حفلات الزفاف: الأسطح والقاعات…صراع أجيال!!

الكبار يفضلون الأولى لطابعها التضامني وأبناؤهم يختارون الثانية لمسايرة الموضة أقسم الحاج عبد الوافي بأغلظ أيمانه بألا يقيم حفل زفاف حفيدته إلا فوق سطح منزله الفسيح الفارغ تماما سوى من بعض متلاشيات، وخم حمام في زاويته اليسرى، وثلاث "مزهريات" مصنوعة من بقايا علب الزيت من سعة 5 لترات. الموضوع في غاية البساطة بالنسبة إليه، ولن يتطلب غير مجموعة من شباب متطوعين من أبناء الحي يتكلفون بجلب أعمدة خشبية في ورش البناء المجاور، و"باش" كبير (من أن الأفضل يكون لونه أبيض اتقاء لأشعة الشمس) ومجموعة من القناني الفارغة، وخيوط كهرباء ومصابيح، ثم يحملون كل ذلك إلى السطح. يتجند الشباب لكنس السطح وغسله، قبل نصب الأعمدة الخشبية في الزوايا الأربع، ثم عمودين في الوسط، وشد نقاط تماسها بأسلاك صغيرة حتى لا تسقط على رؤوس الضيوف. حين يتأكدون من وضع الهيكل العام ومد خيوط الكهرباء بمصابيحه الملونة والكاشفة والمتلألئة، يرمون "الباش" الأبيض ويشدون جنباته بأشرطة موصولة بقناني مملوءة بالماء ويضعونها خلف الأسوار، مشكلين بذلك خيمة مستطيلة، أو ما يشبه قاعة أفراح في السطح. وحين ينتهي الشباب من ذلك، يسرعون بجلب الزرابي والأفرشة والمنضدات والكراسي والطاولات ومعدات الطبخ وأواني الأكل من الجيران الذين يبدون استعدادا تلقائيا لإعطاء كل ما يطلب منهم، مساهمة في إنجاح هذا الاستحقاق الكبير. عكس ذلك، يعتبر أبناء الحاج وأحفاده أن "عرس السطح" موضة أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد تغري عددا من الأسر التي تتباهى، اليوم، بتنظيم أفراحها في قاعة خاصة معدة لهذا الغاية، ومجهزة بأحدث الأثاث والأفرشة وأماكن خاصة بالعروسين والمجموعات الموسيقية ومكيفات، ناهيك عن التنظيم والخدمة الجيدة المقدمة من مموني حفلات متخصصين في ذلك. لا يبالي الحاج عبد الوافي لدفوعات أفراد أسرته الصغيرة الذين تحلقوا حوله ذات يوم ربيعي في خضم الإعداد لزفاف إحدى بناتها. فكلما تمادوا في "مرافعاتهم" وحاصروه بحججهم بضرورة إقامة العرس في قاعة الأفراح المجاورة، كلما صعد الحاج إلى الجبل مرددا "السطح هو السطح، واش بغيتني نولي شوهة وسط الجيران في آخر أيامي". يستمد الحاج "جبروته" من وظيفته السابقة مع "المخزن"، إذ كان يشتغل خليفة في المقاطعة المجاورة. وطيلة مدة "سربيسه" الذي تجاوز 45 سنة، لم يكن يقيم حدودا بين سطوته في العمل وسطوته في البيت، حيث يهابه الجميع، ويتجنبون الشرارات الحمراء التي تتطاير من عينه كلما لعب أحدهم على أوتار أعصابه. لذلك يعتبر مجرد النقاش معه مغامرة، أما محاولة إقناعه بوجاهة فكرة أو مقترح، فتلك الحرب الذي يبدأها الرجل ولا تنتهي إلا بتهديد كل من يجادله بعكازه التي يلوح بها في الهواء، خصوصا في مواضيع قطعية مثقلة بالتقاليد والعادات والموروث الاجتماعي، مثل الأعراس وطريقة تنظيمها والمكان المناسب لها. وعادة ما يميل الكبار إلى الأعراس المقامة فوق الأسطح، نظرا لمصاريفها غير المكلفة، وطابعها التضامني والاجتماعي بين الجيران، إذ مازالت عدد من المدن الصغيرة والمتوسطة تحافظ على هذه العادة وتشجع عليها. في حين، يعتبر مواطنون آخرون أن إقامة عرس من هذا النوع، مغامرة غير محسوبة العواقب، بسبب التغييرات السوسيولوجية التي طرأت على مجتمعات الأحياء وفقدان الثقة بين الجيران، ناهيك عن المشاكل الأمنية التي يمكن أن تترتب عنها ووجوب حصول على ترخيص مسبق مع السلطات المحلية. هؤلاء يفضلون الحل الأسهل، أي التعاقد مع صاحب قاعة للحفلات والتعاقد مع ممون يتكلف بتدبير الفرح من ألفه إلى يائه، دون وجع رأس. يوسف الساكت

حفلات الزفاف: الأسطح والقاعات…صراع أجيال!!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بوجميـع الحـراز

رضوان السيد: إيران وتركيا.. والداخل العربي

مقالات ذات صلة