الكاتب العام للمحكمة بين سلطة الرقابة والإشراف

المشروع كان عليه منحه الصفة التقريرية في ما يرجع للمقترحات التي يعود تنفيذها لهيأة كتابة الضبط بقلم: محمد لعرج * يعتبر مشروع القانون رقم 15.38 المتعلق بالتنظيم القضائي، الذي صادق عليه مجلس المستشارين بتاريخ 27 يوليوز 2018، والذي صادقت عليه لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب في إطار قراءة ثانية بتاريخ 16 أكتوبر 2018، - يعتبر – طفرة تشريعية مهمة ستطول البناء الهيكلي للمحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها من حيث الاختصاصات والتسيير والتدبير. إن أبرز ما جاء به مشروع قانون التنظيم القضائي والذي استأثر بكثير من الاهتمام من قبل متتبعي الشأن القضائي ببلادنا، هو إحداث منصب الكاتب العام بالمحكمة، والذي جعله المسؤول الأول عن الإدارة القضائية بالمحكمة، والساهر على التنسيق بين مصالحها، وضمان حسن سير أشغالها. وقد جعل المشروع من الكاتب العام للمحكمة خاضعا إداريا لسلطة ومراقبة وزير العدل، ويمارس مهامه تحت إشراف المسؤولين القضائيين بالمحكمة. لأجل ذلك سنحاول استقراء نصوص قانون التنظيم القضائي الجديد لتحديد اختصاصات الكاتب العام ( أولا)، ثم نتناول السلطة الرأسية التي يخضع لها (ثانيا). أولا : اختصاصات الكاتب العام للمحكمة بالرجوع لنصوص قانون التنظيم القضائي نجد أنه حدد اختصاصات الكاتب العام للمحكمة كما يلي: يعتبر الكاتب العام للمحكمة طبقا للمادة 23 الرئيس التسلسلي لموظفي كتابة الضبط على صعيد كل محكمة، ويتولى بهذه الصفة التنسيق بين مصالح كتابة الضبط بالمحكمة والمراكز القضائية التابعة لها، كما يتولى الإشراف المباشر على موظفيها، ومراقبة وتقييم أدائهم، وتنظيم عملهم، وتدبير الرخص المتعلقة بهم. بمقتضى المادة 24 من المشروع فالكاتب العام عضو في لجنة التنسيق التي تحدث على صعيد كل محكمة من أجل تدبير شؤونها، والتي تنعقد برئاسة رئيس المحكمة وعضوية وكيل الملك. يعتبر الكاتب العام عضوا بمكتب المحكمة طبقا للمادة 27 من المشروع، مع كل من وكيل الملك، ونائب رئيس المحكمة، ورؤساء الأقسام، وأقدم القضاة وأصغرهم سنا بها، والنائب الأول لوكيل الملك. وقد أناط المشروع بهذا المكتب مهمة وضع مشروع برنامج تنظيم العمل بالمحكمة، والذي يتضمن تحديد الغرف والأقسام والهيآت وتأليفها، وتوزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة وضبط عدد الجلسات وأيام وساعات انعقادها. وقد أوكل المشروع للكاتب العام للمحكمة مهام المقرر، إذ أوردت المادة 30 أن الكاتب العام ينجز محضرا بأشغال المكتب، تدون فيه المناقشات والقرارات المتخذة، ويوقعه الرئيس أو الرئيس الأول مع الكاتب العام. وأضافت المادة 31 بأن الكاتب العام يعتبر عضوا في الجمعية العمومية للمحكمة التي يحضرها جميع قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة، و يحضر الكاتب العام للجمعية العامة بصفة استشارية. كما أنه يعرض طبقا للمادة 34 تقريرا يتضمن ملاحظاته و مقترحاته في ما يرجع لاختصاصاته، وأوكلت له المادة 36 مهام إنجاز محضر بأشغال الجمعية العامة، تدون فيه المناقشات والقرارات المتخذة، ويوقع من قبل الرئيس الأول أو الرئيس والكاتب العام. وبالنظر للمواقع المهمة التي تشغلها الإدارة القضائية، والرهان المعقود عليها في الرفع من مستوى الخدمات المقدمة للمرتفقين، ومقارنتها بالاختصاصات التي أفردها المشروع للكاتب العام، نعتقد أنه تم تقزيم دور هذا الأخير عندما جعل حضوره في مكتب المحكمة، والجمعية العمومية بصفة استشارية، ويكتفي بإنجاز محضر بأشغال مكتب المحكمة والجمعية العمومية. ذلك أن مؤسسة الكاتب العام بما تملكه من إحصائيات دقيقة عن المخلف، والمسجل والرائج من القضايا والملفات والطلبات، بإمكان تدخلها لاقتراح إضافة جلسات أو غرف جديدة، أن ينعكس إيجابا على أداء المرفق القضائي. كما أنه بإمكان الكاتب العام أن يقترح حلولا للمشاكل التي قد تواجه السير العادي للأشغال، انطلاقا من تتبعه للعمل اليومي للإدارة القضائية، من خلال التنسيق بين مصالحها. لكن كيف يمكن له القيام بذلك بشكل مؤسساتي، وهو لا يملك حتى حق التصويت على مقترحاته التي لا تتعدى نطاق اختصاصاته. لأجل ذلك نعتقد أن المشروع كان عليه منح الكاتب العام الصفة التقريرية فيما يرجع للمقترحات التي يعود تنفيذها لهيأة كتابة الضبط على الأقل، ذلك أن المنطق يقتضي أن من يشرف على عمل معين، يمتلك حق التخطيط ووضع الخطط لتنفيذه. ثانيا: السلطة الرئاسية التي يخضع لها الكاتب العام للمحكمة جعل مشروع التنظيم القضائي من الكاتب العام خاضعا إداريا لسلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل، ويمارس مهامه تحت إشراف المسؤولين القضائيين بالمحكمة، كما جاء في المادة 23، وهو ما يجعل منه خاضعا لسلطتين رئاسيتين في آن واحد، وهما السلطة القضائية بشقيها المتمثلين في رئيس المحكمة كامتداد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووكيل الملك الذي يمثل مؤسسة النيابة العامة التي بدورها تعتبر مستقلة ماليا وإداريا. فإذا كان الكاتب العام يمثل السلطة التنفيذية ممثلة في الوزارة المكلفة بالعدل، فإنه من الطبيعي أن يكون خاضعا لسلطتها ومراقبتها، على اعتبار أن من بيده قرار التسمية، هو من يملك سلطة المراقبة، وان سلطة الإشراف تمارس عن طريق توجيه التقارير حول سير العمل لسلطة التسمية التي تستطيع المحاسبة وإنزال العقاب، فإن وضعية الكاتب العام هذه تثير العديد من التساؤلات حول حدود سلطة الإشراف التي يمارسها المسؤولون القضائيون على ممثل السلطة التنفيذية ؟ بالنظر إلى خصوصية المحكمة التي تعد الإدارة الوحيدة بالمغرب التي تضم سلطتين في مرفق واحد، ويتعلق الأمر بالسلطة القضائية والسلطة التنفيذية التي تمثلها الإدارة القضائية ، فإن فرز وتصنيف العمل القضائي عن الإداري أمر ليس بالهين، إذ ان الإدارة القضائية تمارس مهام إدارية وقضائية في الوقت نفسه، الأمر الذي يقتضي وجود انسجام وتنسيق وتعاون كامل بين السلطتين. إن منح السلطة القضائية صلاحية الإشراف على الكاتب العام للمحكمة الذي يمثل السلطة التنفيذية لا يعدو أن يكون التفافا على المفاهيم وتطيبا لخاطر مجموعة من الآراء التي نادت باستبعاد مؤسسة الكاتب العام ككل، والاكتفاء في المجال التنظيمي بالوضع الحالي الذي يحصر كل صلاحيات التدبير والتسيير القضائي والإداري بيد المسؤول القضائي، وإلا كيف لنا أن نتصور خضوع مسؤول لرئاسة سلطتين تسلسليتين في آن واحد، فما هو العمل في حالة تضارب آراء السلطتين؟ وما هو الرأي الذي سيعمل به الكاتب العام؟ وبالمقابل يجب على وزارة العدل العمل على إعداد كتاب عامين بمواصفات خاصة من ناحية التكوين، وكذا القدرة على التواصل والتفاعل مع ممثلي السلطة القضائية داخل مرفق المحكمة، والتحلي بالقدر الكافي من اللباقة والكياسة في الدفاع عن ممارسة الاختصاصات المخولة لهم من طرف القانون، الذي يجب أن يكون الفيصل في تحديد الصلاحيات الممنوحة لكل سلطة على حدة. إن محاولة رسم الحدود بين السلطتين التنفيذية والقضائية، والتي تدخلهما غالبا في محاولة الحصول على مزيد من الصلاحيات والاختصاصات التي تعزز تموقع واستقلال كل سلطة، تتطلب تجسيد كل مظاهر التعاون الايجابي بين ممثلي السلطتين بشكل يومي، لما فيه مصلحة المرتفقين. فالأنظمة السياسية الحرة التي يضرب بها المثل الآن في توفير الرخاء والسعادة لمواطنيها هي التي استطاعت الفصل بين سلطة صنع القانون، وسلطة تنفيذه، وسلطة البت في الخلافات الناشئة عن مخالفته. وكما قال مونتيسكيو في القرن الثامن عشر في كتاب روح القوانين "عندما تجتمع السلط في يد نفس الشخص أو نفس الهيأة السيادية تختفي الحرية". * رئيس مصلحة كتابة النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بأصيلة

الكاتب العام للمحكمة بين سلطة الرقابة والإشراف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اتهام معلمة بالنصب في المداولة

تفكيك عصابة يتزعمها قاصران

مقالات ذات صلة