مانيتي… صاحب أول صيدلية

الجديدة... شذرات من تاريخ منسي 3 كان طبيبا في صفوف الجيش الفرنسي ودفن بالجديدة تنفيذا لوصيته وشمت ذاكرة الجديدة بأسماء شخصيات ساهمت، من زوايا مختلفة، في كتابة حقبة مهمة من تاريخ المدينة والإقليم، وكان لها الفضل في ترك آثار مادية تشهد لها بالمساهمة في صنع تحولات هامة على المشهد العام لعاصمة دكالة. وكما ظلت تلك الشخصيات حية وباستمرار في وجدان الأهالي، استمر عشق أماكن عديدة بالمدينة يسكن قلوبهم، لأنها بحمولة تاريخية وبرمزية كبيرة حتى وإن نالت منها عوادي الزمن، فإنه حق فيها قول الشاعر: "تلك آثارنا تدل علينا... فانظروا بعدنا إلى الآثار". بكت الجديدة، قبل 10 سنوات، فراق "مانيتي"، الصيدلاني الفرنسي، من أصل إيطالي، الذي كان أول أجنبي يفتح صيدلية عصرية أسماها "الصيدلية الجديدة"، بشارع الحسن الثاني بحي القلعة، المجاور لمارشي سانطرال. واتفقت الروايات الشفوية أن مانيتي حل بالجديدة سنة 1945 لما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وتؤكد الروايات ذاتها أن مانيتي كان طبيبا في صفوف الجيش الفرنسي، قبل أن يقرر الحلول بالجديدة، وبالضبط بحي القلعة، وهو حي شعبي وسط المدينة، حيث أنشأ واحدة من الصيدليات الأولى بالجديدة، وكان ذلك أول مرة بدكان بشارع الحسن الثاني تعلوه لوحة خشبية مكتوب عليها "بوتيكا الدواء"، قبل أن يشتري بقعة أرضية على أرض خلاء بنى فوقها "الصيدلية الجديدة" ومقرا لسكناه. وكان مانيتي، بإنشائه أول صيدلية بالجديدة، أسس لعلاقة جديدة لسكان المدينة مع "البوتيكا"، وساهم بذلك في تراجع الطرق التقليدية في التداوي من الأمراض والأوبئة، ومنها "السبوب" والأعشاب وزيارة الأولياء والصالحين والأضرحة. بعدها بقليل، تدعم الجسم الصيدلي بميلاد مجموعة من الصيدليات، منها الصيدلية المركزية لمالكها المغربي امحمد كرار، وصيدلية الإيطالي "أنكراو" بشارع الحسن الثاني، وصيدلية اليهودي "أميال" بجوار قيسارية ناهون لبيع الأثواب. والملاحظ أن كل الصيدليات كانت مركزة بشارع الحسن الثاني وبقلب المدينة، لأن مالكيها راعوا أن تكون قريبة من المستشفى الذي كان أول مستشفى يشيد في بلادنا في 1916، وسيحمل لاحقا، بعد الاستقلال، اسم مستشفى محمد الخامس، وكانت دولانوي أول طبيبة مديرة له، كما أن الصيدليات كانت تفتح قرب مستوصف "مدام شابو"، خلف سوق النصارى. ويذكر سكان الجديدة لمانيتي أنه كان يجسد بحق مهنة الصيدلاني الذي لا يغيب عن صيدليته أبدا، بوزرته البيضاء، وأنه لا يسلم الدواء لأحد دون وصفة. وكان الجديديون يطمئنون إلى نصائحه بخصوص كيفية استعمال الدواء، خاصة الأدوية المضادة لأمراض وأوبئة فتاكة، ومنها الجدري وداء السل والتيفوس، الذي قالت عنه الطبيبة الفرنسية دولانوي، أو كما كان يسميها أهل الجديدة "مدام شابو"، في سيرتها الذاتية، إنه فتك بأعداد كبيرة من الأهالي، لدرجة أن دفنهم كان يتم بكيفية جماعية. وفي 1953، انتفضت الجديدة، وكباقي المدن، لمناسبة ثورة الملك والشعب في وجه الفرنسيين، واستثنى أهل المدينة "مانيتي" من غضبهم وشفعت له في ذلك طريقة تعامله معهم لدرجة كانوا يعتبرونه واحدا منهم. لم يكن عمل مانيتي مقتصرا على الصيدلية فقط، بل كان شغوفا بسباق الدراجات الهوائية، والمشاركة فيه وأيضا لعب كرة المضرب كما لعب دور محصن للشباب من الانزلاقات. وظل مانيتي مخلصا في عمله لسكان المدينة إلى أن بلغ من الكبر عتيا، فباع الصيدلية وانتقل إلى العيش بالبيضاء، وفي لحظة معاناته مع مرض عضال، أوصى ابنه بدفنه في المقبرة المسيحية بالجديدة قرب ملعب الفروسية، وهو ما تم فعلا لما أدركته الوفاة سنة 2009، وفي محفل مهيب، حضره مسيحيون ويهود ومسلمون، أجمعوا كلهم في كلمات تأبينه، أنه كان طيبا وخدوما ومحبا لمهنته وللمغاربة، وشهدوا أيضا بأن الجديدة فقدت طبيبا فرنسيا أحبها وأجزل الحب لسكانها وكانت آخر وصية له أن يكون ترابها مثواه الأخير. عبد الله غيتومي (الجديدة)

مانيتي… صاحب أول صيدلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"يا رايحين للنبي"... دافعت بها ليلى مراد عن إسلامها

غاني ... عنف وكوكايين في الملاهي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات