مؤسسة قاضي التنفيذ بين التأسيس والتحديث

لم ينل حقه من التنظيم والهيكلة بشكل يحقق النجاعة المطلوبة (2/1) بقلم: محمد القوص * إن الحديث عن قضاء التنفيذ مؤسسة قائمة الذات، ومستقلة من خلال منظومة مسطرية محددة ودقيقة، واختصاص نوعي واضح المعالم، يطرح نفسه بشدة من أجل التكريس الفعلي والعملي والواقعي لمفهوم النجاعة القضائية في إطار إعادة مأسسة الهياكل والبنيات المكونة للجسم القضائي، لأنه من شأن هاته المأسسة ضمان جودة وفعالية المنتوج والفعل القضائي، لأن هدف المتقاضين من استصدار الأحكام القضائية هو تنفيذ منطوق هاته الأحكام وتجسيدها على أرض الواقع، لأن في هذا التجسيد ضمان وتحقيق الأمن القضائي مطلبا مجتمعيا تفرضه المتغيرات التي يعرفها المجتمع، ولتناول الموضوع سنحاول التطرق إليه من خلال قراءة مقاربتية لكل من مؤسسة قاضي التنفيذ في التشريع المغربي والمصري والفرنسي، مع استحضار المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية. إن تناول إشكالات التنفيذ، لا يتم من خلال الحديث عن قاض مشرف على التنفيذ أو إجراءات مسطرية استعجالية وأخرى موضوعية متفرقة في مجموعة من النصوص، تتعلق بالبت في منازعات التنفيذ وما ينبغي التعاطي معه من خلال مؤسسة قائمة الذات، ومن خلال قواعد قانونية موحدة يتم تجميعها، وينتفي عنها اللبس والغموض. وهذه المؤسسة الهامة تطرقت إليها بعض التشريعات المقارنة من خلال مقاربة تنظيمية ومؤساستية، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المصري والفرنسي، وإن كان المشرع المغربي من خلال المراحل التاريخية لإصلاح المنظومة القضائية منذ فجر الاستقلال، لم يعمل على إحداث مؤسسة قضاء التنفيذ مؤسسة مستقلة بمساطرها واختصاصاتها النوعية، واكتفى بإسناد هاته المهام إلى رؤساء المحاكم الابتدائية في إطار قضاء استعجالي أو بناء على أوامر ولائية، وقد يمتد هذا الاختصاص إلى الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف، عندما يكون النزاع معروضا عليها، سواء تعلق الأمر في هذا السياق، بطلبات إيقاف التنفيذ أو بصعوبات التنفيذ. وهكذا يتبين أنه من خلال المحطات التاريخية لإصلاح المنظومة القضائية أن قضاء التنفيذ، لم ينل حقه من التنظيم والهيكلة بشكل يحقق النجاعة المطلوبة كجزء من البنية القضائية إلا أنه مع دستور2011، وميثاق إصلاح المنظومة القضائية، ومشروع قانون المسطرة المدنية _ الذي لم يرى النور بعد_ ظهرت بوادر مأسسة قضاء التنفيذ ضرورة، ومطلبا مجتمعيا من شأنه ضمان الأمن القضائي من خلال تفعيل مساطر التنفيذ وتجسيدها على أرض الواقع فبالرجوع إلى دستور 2011 نجده ينص بصريح العبارة على أهمية التنفيذ، وذلك من خلال المادة 126 منه ودسترة التنفيذ هو مؤشر ينبه إلى ضرورة، خلق بنية متجانسة لتنزيل وتفعيل الأحكام القضائية صيانة لحقوق المحكوم لهم، ومن خلال قراءة كل من المادة 429 من (ق م م)، المعدل بمقتضى قانون رقم 72_03والمادة 2 من القانون 53_95 المتعلق بإحداث المحاكم التجارية، نجد أن هاتين المادتين تتحدثان عن قاض مكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ، يعين من قبل رئيس المحكمة باقتراح من الجمعية العامة، فماذا يعني قاض مكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ من خلال الصياغة الواردة بالنصين، الأكيد أنها لا تتجاوز قيام القاضي المعين لهاته الغاية بمراقبة إجراءات التنفيذ والإشراف على القائمين عليه، بمعنى أصح لا يمتد اختصاصه النوعي والوظيفي إلى البت في المنازعة التي تثار بمناسبة القيام بإجراءات التنفيذ من طرف المأمورين به. ويبقى الاختصاص للنظر في منازعات التنفيذ كيف ما كانت طبيعتها من صلاحية رئيس المحكمة المواد: ( 482-483--26-468-149-436-491 من قانون المسطرة المدنية) ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهذا واضح من خلال نصوص قانون المسطرة المدنية التي تطرقت لبعض إشكالات التنفيذ، والجهة المخول لها سلطة البت، وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن وجود مؤسسة قاضي التنفيذ ضمن مكونات المنظومة القضائية بالمغرب بالمفهوم نفسه، المكرس في القانون المقارن كالتشريع المصري والفرنسي. وبالرجوع أيضا لمشروع قانون المسطرة المدنية، نجده حاول أن يعطي مؤشرا على إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ وإن كان ذلك في نظرنا غير مقنع، وقد أسند هذا المشروع مجموعة من الاختصاصات لقاضي التنفيذ، وعلى وجه التحديد كإصدار أوامر متعلقة بالتنفيذ والإشراف المرتبط به، والبت في صعوبات التنفيذ المؤقتة وسحب الاختصاص النوعي لقضاء الموضوع للبت في دعوى استحقاق المنقولات المحجوزة، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أعطى واضع المشروع الصلاحية لقاضي التنفيذ للقيام ببعض إجراءات التنفيذ، كبيع القيم المنقولة بالمزاد العلني، وهذا اتجاه شاذ على اعتبار أن هناك جهات أخرى موكول لها هذا الاختصاص، وأيضا وفي الإطار نفسه تم منحه سلطة التدخل في إجراءات التنفيذ كتحديد الثمن الافتتاحي لبيع الأصل التجاري بعد انجاز الخبرة، وتحديد يوم وساعة إجراءات البيع بالمزاد العلني للعقار وإعداد مشروع توزيع حصيلة التنفيذ، إذا كانت هاته الحصيلة غير كافية، ومن ثم يتبين أن مشروع قانون المسطرة المدنية، بهذا التحديد وبهذا الاختصاص، لم يفصل بين مفهوم ودور مؤسسة قاضي التنفيذ ودور القائمين على إجراءات التنفيذ والمكلفين بها، ومن شأن هذا التداخل أن يحدث لبسا في فهم واستيعاب مؤسسة قاضي التنفيذ مؤسسة تنبني على محورين هامين، الإشراف على إجراءات التنفيذ، وليس التدخل فيها أو القيام بها من جهة، ومن جهة أخرى البت في صعوبات التنفيذ وإصدار الأوامر المتعلقة بها سواء في شقها الاستعجالي أو الموضوعي. وباستحضار بعض النماذج المجسدة لنظام قاضي التنفيذ في التشريعات المقارنة كالتشريع المصري والفرنسي نجد أن هاته التشريعات، اكتسبت تجربة كبيرة في هذا المجال، وهذا ما سنحاول ملامسته في المحور التالي: - تجربة المشرع المصري والفرنسي في تفعيل نظام قاضي التنفيذ إن المشرع المصري عمل من خلال مقتضيات المادتين 274 و275 من قانون المرافعات على إعطاء تعريف لقاضي التنفيذ، وتحديد اختصاصه النوعي والمحلي في إشارة قوية إلى مدى استقلاليته عن باقي فروع القضاء من جهة، ومن جهة أخرى الإشارة إلى أن قاضي التنفيذ مؤسسة قائمة الذات، سواء من حيث توفر العنصر البشري كمأموري إجراءات التنفيذ المكلفين بمهام التنفيذ، ومن حيث الإجراءات المسطرية المتبعة أمامها مع مراعاة الاستثناءات المنصوص عليها في القانون. فقاضي التنفيذ، يختص من خلال هاته النصوص بالبت في المنازاعات المتعلقة بصعوبة التنفيذ الوقتية والموضوعية، دون أن يتطرق لوصف الأحكام ولا أن يمنع تنفيذها، إذا كانت مشمولة بالنفاذ المعجل، ولا يمكن تأسيس الصعوبة على وجود مسطرة الطعن بالاستئناف لتعارض ذلك، حسب ما سار عليه الفقه المصري، مع مبدأ حجية الحكم موضوع الصعوبة وعلى اعتبار أن صعوبات التنفيذ هي عوارض تمس إجراءات التنفيذ، وليس الحكم الذي يتمتع بحجية الأمر المقضي به أو بقوة الشيء المقضي به، وهذا ما أشار إليه الدكتور خميس إسماعيل في مؤلفه إشكالات التنفيذ_ أمام القضاء الإداري_ ص33، فقاضي التنفيذ في الفقه المصري يهدف إلى تحقيق هدفين، رقابة القضاء على إجراءات التنفيذ، وتوحيد الاختصاص في هذا المجال، وجعل الإجراءات المتعلقة به في يد واحدة، هي يد قاضي التنفيذ قاضيا جزئيا يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية. * مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس

مؤسسة قاضي التنفيذ بين التأسيس والتحديث

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاكمة سارق حديد وزارة النقل

رمضان بين "الزهو" و"العفة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات