ذاكرة الأولمبياد : بنعبد السلام الراضي … أول الفاتحين

مر العداء العالمي والأولمبي المرحوم بنعبد السلام الراضي من تجربة كلها معاناة وألم، سواء قبل فوزه بفضية ماراثون أولمبياد روما سنة 1960 أو بعده، وذلك بسبب تشبثه بمغربيته وحبه للمغرب، رغم جميع الإغراءات التي تعرضها لحمل الجنسيتين الفرنسية والبلجيكية.وقصة عبد السلام الراضي فيها الكثير من الإثارة والتشويق، إذ لم يجد الطريق أمامه مفروشا بالورود كما هو حال العديد من العدائين اليوم، أو حتى الذين مارسوا في فترة التسعينات والعشرية الأولى من القرن 21 ، بل إن مسيرته التي قضاها ما بين 1950 و1966 كانت مليئة بالمفاجآت، والسباق الذي خاضه في أولمبياد روما سنة 1960 ضيع فيه الميدالية الذهبية نتيجة سوء تقدير بسيط، بعدما اعتقد أنه وصل النهاية قبل امتار قليلة من النهاية، في الوقت الذي استمر فيه الفائز بالذهبية الإثيوبي أبيبي بيكيلا في العدو، ودخل في الرتبة الأولى بثواني قليلة عن الراضي، علما أنها أول ميدالية أولمبية مغربية وعربية في ألعاب القوى.ويحكي المرحوم الراضي قصته في أولمبياد روما للمجلة الشهيرة ليكيب سنة 1972، ولذكريات التي لا تفارقه أينما حل وارتحل، بعد أن غادره الجميع بسبب تركه الجيش الفرنسي الذي كان يشتغل به، وعاد إلى مدينة فاس للبحث عن عمل، غير أنه اضطر إلى العودة مجددا إلى فرنسا، وبدأت رحلته مع المتاعب مرة أخرى، إذ اشتغل بمحل خاص بتعبيد الطرق، وفي إحدى محطات القطار في مدينة ديجون التي كان يقطن بها، وفي محطة لغسيل السيارات، علما أن كل ذلك لم يؤثر في شخصيته المرحة والمتسامحة.وتنكر الجميع للمرحوم الراضي بعد تركه الجيش، إذ لم يعد يلقى العناية التي كان يخصه بها الجميع عندما توج لأول مرة سنة 1960 بذهبية البطولة الدولية للعدو الريفي بغلاسكو والتي يطلق عليها اليوم بطولة العالم للعدو الريفي، الشيء الذي دفع الجميع إلى ترشيحه للفوز بذهبية أولمبياد روما، سيما أن العداء الإثيوبي كان مغمورا ولا أحد يعرفه، إذ تعرف عليه عند عيادة الطبيب عندما كان يعتزم إجراء الفحص الطبي، فوجده ممددا على السرير، واسترعى انتباهه قدماه الخشنتان الشبيهتان بقطع فحم حجري لصلابتهما، ذلك أنه كان يجري حافيا مهما كانت تضاريس الطرق التي يعدو فيها، وحاول لمسهما لأنه كان يعتقد أنه لن يشعر بشيء، لكن بيكيلا فطن لذلك ونهض مسرعا وأبان غضبا شديدا، قبل أن يتدخل الطبيب ويعرفهما على بعضهما، فأصبحا صديقين منذ ذلك التاريخ.وقبل إجراء سباق الماراثون ذهب المرحوم الراضي رفقة بيكيلا لتناول الغذاء، وكانا الوحيدين اللذين اكتفيا بتناول قطع من البطاطا المقلية والفاكهة من بين جميع المشاركين، ومع بدء السباق انطلاقا في المقدمة وسيطرا عليه إلى حدود الكيلومتر 40 وكان الراضي حينذاك في المقدمة، إذ وجد حبلا ممدا واعتقد أنه وصل إلى خط النهاية، في الوقت الذي استمر بيكيلا في العدو، قبل أن يخبره أحد المشجعين بمواصلة السباق لأن خط النهاية مازال بعيدا، لكن بيكيلا كان أسرع منه ودخل في الرتبة الأولى بفارق ثواني قليلة، غير أن الرقم الذي حققه الراضي في أولمبياد روما (ساعتان و15 دقيقة و42 ثانية) ظل صامدا لمدة 20 سنة، قبل أن يحطمه الجزائري عبد المجيد مدا.وعن بداية المرحوم الراضي مع ألعاب القوى، يحكي لإحدى المجلات الفرنسية" لم أكن أعرف ألعاب القوى، لأنني كنت أساعد والدي في الزراعة بضواحي مدينة فاس التي ولدت بها، قبل أن أتطوع في الجيش الفرنسي سنة 1950، ليكتشفوا فيما بعد أن لي قدرات كبيرة على العدو مسافات طويلة، رغم المعدات التي كنا نحملها على ظهورنا يصل وزنها في بعض الأحيان إلى 50 كيلوغراما، وكنت دائما أحصل على الرتبة الأولى، فقرر مسؤولو الجيش الفرنسي إرسالي إلى إحدى الثكنات الرياضية العسكرية تدعى "جوانفيل" لاستكمال التكوين، وفزت بالعديد من السباقات التي كانت تنظم في تلك الفترة، إلى أن قرروا إرسالي للمشاركة في بطولة العالم للعدو الريفي بغلاسكو سنة 1960، والتي فزت بذهبيتها، ومنذ تلك اللحظة دخلت منعطفا آخر من حياتي، إذ أتذكر أنني ذهبت إلى أحد المطاعم ليلة الفوز بالسباق، وكان الجميع ينظر إلي بطريقة غريبة، إلى درجة أنني قررت معها العودة من حيث أتيت، قبل أن أنزوي إلى مائدة بعيدة عن الأنظار، وتناولت وجبتي في خفاء، ولما أردت الخروج طلبت الحساب، فأخبرني صاحب المطعم أن أحد الزبائن دفع الحساب عني، لتنطلق بعد ذلك الترحيبات من طرف باقي الزبائن، ويطلب العديد منهم التوقيع على صورتي التي نشرتها إحدى الجرائد الفرنسية في وقت سابق.صلاح الدين محسن

ذاكرة الأولمبياد : بنعبد السلام الراضي … أول الفاتحين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

فاس والكل في فاس : "المهراز" عمود فقري لحياة الفاسيين

متصوفة استهوتهم "السلطة الرابعة" : "لا ليبيرتي"...جريدة طرقية أم حزبية؟

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات