أفران لإعداد الخبز بالبيضاء لا تحترم الشروط الصحية

أدوات متسخة تستعمل لعجن الخبز ومطالب بهيكلة القطاع لكي لا يلجه المتطفلون عوامل كثيرة جعلت البيضاويين يتخلّون عن بعض عاداتهم ويتجهون إلى عالم آخر غير محدد المعالم. عوامل كانت كفيلة بأن تجعل صحة البيضاويين تحت رحمة آخرين بوسعهم تقديم ما هو أفضل أو غيره. الكثير من الأسر البيضاوية، تخلت عن الأصل واختارت السير في الطريق المظلم. ففي الوقت الذي كانت تسعى إلى إعداد الأطباق المغربية وتسهر على اختيار كل مكوناتها بدقة فائقة، صارت تنتظر أشخاصا آخرين يعدون لها تلك الأطباق، إلى أن عوضتها بـ «السندويشات» و«البانيني» و«الشوارما». ففي الوقت الذي كانت تعجن الخبز بعد أن تغربل الدقيق وتعد الخميرة الطبيعية، صارت تشتريه جاهزا، مادام يعرض بأفخم المخابز وأيضا على قارعة الطرق. عالم أصبح مرتبطا بالمأكولات الجاهزة، التي أصبحت تُفضل على المهيأة في المنازل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل تلك المأكولات الجاهزة تحترم الشروط الصحية؟ وبصورة أدق، هل الخبز الذي يعرضه الباعة المتجولون يحترم تلك الشروط؟الانتشار الخطير انتشرت المخابز العصرية بمدينة البيضاء، وفي الوقت ذاته، انتشر معها عدد من المحلات السرية المخصصة لإعداد الخبز بالأحياء الشعبية. هي معادلة يصعب إيجاد حلول لها، إلا أنها جزء من الواقع. فالخبز، مادة أساسية في موائد الأسر المغربية، الأمر الذي يفسر الإقبال الكبير عليه وانتعاش تجارته على مدار السنة، جعل العديد يفطن لضرورة دخول غمار هذه التجارة ويتغلغل في تفاصيلها، مادام أنه قطاع غير مهيكل ولا يحتاج اقتحامه إلى دبلوم أو غيره. أبواب هذا القطاع مفتوحة في وجه كل من أراد دخوله، حتى إذا لم يحترم الشروط الصحية لإعداده أو حتى طريقة توزيعه على نقط البيع، التي من الممكن أن تكون عبارة عن عربات يدفعها بائعون متجولون.انتشرت تلك المحلات إلى درجة أن جل الأحياء الشعبية أصبحت تحتضنها، من بينها حي السدري بالبيضاء. فهناك في ذلك الحي المكتظ بالسكان، يوجد فرن شعبي، تحوّل بين عشية وضحاها، إلى محل مخصص لإعداد الخبز بشكل سري. فبعد أن تراجع نشاط الفرن، لأسباب متعددة، منها لجوء الكثير من سكان الحي إلى شراء الخبز الجاهز، عوض إعداده في المنزل، اختار المسؤولون عليه شراء الدقيق وإعداد الخبز وطهوه وبيعه للمحلات المجاورة له. طريقة وجدها هؤلاء، مناسبة لتعويض الخسارة. لكنهم، لم يكترثوا بالشروط الصحية التي يجب توفرها في محلهم من أجل إعداد الخبز وبيعه للزبائن. لم يضعوا نصب أعينهم، النقط الضرورية ليباشروا عملية العجن.الأدوات المستعملة لإعداد الخبز، كما عاينت «الصباح»، تثير الاشمئزاز. فإلى جانب أنهم يستعملون دقيقا قد لا يكون ذا جودة عالية، يستعينون بإناء كبير لوضع الخليط، لا يمكن تحديد لونه الطبيعي، بعد أن غطى العجين كل جوانبه، فيما أحد جوانبه انكسر من كثرة استعماله. ولوحة خشبية كبيرة، كانت بنية اللون، إلا أنها صارت رمادية نتيجة الأوساخ المتراكمة عليها. ولكي تكتمل عملية عجن الخبز، كان لابد للمسؤولين على المحل/ الفرن، من استعمال إناء لجلب الماء، لكنهم اختاروا إناء يعلق به العجين وتقشعر الأبدان عند رؤيته، من كثرة الأوساخ التي تعلق به، والتي غيرت لونه من أصفر إلى أسود.بالإضافة إلى كل ذلك، لم يجد هؤلاء الأشخاص سوى مكان قرب المرحاض ليضعوا بقربه أكياس الدقيق، ولم يبحثوا عن صنبور غير ذلك الذي يوجد بالمرحاض، الذي تنبعث منه رائحة كريهة، ليجلبوا منه الماء، ولا مكان غير تلك الطاولة المتسخة لذلك العجين. وغير بعيد عنها وضعوا «لاطة» من أجل أن يوضع عليها العجين قبل أن يدخل إلى الفرن، والتي تفصلها عن باب الفرن، كومة من الأزبال يحاولون تجاهلها وإكمال عملهم. لا يعلم البيضاويون، للأسف، أين يصنع الخبز الذي يتهافتون عليه يوميا وأزيد من ثلاث مرات في اليوم، أو أنهم يتجاهلون ذلك. لا يعلمون أن أشخاصا لا تتوفر فيهم شروط النظافة والصحة، هم من يصنعون لهم الخبز ليتناولوه خلال وجباتهم الأساسية.ألف محل سري لإعداد الخبزكل مراحل عملية إعداد الخبز، تمر في أجواء لا يمكن أن يقال إنها صحية، فحتى المكلف بعملية العجن، يستعين بيديه المتسختين لدلك ذلك العجين المكون من الدقيق والخميرة والماء والقليل من الملح. لم يكلف نفسه، وهو الذي يرتدي «جينزا» يلفه غبار الطحين وتملؤه قطع العجين التي أصبحت صلبة، بعد أن مرت عليها أيام وأسابيع، (لم يكلف نفسه) عناء تنظيف الأدوات قبل استعمالها أو حتى ترتيبها أو غسل يديه أو ارتداء ملابس نظيفة. لا يبالي أن تلك الطريقة أقل ما يقال عنها إنها «قذرة»، لكن لا حياة لمن تنادي، لأن هدفه الوحيد، الانتهاء من إعداد الخبز قبل منتصف النهار، من أجل أن يوزع على المحلات المجاورة، وأن يجد الزبناء ما يبحثون عنه، وأن يسدوا رمقهم بذلك الخبز «العفن». لكن أين الهروب من ذلك الخبز؟ أين المفر؟ مادام أن أزيد من ألف محل بالبيضاء وحدها، تذهب في اتجاه محل حي السدري، وأن القائمين عليها، دخلوا باب هذا القطاع دون دبلوم يؤهلهم، لأنهم فقط أرادوا الحصول على المال دون احترام الشروط الصحية، أو طريقة إيصال الخبز إلى المحلات التجارية.مراقبة عملية عجن الخبز في ذلك المحل المظلم، الذي يعج بمختلف أنواع الحشرات والفئران، يجعل المرء يتخيل صورة النساء قديما وهن مشمرات سواعدهن ويعجن الخبز بحنان وحب كبيرين. يجعل المرء يتذكر مشهد النساء وهن واقفات على باب منازلهن ينتظرن من يأتي ويأخذ منهن «لاطة» الخبز، ويذهب بها إلى «فران الحومة». وبعد أن يجهز الخبز، وبعد أن يمر من كل المراحل بذلك المحل، تأتي لحظة توزيعه، هذه المرحلة التي لا تخلو هي الأخرى من المشاكل، ولا يمكن السكوت عنها، إذ يوضع في علب كرتونية يجهل مصدرها، ويوضع بسيارة خاصة لنقله. الواقع أن قطاع إعداد الخبز، غير مهيكل، ما يجعله عشوائيا ويعرف الكثير من المشاكل، الأمر الذي دفع فيدرالية أرباب المخابز إلى تقديم عدد من المقترحات للحكومة السابقة، تم الاتفاق على تنفيذها، إلا أنها لم تُفعل بعد. وشملت تلك المقترحات منح علامة الفيدرالية للخبازين الذين يتوفرون على المعايير المناسبة لصناعة خبز تتوفر فيه معايير الجودة والسلامة، وتأمين الضمان الاجتماعي والتقاعد للعاملين، وعقد اتفاقيات شراكة مع البنوك لتخصيص عقد تأمين خاص بالحرائق، إلى جانب إحداث يوم وطني يكون عيدا للخبز في كل سنة، وتنظيم «الميتراج» بين المخبزات، بهدف احترام مسافة قانونية تضمن شروط المنافسة. إيمان رضيف

أفران لإعداد الخبز بالبيضاء لا تحترم الشروط الصحية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إشادة أمريكية بالانتخابات الجزائرية واستياء وسط المنهزمين

العدالة والتنمية ومطلب الديمقراطية الداخلية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات