هكذا دمر المخطط الاستعجالي المدرسة

المجلس الأعلى للحسابات كشف أنه لم يف ببرامجه وعمق مشكل الاكتظاظ واستقطب أساتذة غير مؤهلين ارتفاع الاكتظاظ إلى معدلات قياسية، استغلال آلاف الحجرات الدراسية ومئات المدارس غير المؤهلة لاستقبال التلاميذ، استقطاب آلاف الأساتذة غير المؤهلين للتدريس ولم يخضعوا للتكوينات المطلوبة، عودة معضلة الهدر المدرسي، مشاريع بمعدل إنجاز لم يصل حتى إلى ربع الأهداف المبرمجة واختلالات في تدبير ميزانية بلغت 43 مليار درهم من أجل إصلاح منظومة التعليم بدون حسيب ولا رقيب، أهم الأعطاب التي خلص إليها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، بعد تمحيص المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية، الذي جاء لتجاوز اختلالات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، دون أن يساهم بالفعل في النهوض بالقطاع. رغم أن المخطط الاستعجالي لوزارة التربية الوطنية الذي تمت برمجته للفترة الممتدة بين 2009 و2012، ساهم في تعميم التمدرس، أحد أهداف المخطط الأساسية، إلا أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات نبهوا إلى أن النتائج الإيجابية المسجلة على المستوى الكمي، لم تكن مواكبة بتحسين الكيف، ولم تنعكس إيجابا على جودة المنظومة التعليمية. فصحيح أن عدد التلاميذ ارتفع من 5 ملايين و667 ألف تلميذ تقريبا خلال 2009، سنة انطلاق المخطط، إلى 6 ملايين، و40 ألف تلميذ السنة الماضية، إلا أن النظام التعليمي ظل يعاني العديد من النواقص على مختلف الأصعدة، توقف عندها، بالشرح والتفصيل، التقرير الأخير الذي أفرج عنه المجلس الأعلى للحسابات حول تقييم المخطط الاستعجالي. ضعف البنية التحتية أول النواقص التي تميز المنظومة التعليمية، ولم يسعف المخطط الاستعجالي في تجاوزها أن ارتفاع عدد التلاميذ المتمدرسين، لم يواكبه تطور البنيات التحتية ومؤسسات الاستقبال، فخلال الفترة ذاتها ارتفع عدد المؤسسات التعليمية من 9397 مؤسسة إلى 10 آلاف و756 مدرسة فقط. وفي السياق ذاته، كشف قضاة مجلس جطو محدودية الإنجازات التي عرفها تطور البنيات التحتية، ودقوا أجراس الإنذار حول النقص الكبير في الطاقة الاستيعابية، ليخلصوا إلى أن الإنجازات المسطرة في إطار المخطط المتعلقة بتوسيع العرض المدرسي غير كافية، محملين جزءا من المسؤولية في ما وقع إلى انعدام جهة واحدة مكلفة بتنزيل المشاريع الخاصة بالبناء والتحديث وتوسيع المؤسسات، "فرغم أن القانون أوكل للأكاديميات مهمة بناء المؤسسات التعليمية، إلا أن الوزارة هي التي قررت التكفل بجميع عمليات البناء، عن طريق التحضير والإعلان عن طلب عروض دولي واحد من أجل القيام بعمليات البناء"، يقول التقرير. وبلغة الأرقام، أوضح معدو التقرير أنه "من أصل 1164 مؤسسة المبرمجة ضمن أهداف المخطط الاستعجالي، تم إنجاز 286 مؤسسة فقط أي بمعدل إنجاز لا يتجاوز 24.6 في المائة". توسيع المؤسسات الموجودة من خلال بناء حجرات دراسية جديدة، عرف هو الآخر تأخيرا في الإنجاز، إذ لم تقم الجهات المعنية ببناء سوى 4060 حجرة من أصل 7052 يفترض أن تحدث على امتداد سنوات المخطط، أي بمعدل إنجاز لا يتجاوز 57 في المائة. وضع، يقول التقرير، إنه فرض استمرار استغلال مؤسسات تعليمية في وضعية متردية، "فرغم الوسائل المخصصة لإعادة تأهيل جميع المؤسسات التعليمية، استمر النظام التعليمي، إلى غاية الموسم الدراسي الماضي، في استغلال 4376 مؤسسة لا تتوفر على شبكة الصرف الصحي و3200 مؤسسة غير متصلة بشبكة المياه الصالحة للشرب، و681 مؤسسة غير مربوطة بشبكة الكهرباء، فضلا عن 9365 حجرة في وضعية متردية. توظيف 55 ألف أستاذ بدون تكوين كان من البديهي أن ضعف البنيات التحتية وعدم مواكبتها للنمو المسجل في أعداد التلاميذ المتمدرسين، سيرافقه، استنادا إلى نص التقرير، تفاقم معدل الاكتظاظ. الأخير وإن عرف مستويات متفاوتة حسب أسلاك التعليم الأساسي، مسجلا نسبا همت 21.2 و42 و22.3 في المائة على التوالي في أسلاك الابتدائي والإعدادي والتأهيلي، إلا أنها تظل باعثة على القلق، سيما في السلك الإعدادي، ومرتفعة جدا مقارنة ما كان عليه الوضع خلال السنة الأولى من دخول المخطط الاستعجالي، حيز التنفيذ، ففي الموسم الدراسي 2008-2009، لم تكن تتجاوز نسبة الاكتظاظ المسجلة في الأسلاك الثلاثة، 7.3 و16.5 و26.1 في المائة. تفاقم معدل الاكتظاظ، يشير واضعو التقرير، سيدفع الوزارة إلى اللجوء إلى التوظيف بالتعاقد، للتقليل منه من جهة، ولتجاوز الخصاص من المدرسين، في جهة أخرى. خصاص اعتبره قضاة المجلس ظاهرة بنيوية في نظام التعليم، كانت الدافع الأساسي وراء توظيف ما يناهز 55 ألف مدرس بالتعاقد، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مبرزين أن المشكل يكمن في أن الأساتذة المعينين، تم إلحاقهم مباشرة بالأقسام الدراسية دون الاستفادة من التكوين المطلوب، ليخلصوا إلى أن هذا الوضع ينعكس سلبا على جودة التعلمات. الهدر المدرسي لم تفلح كل برامج الإصلاح التي تم تبنيها، منذ 1999 في القضاء على الهدر المدرسي، الذي يبدو أنه ظاهرة عصية على الزوال، تشكل تحديا حقيقيا للنظام التعليمي، لأجل تحسين مردوديته الداخلية. وعكس المتوقع، عاد "بعبع" الهدر المدرسي، ليجثم على أنفاس القائمين على الشأن التعليمي، وعادت معدلاته لتحقق قفزة مخيفة، مقارنة مع أولى سنوات دخول القانون حيز التنفيذ، ففي الوقت الذي أقر فيه تقرير المجلس أن معدل الهدر المدرسي سجل انخفاضا مهما بين 2008 و2012، نبه في المقابل إلى أنه عاد ليسجل ارتفاعا خلال الموسم الدراسي ما قبل الماضي، بعدما ارتفع عدد التلاميذ الذين غادروا حجرات الدراسة خلال الموسم ذاته إلى ما يناهز 280 ألف تلميذ. ارتفاع الهدر المدرسي، ورغم تنوع الأسباب المؤدية له، يعود، حسب قضاة المجلس إلى نقص الطاقة الاستيعابية وعدم تغطية جميع الجماعات القروية بالإعداديات. ففي الوقت الذي وضع فيه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من بين أهدافه، توفير الاعداديات والداخليات بجميع الجماعات القروية، واعتمده أيضا المخطط الاستعجالي، توجها يتصدر أولويات برامجه، "إلا أنه على أرض الواقع، لا يرى هذا الهدف النور، إذ استقرت نسبة التغطية في 66.5 في المائة خلال الموسم الدراسي ما قبل الماضي، علما أنها لم ترتفع كثيرا مقارنة مع أولى سنوات اعتماد المخطط التي كانت تصل النسبة خلالها (2008-2009) إلى قرابة 53 في المائة. ورغم أن الدعم الاجتماعي، كان من بين الرافعات الأساسية التي يعول عليها في القضاء على الهدر المدرسي، ورغم التحسن الملموس في مؤشرات الدعم الاجتماعي لفائدة التلاميذ المتحدرين من أسر معوزة، إلا أن تقرير مجلس جطو، خلص إلى أن كل التدابير المتخذة في هذا الإطار، التي شملت الإطعام المدرسي والسكن والنقل المدرسي وبرنامج "تيسير"، لم تنعكس إيجابا، على النظام التعليمي، ولم تسهم في الارتقاء بظروف التمدرس، أو تفلح في الاحتفاظ بالتلاميذ داخل المنظومة. وضعية عزاها معدو التقرير إلى أوجه القصور التي طبعت تدبير هذه البرامج، سواء جراء سوء التخطيط أو الظروف غير الملائمة للسكن والإطعام في الداخليات والمطاعم المدرسية، أو بسبب غياب إستراتيجية متكاملة للدعم الاجتماعي تستهدف التلاميذ الأكثر أحقية بالاستفادة. هدر 3 ملايين درهم لمراقبة البرامج عزا قضاة جطو فشل المخطط في بلوغ الأهداف المرجوة منه إلى التأخر في وضع نظام للتبع والقيادة، علما أنه تم صرف مبلغ ناهز 3 ملايين درهم لوضع هذا النظام. ميزانية يشدد التقرير أنها لم تمكن الوزارة من التوفر على نظام فعال وقادر على رفع وتجميع معلومات صادقة تعكس مستوى تقدم إنجازات كل مشروع والتدابير المتعلقة به. معطى آخر جعل من عملية التتبع ورصد البرامج المنجزة صعبة وأحيانا مستحيلة، بالإضافة إلى عدم ملاءمة كفاءات بعض المشرفين على المشاريع، كثرة المؤشرات، إذ تضمن المخطط أزيد من 500 مؤشر لتتبع مستوى إنجاز المشاريع، بعضها مكرر، أدت، عكس المطلوب منها إلى صعوبة في تتبع تنفيذ المشاريع وتعذر عملية تجميع وتركيز المعلومات المتعلقة بها. التمويل المعيق الأول من بين الاختلالات التي توقف عندها تقرير مجلس جطو الذي استند إلى مراقبة عدد من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، انتهت بضرورة التحقق من ظروف إعداد وبرمجة وتنفيذ المخطط الاستعجالي والمنجزات التي تم تحقيقها، يكمن في تمويل المخطط. ففي الوقت الذي رصدت له ميزانية تفوق 43 مليار درهم، لم تتجاوز الأداءات الفعلية 25 مليار درهم، طيلة الأربع سنوات التي تحدد زمن المخطط (2009-2012)، نسبة خلص معدو التقرير إلى أنها تبقى أدنى من معدل تنفيذ الميزانيات القطاعية المسجلة على مستوى الميزانية العامة للدولة خلال الفترة نفسها. وأردف معدو التقرير أن تدبير الموارد المالية شابته العديد من النواقص، على رأسها الإفراط في تحويل الاعتمادات التي خصصتها قوانين المالية لقطاع التربية الوطنية خلال فترة المخطط وتعدد الميزانيات المعدلة الخاصة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بسبب التغيير المستمر لماهية الاعتمادات المرصودة، والمرخصة بموجب قوانين المالية، "ما يبرهن الخلل في البرمجة ويجعل الأكاديميات غير قادرة على برمجة رؤية واضحة من أجل إعداد برامج عمل يعرضونها على المجالس الإدارية وتنفيذ البرامج المعدلة دون عرضها على المجلس الإداري". فضلا عن ذلك، عزا التقرير أسباب فشل التمويل إلى إفراغ العديد من البرامج المدرجة في إطار المخطط من الاعتمادات المفتوحة رغم أهميتها في تنزيل المشاريع المعنية، لتعويض برامج أخرى متراكمة، سيما في ما يخص توسيع الحجرات وإحداث مؤسسات جديدة، لتعزيز البنيات التحتية. إنجاز: هجر المغلي

هكذا دمر المخطط الاستعجالي المدرسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شيشاوي يستعد لخلافة المنصوري

العثماني يتجه إلى تخفيض أتعاب التوثيق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات