة العدالة على مواصلة ورش التكوين و التكوين المستمر والتكوين التخصصي، بما يسهم في الرفع من القدرات المؤسسية لمختلف الفاعلين داخل هذه المنظومة لمسايرة المستجدات والمتغيرات الوطنية والدولية. فارس: المجهود القضائي رفع ثقة المستثمرين قال مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، "منذ أبريل 2017 تاريخ تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى الآن، مرت تحت الجسر مياه كثيرة، كما يقال، سنتان ونصف سنة تقريبا من البناء والتأسيس ومن العمل الوطني وأداء الواجب المهني المسؤول". وعرج على المجهودات المبذولة في مجال استقلال السلطة القضائية وجعلها أكثر انفتاحا ونجاعة وفعالية، موجها في الآن نفسه عبارات الشكر والثناء لوزير العدل السابق محمد أوجار والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، لما أبانا عنه طيلة هذه الفترة من حكمة وحنكة في تدبير هذه المرحلة الدقيقة بكل مسؤولية وتوازن. واستهل فارس حديثه عن موضوع المؤتمر بالتذكير بأن "لا استثمار ولا تنمية بدون قضاء مستقل كفؤ منفتح متطور"، مشيرا إلى أن عالم الاستثمار يعتمد في كثير من أسسه على عنصر الزمن ولغة الأرقام والمعطيات الإحصائية والمؤشرات التي تقيس قيمة العمل وجودته وآجاله وآثاره، وأنه كان لزاما على السلطة قضائية التركيز على تحسين هذه المؤشرات وذلك بتكريس جهود كبرى من أجل الحق في المحاكمة العادلة داخل آجال معقولة، وذكر أنه "في السنوات الأخيرة سجلت معدلات مشرفة جدا تضعنا بدون مبالغة في مصاف المحاكم العليا العريقة عبر العالم رغم كل الاكراهات والصعاب"، حسب قوله. ودعا فارس إلى إجراء قطيعة حقيقية مع الممارسات التي تهدر الزمن والفرص التنموية وتعيق مبادرات الإصلاح وتكبل روح الإبداع . وأشار فارس إلى أن التجارب الإنسانية العالمية أثبتت أنه مهما كانت النصوص القانونية ملائمة فإنها تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضايا المستجدة، ويبقى الملاذ إذن هو السلطة القضائية لتدبير هاته الأوضاع والاجتهاد الخلاق، من أجل إيجاد حلول لها، مؤكدا أنها أمانة ومسؤولية شاقة مضنية "نرى ملامحها الإيجابية واضحة في العديد من توجهات محكمة النقض باعتبارها على رأس الهرم القضائي المغربي، التي عمل قضاتها الأماجد على ضمان مناخ آمن للاستثمار من خلال العديد من القرارات التي كرست مبادئ هامة تجسد حرص القضاء على إيجاد التوازن بين حقوق جميع مكونات الشركات والمقاولات ومد الحماية اللازمة لمستهلكي المنتوجات والخدمات، خاصة في مجال المعاملات البنكية والتأمينية والضريبية إذ سهروا على تكريس عدالة اقتصادية وضريبية لمواجهة الشروط والمساطر التعسفية. واستطرد المتحدث نفسه في استعراض مختلف الجوانب التي واكب القضاء المغربي من خلالها التحولات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والتكنولوجية الدولية وأثرها على الاستثمار وعلى سوق الشغل، بإقرار سمو الاتفاقيات الدولية وتفعيل مضامينها وكذا التفاعل الايجابي مع وسائل الإثبات الإلكترونية بإعطائها القوة والحجية الثبوتية في المنازعات وحمايته للمتضررين من الأخطاء الناتجة عن المعاملات البنكية الدولية، واعتماده مقاربة حمائية فعالة في القضايا المتعلقة ببراءة الاختراع وحقوق المؤلف، ومختلف القرارات والاجتهادات الصادرة في هذا الشأن، مشيرا إلى أن هذا الزخم القضائي والرأسمال اللامادي الهام من القرارات الصادرة في القضايا المتعلقة بالاستثمار، تم توثيقه ونشره. وأكد فارس أن ما يتحقق اليوم من ارتفاع في مؤشرات الثقة لدى المستثمرين ساهم فيه بقسط وافر هذا المجهود القضائي الكبير المتكامل، "قضاؤنا اليوم وبشهادة العديد من المؤسسات والقطاعات الوطنية والدولية يؤكد أنه لا تخوف على ضمانات الاستثمار بالمغرب، ويؤشر على إرادة حقيقية من أجل إحداث دينامية جديدة وإعطاء انطلاقة صحيحة فعلية لورش التأسيس الذي نعتبره عمادا للتنمية وللاستثمار".

العدالة والاستثمار… التحديات والرهانات

رسالة ملكية رسمت الخطوط العريضة لتعزيز الاستثمار وتشريعات ومجهودات لدعم الثقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فوضى الدخول تغضب برلمانيين

سنة للمعتدي على أستاذة باليوسفية

مقالات ذات صلة