هل فقدت السعودية حكمة مؤسسيها، وتفنن قادتها الجدد في صنع الأعداء، فتنافسوا في إثارة الأزمات الدولية، وشن المعارك مع الخصوم والأشقاء بسياسة جعلت أصدقاء يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفا من مستقبل دولة كبرى، طالما، جسدت واحة للحوار وفضاء للتسامح؟ لا تنتهي معارك الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، إلا لتبدأ من جديد، والسعودية، التي حافظت، طيلة تاريخها، على خيط ناظم يتمثل في حسن الجوار والتسامح ولم الشمل في علاقاتها الدولية وسياساتها الخارجية، أصبحت، الآن، "تضع البيض كله في سلة واحدة"، وتطلق النار في كل الاتجاهات، ولا تأبه بمكانتها الاعتبارية. آخر معارك السعودية طلبها من السفير الكندي مغادرة البلاد، كما استدعت سفيرها لدى كندا، وجمدت التعاملات التجارية مع أوتاوا بسبب ما وصفته بـ "التدخل" الكندي في شؤونها الداخلية، إثر مطالبة كندا بالإفراج الفوري عن نشطاء في المجتمع المدني تم احتجازهم، في حملة جديدة من الاعتقالات في السعودية. ربما، نُتهم بدورنا بالتدخل في شؤون السعودية الداخلية، لكن مكانتها وأدوارها التاريخية تدفع كل غيور على "قبلة المسلمين" للوقوف ضد سياستها الحالية التي لن تقودها إلا للعزلة، بعدما كانت منارة للتسامح وضبط النفس. لقد اختارت القيادة الجديدة في السعودية دبلوماسية المواجهة، ففقدت تعاطف الحكومات والشعوب، وإلا ما هو تفسيرها للغضبة بخصوص حرية التعبير واعتقال النشطاء؟ يعترف من تبقى من العقلاء السعوديين أن هناك ردة على الحقوق والحريات، ويبررون، ذلك، بخصوصية الدولة، لكن تجميد العلاقات مع دول بعينها، وقطع العلاقات مع أشقائها يصنع المعارك ويفتح الباب لسياسة فاقدة لرؤية مؤسسي السعودية أنفسهم. كانت السعودية إلى وقت قريب، واحة للسلم، واحتضنت عدة مؤتمرات لصلح المتخاصمين، ولقاءات مصيرية، قبل أن تفقد رصيدها الدبلوماسي في معارك هامشية، إذ تنحني للإدارة الأمريكية، حتى ولو نشرت منظماتها تقارير حول تراجع حقوق الإنسان، لكنها تهاجم كندا وتطرد سفيرها. تشبه السعودية منزلا كبيرا، فتح صاحبه النوافذ للاستمتاع بالشمس، لكنه أغلق كل المنافذ لدخول هواء الحرية، فقد قادت المرأة السيارة، وفُتحت دور السينما، لكنها اعتقلت شيخا لأنه كان بصدد إصدار كتاب يتضمن انتقادات للأمير، واعتقلت ناشطين واحتجزت أمراء، ولم تفرج عنهم، إلا بعد أداء مبالغ مالية، واعتقلت عشر نساء ناشطات في مجال حقوق المرأة اتهمتهن بتقويض الأمن القومي والتعامل مع أعداء الدولة، ثم أفرجت عن بعضهن. السعودية قلب العرب، لكنه، في عهد ولي العهد الحالي، قلب ينزف دما حزنا على سياسة تُطبخ على نار الانتقام والغضب.