المنتوجات “البيـو”… سـوء الفهـم

أسعار المنتوجات العضوية تفوق العادية بنسبة 50 % والمهنيون يشتكون تدني وعي المستهلك بكلفة الصحة عشرات الأجوبة تتراقص في ذهن المرء، حين السؤال حول محددات منتوج عضوي. البعض يعتبر خلو المنتوجات من المواد الاصطناعية والمبيدات الكيماوية، كفيلا بتصنيف هذه السلعة الاستهلاكية أو تلك ضمن خانة «بيو»، فيما يعتقد البعض الآخر، أن غسل أي منتوج قبل تناوله، خصوصا الخضر والفواكه، كاف لتخليصه من أي إضافات غير طبيعية، وبالتالي إدراجه ضمن الخانة المذكورة. كل هذه الأفكار تظل مغلوطة، وتعيق تسويق منتوجات، بدأت تتحسس طريقها في السوق، وتجد منفذا إلى قفة بعض المستهلكين، ممن فطنوا إلى أهميتها في المحافظة على الصحة والوقاية من الأمراض، يتعلق الأمر ببديل جديد من السلع يبحث عن زبناء، ويواجه مجموعة من العقبات التي تعترض تسويقه، على رأسها السعر والمفاهيم المغلوطة. الساعة تشير إلى الخامسة مساء، تستغرق ضاحية كاليفورنيا بالبيضاء في سكونها، بعيدا عن زحام المساء، الذي يحول المدينة إلى خلية نحل كبيرة، لا يهدأ طنينها إلا بعد انتصاف الليل. في شارع أولاد حدو الكبير، تنتصب بناية بيضاء عصرية التصميم، وسط فيلات «شعبية»، تعكس وضعية الطبقة الاجتماعية الهجينة (بين المتوسطة والغنية)، التي استقرت في المنطقة منذ التسعينات. أبواب الطابق الأرضي الزجاجية لا تحجب رؤية رفوف المنتوجات المرتبة بعناية في أروقة. الصورة تشبه إلى حد ما منصات العرض في المساحات التجارية الكبرى، كما تحيل إلى حد أبعد على صيدلية أو محل لبيع مستحضرات التجميل. يستبد الفضول بنجاة، موظفة متقاعدة، تجاور متجر المنتوجات العضوية «البيو» منذ أزيد من سنتين بمنطقة «فلوريدا» القريبة، دون أن تفكر في زيارته قبل هذه المرة، لتقرر الدخول في النهاية على مضض، مدفوعة بالرغبة في تجربة شيء جديد، ما أشبه الأيام ببعضها البعض بعد الستين. يبدو المتجر للوهلة الأولى خاليا من الزوار. تتحرك العجوز ببطء بين الأروقة، تطالع المنتوجات بعناية، وتستوضح ما خفي عنها إدراكه من عناوين بالإنجليزية، ذلك أن أغلب السلع المعروضة «بيو»، مصدرها الاستيراد من الخارج، في ظل ضعف الإنتاج المحلي لهذا النوع من المنتوجات، حسب محمد مسلم قباج، الرئيس المدير العام لشركة «لافي كلير»، المتخصصة في تسويق المنتوجات العضوية، تمتلك ثلاثة متاجر موزعة بين الرباط والبيضاء. قانون أعرج يعرف قباج، الذي يشغل منصب رئيس جمعية موزعي ومصدري المنتوجات العضوية، السلع «بيو»، بأنها كل منتوج خضع لمعايير إنتاج خاصة، محددة في دفتر تحملات، ويتوفر على شهادة مصادقة قابلة للتجديد سنويا، موضحا أن هذا النوع من المنتوجات لا يفترض في إنتاجه، عدم استخدام المبيدات أو الإضافات الكيماوية فقط، وإنما يتعين أن يحترم مجموعة من التدابير التقنية الأخرى، مشددا على أن جميع المنتوجات المحلية في هذا الشأن، مرتبطة بدفاتر تحملات أوربية، رغم وجود إطار تشريعي صادر منذ 2013، متمثل في القانون 12.39، المتعلق بالإنتاج العضوي، الذي مازال أعرج بسبب صدور أربعة مراسيم تطبيقية بشأنه فقط، فيما أربعة أخرى تنتظر في رفوف وزارة الفلاحة والصيد البحري. الإطار التشريعي غير المكتمل، أبطأ وتيرة تطور سوق «بيو»، التي ما زالت تبحث عن زبناء، يؤكد رئيس جمعية موزعي ومصدري المنتوجات العضوية، موضحا أن هذا النوع أصبح ينافس المنتوجات الصناعية، ويحقق معدلات تطور أعلى منها، في الوقت الذي ما زال الوعي بأهميتها ضعيفا لدى المستهلك المغربي، المستغرق في مقاربة السعر والكمية. هذا المعطى عكسته نجاة، الزائرة لمتجر «لافي كلير»، إذ ظلت مشدوهة أمام ارتفاع أسعار السلع، قبل أن يباغتها أحد الوكلاء التجاريين، بالسؤال عن حاجتها إلى نوع معين من السلع، لترد على مضض بالقول، «كلشي غالي، ولكن بغيت نعرف واش زيت آملو موجود». أومأ المسؤول إيجابا، وأرشدها إلى رواق خاص، يحوي عددا كبيرا من المنتوجات المجالية. كلفة مرتفعة الفرق بين سعر علبة زيت «آملو» عضوي ونظيرتها العادية، على غرار باقي المنتوجات العضوية، يتراوح بين 30 % و50، الأمر الذي اعتبرته الموظفة المتقاعدة كلفة إضافية، لا تستطيع تحملها، لتبادر إلى السؤل حول أسباب ارتفاع السعر، ما حفز الوكيل التجاري على الاستغراق في عرض جمل تسويقية منمقة، حول مزايا المنتوج المجالي «بيو»، باعتباره خليطا بين زيت أركان تم إنتاج وفق دفتر تحملات صارم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللوز والعسل. للوهلة الأولى لم تقتنع الزبونة بالعرض التسويقي السريع، لتطلب تذوق المنتوج من أجل التعرف على الفرق، لم يتردد المسؤول في تلبية طلبها، لتقرر في النهاية اقتناء علبة صغيرة لا يتعد وزنها 250 غراما، معلقة بالقول، «غادي نجرب ونشوف هذه المرة». يتحدث محمد مسلم قباج، الذي يرأس إحدى الجمعيات المكونة للفدرالية الوطنية البيممهنية للمنتوجات العضوية «فيمابيو»، عن صعوبة تسويق المنتوج العضوي في ظل تدني ثقافة المستهلك ووعي بأن الحفاظ على الصحة مكلف اليوم، مشددا على أن جمعيته تعمل على تشجيع مزوديها من الفلاحين والمصنعين، على تجربة إنتاج سلع جديدة، لغاية رفع المردودية وتقليص الاعتماد على الاستيراد، يتعلق الأمر مثلا، بتوجيه أحد المزودين في شمال المملكة، إلى زراعة الزنجبيل، بعد تسجيل تنامي الطلب عليه من قبل الزبناء، علما أن الإنتاج لعضوي في كل هكتار، يظل منخفضا عن الإنتاج بالمبيدات ووسائل التسميد الصناعية، وبالتالي فإن الأسعار تمثل عنصر مقاصة، لإعادة التوازن للعملية التجارية، التي ينخرط فيها المنتج والموزع والمستهلك النهائي. بدر الدين عتيقي

المنتوجات “البيـو”… سـوء الفهـم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نيران شبكة عقارات تزنيت تقترب من رؤوس كبيرة

أشهر الأكلات الصقلية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات