تفاصيل تهريب جنازة قتلى درب المعيزي بالبيضاء

سيارات الإسعاف انطلقت بسرعة فائقة داخل المدار الحضري للإفلات من مطاردة المشيعين الغاضبين وزارة الداخلية "اتعظت" مما حدث قبل حوالي شهر بوسط المدينة القديمة للدار البيضاء، بعد أن حل وزير الداخلية متفقدا ضحايا انهيار بناية آيلة للسقوط (أودى بحياة خمسة أشخاص)، ليجد نفسه وسط حشود غاضبة من سكان المدينة القديمة، والذين حملوا ممثلي الوزارة على الصعيد المحلي مسؤولية ما حدث، فلم يجدوا أمامهم سوى العنصر لينقضوا عليه، ولولا الحراسة المشددة التي وفرها له حراسه الشخصيون وعناصر الأمن لكانت الحشود الناقمة فتكت به... المشهد نفسه، تقريبا، كاد يتكرر خلال جنازة الضحايا الثلاث لانهيار عمارة بدرب المعيزي، ظهر أول أمس (الأحد). فماذا حدث؟ حوالي العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم كان موكب من العربات والسيارات (يضم ثلاث سيارات إسعاف تابعة للوقاية المدينة وحافلات تابعة لجماعة سيدي بليوط وسيارات مصلحة) يتقدم بكل هدوء قادما من مستشفى ابن رشد صوب الحي حيث كان يعيش الضحايا الثلاث. أهاليهم تشبثوا بأن يلقوا عليهم نظرة وداع قرب المكان الذي ولدوا وترعرعوا وماتوا فيه. أصوات نحيب وعويل تتناهى إلى الأسماع من كل مكان، لا تضاهي حدتها إلا أشعة الشمس الحارقة. المئات من سكان هذا الحي وسكان باقي الأحياء متجمهرون في محيط البناية التي انهارت. علامات الحزن بادية على كل الوجوه. أقارب الضحايا لا يفارقون سيارات الإسعاف. يترجل عنصر الوقاية المدنية الذي يقود السيارة ليفتح أمامهم الباب لإلقاء نظرة الوداع. يتدافع الأقارب والمعارف والجيران والأصدقاء وحتى الغرباء من أجل توديع المتوفين.. تنتهي مراسيم التوديع وتنطلق سيارات الإسعاف عبر مسالك الحي المتربة في اتجاه مقبرة الرحمة، التي تبعد بعدة كيلومترات عن مكان وقوع الحادث. ورغم ذلك فبعض أقارب الضحايا وأصدقاؤهم وأبناء الحي تشبثوا بأن تكون الجنازة مشيا على الأقدام، رغم الحرارة وطول المسافة. يتجه الموكب الجنائزي صوب شارع محمد الزرقطوني، عابرا عدة أزقة وشوارع، إذ كان في كل شارع يمر منه تزداد حركة المرور اختناقا وفوضى، ورغم ذلك فهم متشبثون بأن تكون الجنازة مشيا على الأقدام. عندما وصلت الجنازة إلى شارع إدريس السلاوي، كانت السلطات المحلية قد "نصبت الفخ" الذي سيجنبها عناء التجادل مع عائلات وأقارب وجيران الضحايا للإسراع بالجنازة لتصل إلى المقبرة بالتزامن مع صلاة الظهر. بهذا الشارع وضعت السلطات المحلية أربع حافلات رهن إشارة المشيعين. عناصر الأمن وقوات التدخل السريع حاولت جاهدة صد جحافل المشيعين، الذين يزدادون حماسة وهم يرددون "بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، يقصدون ضحايا الانهيار. يستمر الجدال حادا بين من يؤيدون الصعود إلى الحافلات وبين أولئك الذين يصرون على أن يواصلوا طريقهم مشيا على الأقدام. يتدخل بعض العقلاء لإقناع الرافضين... بعد بضع دقائق ينتهي الجدل بصعود المشعين إلى الحافلات الأربع، لكن وفي غمرة الجدال الحاد كانت سيارات الإسعاف التي تحمل الجثامين الثلاثة انطلقت بسرعة صاروخية صوب مقبرة الرحمة. عناصر الأمن بزيهم الرسمي والمدني وكذلك قوات التدخل السريع تخفر سيارات الإسعاف من كل جانب. عقرب تحديد السرعة بالسيارة التي كانت تقلنا لا يهبط عن مستوى 80 كيلومترا في الساعة، داخل المدار الحضري، وبين الفينة والأخرى كان يقفز إلى 120 كيلومترا، ومع ذلك ظلت تفصل بيننا وبين سيارات الإسعاف مسافة تتجاوز مائتي متر. قليلون هم من لحقوا بالموكب الجنائزي من المشيعين. فقط الذين يتوفرون على سياراتهم الخاصة أو الذين كانوا يمتطون دراجات نارية، أما الباقون فقد علقوا في الحافلات التي وضعتها رهن إشارتهم السلطات المحلية، فلم تصل منهم إلا قلة قليلة إلى مقبرة الـــــــرحمة. امنحد العنصر، وزير الداخلية، لم يكرر خطأ المرة الماضية. هذه المرة توجه مباشرة إلى مكان دفن ضحايا الانهيار. كان يجلس في الصف الأمامي بمسجد الرحمة، حيث ستقام مراسيم صلاة الجنازة على أرواح الضحايا، وإلى جانبه كان الوالي الجديد لمدينة البيضاء محمد بوسعيد، الذي لم تجد المدينة ما تستقبله به سوى أخبار الكوارث والفضائح. تم إدخال الجثامين الثلاثة وبعد خمس دقائق نادى المؤذن لصلاة الظهر، وبمجرد أن أنهاها دعا المصلين إلى "الصلاة على جنازة أموات المسلمين". انتهت صلاة الجنازة. يتقدم بعض المنتخبين ورجال السلطة المحلية للمساعدة في إخراج الجثامين إلى خارج المسجد والتوجه بها إلى مثواها الأخير. "صافي ما بقا تاشي واحد، كلشي خرج"، يقول أحد رجال السلطة المحلية مخاطبا بعض المشيعين الذين علموا أن العنصر حضر صلاة الجنازة، وظلوا في انتظاره إلى أن يخرج. لكنه لم يخرج إلا بعد أن رافق أغلبهم الجثامين التي سبقت. وبمجرد ما أطل من داخل المسجد حتى تحلق حوله عدد من المشيعين ما لبث أن ارتفع إلى عدة عشرات. بعضهم يسلمه رسائل، وآخرون يسلمونه بيانات استنكار وتنديد بما يقع في المدينة القديمة. الأحزمة التي يشكلها حراس وزير الداخلية الشخصيون وكذلك عناصر الدرك والقوات المساعدة حالت في أغلب الحالات دون وصول أيدي أصحاب الرسائل إلى الوزير. "وعيب عليكم، هادوك اللي ماتو را حتى هوما بنادم وخليو الوزير يعرف أش واقع"، يقول أحد شباب درب المعيزي، الذي لم يتمكن من توصيل رسالته إلى وزير الداخلية، مخاطبا الحراس وكذلك بعض رجال السلطة المحلية الذين تفننوا في نهر ودفع كل من "سولت" له نفسه الدنو من وزير الداخلية.دامت عملية الدفن قرابة عشر دقائق في جو كئيب وحزين وحار في الآن نفسه. المشيعون لم يتوقفوا عن ترديد "هاذي ساعة من ساعات الله يحضر فيها النبي رسول الله". انتهت عملية الدفن، التي ظلت مطوقة من طرف سياج أمني رسمه رجال الدرك وعناصر القوات المساعدة، فبدأ الاندفاع من أجل الاقتراب من وزير الداخلية والوالي بوسعيد وإبلاغهما مشاكل سكان المدينة القديمة، حيث يتهدد خطر الانهيار عشرات المنازل ومعها مئات الأسر التي تفلح إلى حد الآن عمليات إعادة الإسكان والإيواء في إنقاذها من هذا الخطر الجاثم على صدور أفرادها. بلغ الاندفاع درجة لم يعد ممكنا معها في إمكان الأحزمة التي رسمها الحراس الشخصيون، عناصر الدرك وأفراد القوات المساعدة توفير الحماية لوزير الداخلية والي جهة الدار البيضاء الكبرى. لم يحل بين العنصر وبوسعيد والغاضبين سوى سيارات الخدمة الفخمة الخاصة بهم. فالعنصر ارتمى في سيارة "الأودي" الفخمة، وكذلك فعل بوسعيد الذي ارتمى في سيارة "مرسيديس" لا تقل فخامة عن الأولى. السيارتان انطلقتا بسرعة جنونية لم تخلف وراءها سوى الغبار والناقمين الذين كانوا يسعون إلى لقاء مفتوح مع وزير الداخلية. "وا إكزيرسيس هاذا "، يقول أحد عناصر الحرس الشخصي لوزير الداخلية متحدثا إلى احد زملائه، وهو يلهث جراء الجهد الذي بذله من أجل تأمين وصول آمن لوزير الداخلية إلى سيارته الخاصة، فيما ظل المشيعون الذين تمكنوا من مرافقة الجنازة إلى المقبرة يشرئبون بأعناقهم إلى الطريق الذي سلكه العنصر، وكثيرون منهم يتفوهون بسباب وكلام جارح في حق الأخير والعناصر التي يسرت له "عملية الهروب". آلاف المنازل بالبيضاء مهددة بالانهيار في الوقت الذي كشف وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، بعد انهيار منزل قبل حوالي شهر بالمدينة القديمة، أن بالبيضاء 4000 مسكن مهدد بالانهيار بدرجات متفاوتة، تشير تقارير أخرى إلى أن عدد هذه القنابل الموقوتة التي تهدد حياة المواطنين وصل إلى 7000 منزل. وحسب متتبعين لا توجد إحصائيات دقيقة حول الموضوع، إذ كشفت دراسة أنجزتها لجن مختصة بدار الخدمات بالدار البيضاء، حول «إشكالية الدور المتداعية والآيلة للسقوط في مدينة الدار البيضاء» بناء على معاينات اللجن وشكايات الملاكين والقاطنين، أن عدد الدور الآيلة للسقوط بتراب البيضاء يبلغ حوالي 2870 بناية، ويبلغ عدد الأسر القاطنة بها، حوالي 72 ألف أسرة، 90 في المائة، منها تقطن في عمالات مقاطعات الدار البيضاء آنفا، والفداء مرس السلطان وعين السبع الحي المحمدي. وتعرف المنازل المهددة بالانهيار وجود كثافة سكانية كبيرة تصل في بعض الأحيان إلى 2000 نسمة في كل هكتار، إذ يتم استعمال منزل مخصص لأسرة أو أسرتين من طرف أكثر من 5 أسر، إضافة إلى مشكل الوعاء العقاري (بقع أرضية صغيرة جدا، ملك خاص أو ملك جماعي)، فضلا عن تآكل دعامات تلك البنايات وتسرب المياه العادمة ومياه الشرب والمياه الشتوية داخل الجدران وتأثير العوامل المناخية وضعف مواد البناء المستعمَلة سابقا، إلى جانب تغييرات عشوائية، دون مراعاة ضوابط البناء وانعدام تصاميم الخرسانة المسلحة والصيانة. خالد العطاوي محمد أرحمني

تفاصيل تهريب جنازة قتلى درب المعيزي بالبيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قضاة تونسيون بالمغرب للتحقيق في أموال بنعلي

توقيف قائد بالبيضاء على خلفية انهيار منزل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات