“كتيبة سفراء” في مهام استثنائية بإفريقيا

مهمتهم تحقيق اختراق في بلدان على خلاف سياسي مع الرباط في مرحلة ما بعد العودة إلى الاتحاد الإفريقي كشفت التعيينات الأخيرة لعدد من سفراء المملكة في الخارج، عن ملامح ما بعد "سنة الحزم" التي أعلنها جلالة الملك في خطاب العرش. فقد جاءت الكثير من الأسماء حديثة العهد بالعمل الدبلوماسي، فيها السياسي والحقوقي والمناضل، بينما تضمنت الأسماء القديمة رجال خبرة اختيروا بعناية بالغة لأجل مهام بلوماسية استثنائية. غالبية هؤلاء حطوا الرحال في غرب إفريقيا وشرقها، حيث تنتشر البلدان الإفريقية الناطقة بالأنغلوسكسونية، وأين تقود الجزائر تحالفا قويا ضد المصالح الحيوية للرباط، خاصة في نزاع الصحراء. إحسان الحافظي لقد أبانت لائحة التوقيعات التي رفعتها بلدان إفريقيا مطالبة بتجميد عضوية "جبهة بوليساريو"، لترتيب عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، أن الرباط تملك نفوذا قويا بين البلدان الإفريقية في الغرب والساحل تحديدا. وإذا كان تخلف تونس عن التوقيع مفهوما، مرده إلى علاقاتها الحدودية مع الجزائر، إذ يمكن أن يعرضها موقفها التضامني مع المغرب، لعمليات إرهابية موجهة من الاستخبارات الجزائرية، كما حدث مع موريتانيا سابقا. ولأن مصر مرتبطة باتفاقيات شحنة الغازالجزائري لتغطية الخصاص الذي تعيشه البلاد في فترة ما بعد الربيع العربي، فإن تردد بعض البلدان مثل الكامرون والنيجر ومالي في التوقيع على عريضة طرد بوليساريو من الاتحاد الإفريقي، أثار الانتباه وعرى واقع علاقات هشة وجب أن تتقوى، رغم الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، أما الجارة الجنوبية موريتانيا فإن موقفها المعادي للرباط، يغذيه التوتر القائم بين الرباط ونواكشوط. بالمقابل، كان غياب معظم البلدان الناطقة الإنجليزية، في إفريقيا، متوقعا بالنظر إلى القطيعة السياسية التي تطبع علاقاتها بالرباط، من جهة، ونظرا لنفوذ الجزائر داخل هذه العواصم، من جهة ثانية. إلا أن تطورات الأحداث أبانت أن "اختراق" هذه البلدان لم يعد بالأمر الصعب، إذ يكفي أن تعيش حياة ديمقراطية حتى يسهل عليها التطبيع مع المغرب، وهو السيناريو نفسه الذي بدأ مع بلدان غرب إفريقيا ويتدرج حاليا ليصل إلى شرقها. فالزيارة التي قام بها الملك إلى الشرق الإفريقي، في رواندا وتنزانيا تحديدا، تشير إلى أن الحياة الديمقراطية والتداول على السلطة بهذين البلدين، ساهما في تليين موقفهما في الكثير من النزاعات الدولية، وجعلهما يبحثان عن مصالح شعبيهما. سفراء في مهام مستحيلة خيار العودة إلى الاتحاد الإفريقي، يتطلب "كتيبة سفراء" من ذوي الاختصاص، مهمتهم أن يحققوا اختراقا في جدار صناع القرار بعدد من هذه البلدان، سيما أن الأمر يتعلق بخلافات سياسية مع الرباط تحكمها وقائع تاريخية تعود إلى فترة المعسكرين الغربي والشرقي، علاوة على أن سياسة الكرسي الفارغ التي نهجتها الرباط، منذ إقرار عضوية جبهة بوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقا)، كان لها الأثر في بناء جدار نفسي وسياسي بين البلدان التي تدعم "جمهورية بوليساريو" والمغرب. موح أوعلي تاكمة... نيجيريا يملك موحا أوعلي تاكمة، الذي عين أخيرا في نيجيريا الاتحادية ومر قبلها من مالاوي وليبروفيل ودكار، معرفة كبيرة بإفريقيا، فالرجل الذي شغل مهمة مدير الشؤون الإفريقية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، يلم كثيرا بتفاصيل العلاقات بين بلدان هذه المنطقة من إفريقيا، ويعرف أن نيجيريا التي تربطها علاقة صداقة بالجزائر، وتكن العداء للمغرب في قضية الصحراء، تملك أيضا تأثيرا سياسيا واقتصاديا قويا على البلدان المحيطة بها، ما يعني أن أي تغيير في موقفها حيال النزاع يشكل اختراقا جيواستراتيجيا ينفتح على باقي بلدان المنطقة، علما أن هذه الدولة تحيط بها بلدان تربطها علاقات دبلوماسية جيدة مع المغرب، مثل بنين والكاميرون والنيجرودول غرب إفريقيا تحديدا. التقارب السياسي للمغرب وجب أن يوظفه السفير اقتصاديا، مستغلا خبرته مفاوضا سابقا ضمن وفد انضمام المغرب لاتفاقية التجارة العالمية (الكات). فلغة الاقتصاد قد تحسم مسبقا الخلافات السياسية في حال توظيفها بشكل ذكي. نزهة علوي محمدي… إثيوبيا اختيار نزهة علوي محمدي، السفيرة السابقة للرباط في غانا في مهمة جديدة بإثيوبيا، يضعها في فوهة المعركة الدبلوماسية للرباط من أجل العودة إلى الاتحاد الإفريقي. التحاق العلوي بمكتبها في أديس أبابا، يضع أمامها تدبير قرار العودة ضمن الدورة المقبلة للاتحاد التي تنعقد بالعاصمة الإثيوبية. فالرباط اختارت أن تعود إلى منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، من البوابة نفسها التي خرجت منها وهي العاصمة أديس أبابا، يومها في 1984 غادر المغرب كرسيه احتجاجا على إقرار عضوية بوليساريو. واليوم يعود من المكان نفسه ليستعيد مكانته داخل المنظمة. عودة تتطلب عملا دبلوماسيا، بعد أن وقع الاختيار على نزهة علوي، العالمة بشؤون إفريقيا الشرقية والغربية، لتتولى مهمة تدبير ملف العودة إلى البيت الإفريقي. بعض المصادر تقول إن قرار إثيوبيا سحب الاعتراف ببوليساريو ليس إلا مسألة وقت فقط. في غانا نجحت علوي في تحقيق التقارب بين الرباط وأكرا، واليوم تنتظرها المهمة نفسها في إثيوبيا. مصطفى بوه.... الكامرون قبل تعيينه في الكامرون أثار تعيين مصطفى بوه "البرزاني" سفيرا في أنغولا، قبل خمس سنوات، جدلا كبيرا داخل الأوساط السياسية بهذا البلد الإفريقي. فأنغولا التي تدور في فلك البلدان الداعمة للأطروحة الجزائرية في نزاع الصحراء، والتي طالما تحرشت بالمغرب بمجلس الأمن بسبب هذا النزاع، ترددت كثيرا قبل أن توفد جوابا يقضي بقبول ترشيح مصطفى بوه سفيرا للرباط لديها. لقد تطلب الأمر يومها أكثر من سنة تقريبا، وذلك بسبب ضغوطات مارستها الجزائر حتى لا يتم تعيين القيادي السابق في جبهة بوليساريو، وعضو مكتبها السياسي، (مصطفى بوه) في سفارة الرباط بأنغولا، بالنظر إلى أن هذا التعيين سيكون له أثر سياسي على القادة بهذا البلد، حينما يخاطبون سفيرا يمثل المغرب سبق أن تعرفوا عليه في موقع القيادي ببوليساريو. مهمة "البرزاني" في الكامرون لن تكون سهلة لكنها لن تكون بمثل الصعوبات التي وجدها في أنغولا منذ التحاقه بها. إلا أن العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تربط بين الكامرون والمغرب، دخلت مرحلة الشك حينما امتنعت عن التوقيع في لائحة المطالبين بتجميد عضوية بوليساريو في الاتحاد الإفريقي. السعدية العلوي... أنغولا خبرت السعدية العلوي، التي وقع تعيينها سفيرة للمغرب بأنغولا، مواقف هذا البلد الإفريقي المعادية للرباط جيدا. فالفترة التي قضتها مستشارة سياسية في البعثة الدائمة للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة منذ شتنبر 2010، مكنتها من الوقوف قريبا على الخيوط التي تحكم القرارات السياسية لأنغولا وتحالفاتها مع الجزائر في نزاع الصحراء منذ 1976. قبل أن تعرج السعدية العلوي على أنغولا، اشتغلت سفيرة لجلالة الملك بالنرويج وأيسلاندا، في مهمة شبه هادئة، ما يجعل استدعاءها إلى المهمة تكليفا استثنائيا. في المحطة الجديدة تدرك السفيرة أن المهمة ليست سهلة، فأنغولا طالما خاضت معارك دبلوماسية ضد المغرب، داخل أروقة الأمم المتحدة، وحتى حينما كانت عضوا غير دائم بمجلس الأمن، ممثلة لبلدان إفريقيا، فإنها دخلت في مواجهة مباشرة مع البلدان التي تدعم المقترح المغربي، وتحالفت في الكواليس مع الجزائر وفنزويلا لأجل فرض خيارات أممية ضد المغرب. شرق إفريقيا... بداية الاختراق قبل أن يحل الملك بكل من رواندا وتنزانيا، وقع على تعيين سفيرين جديدين بهما. يتعلق الأمر على التوالي بكل من يوسف العماني وعبد الإله بنريان. قصة التقارب بين المغرب ورواندا بدأت حينما حل الرئيس بول كاكامي، ضيفا على منتدى "ميدايز" السنة الماضية بطنجة. من هناك بدأ التقارب بين البلدين، وتحقق اختراق في العلاقات بين شرق إفريقيا والمغرب، من أجل انفتاح سياسي أكبر يلغي الخلافات حول المواقف السياسية من نزاع الصحراء، ويفتح آفاقا جديدة. خلال الزيارة التي قادت ملك المغرب إلى رواندا وبعدها تنزانيا، تحاشى الأطراف إثارة القضايا السياسية الخلافية، وتوجه الجميع، من خلال شراكات واتفاقيات اقتصادية نحو المستقبل، على أن يتولى التقارب الاقتصادي تذويب الخلاف في الموقف حول قضية الصحراء، وهي المهمة الأساسية التي ستكون على طاولة السفيرين الجديدين الوافدين إلى شرق إفريقيا. توجهات..."كتيبة السفراء" تتوجه "كتيبة السفراء" في مهمة خاصة ببلدان تعترف ببوليساريو، وتتحدد وظيفتهم الأساسية في "التعبئة المستمرة من أجل الدفاع عن وحدة المغرب الترابية شمالا وجنوبا والاستثمار الأمثل للتطورات الايجابية التي شهدتها قضية الصحراء المغربية، وتعاطيها بشكل أكثر فعالية مع هذه القضية المصيرية بفضل مبادرة منح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية وهي المبادرة التي حظيت بدعم دولي متواصل ومتنام"، خطة العمل التي كشفته عنها رسالة الملك الموجهة إلى "ندوة للسفراء" انعقدت في فبراير 2015، تؤكد أيضا على الطابع الهجومي للدبلوماسية المغربية، والانتقال من وضعية مدافع إلى "التصدي بكل حزم للمناورات والمحاولات اليائسة القائمة على الافتراء والتضليل، حيث وجب على السفراء خوض هذه المعركة في كل وقت وحين بيقظة خاصة وعمل مستمر على جميع الأصعدة لدى المسؤولين في بلدان اعتمادهم". من جهة أخرى يضع توالي سحب بلدان إفريقية، على الخصوص، لاعترافها بجبهة بوليساريو بعد تبين زيف الأطروحة الانفصالية، السفراء الذين يحطون الرحال بمثل هذه البلدان، أمام وضعيات جديدة تتطلب منهم العمل لأجل تحقيق أهداف سحب الاعتراف، فالوهم الذي بنته الجبهة طيلة سنوات، مستغلة الدعم العسكري والسياسي لبلدان في شمال وجنوب إفريقيا، نكاية في المغرب، بدأ ينكشف أمام الرأي العام الدولي، خاصة بعد أن توضح أمام الكثير من الدول والمنظمات أن الجبهة تخلت قبل سنوات طويلة عن الكفاح المسلح لفائدة الاتجار في مأساة عمرها أربعة عقود. فضائح الاتجار في المساعدات والتقارير الدولية عن تقييد حرية الحركة داخل المخيمات، جنوب غرب الجزائر، كلها حقائق عرت حقيقة "تقرير المصير" الذي ظلت تختبئ وراءه الجزائر وبوليساريو. أطر الداخلية بالخارجية في غانا وبنين استعانت وزارة الخارجية بأطر وزارة الداخلية، لشغل مهمة سفراء بهذين البلدين الإفريقيين اللذين يوجدان قي موقف حياد من نزاع الصحراء. في غانا عين حميد شبار، الوالي السابق على الداخلة ومدير التعاون الدولي بوزارة الداخلية، سفيرا للرباط. وفي البنين جرى تعيين أحد الأطر الصحراوية بوزارة الداخلية، رشيد الركيبي، سفيرا بها. قبل تعيينه سفيرا في غانا قضى حميد شبار جل مهامه مكلفا بقضايا قريبة من ملف الصحراء، فقد شغل عاملا مكلفا بالعلاقات مع بعثة المينورسو، خبر حينها دوائر الملف والرهانات التي تتحكم في تدبيره. وبعدها شغل مهمة لدى البعثة المغربية الدائمة بالأمم المتحدة في نيويورك، قبل أن يتم استدعاؤه لمهمة وال على جهة الداخلة، التي عرفت في عهده استقرارا سياسيا وانفتاحا على مختلف الفعاليات الحزبية والقبلية، ضمن إستراتيجية جعلت من الداخلة وجهة سياحية وفنية واقتصادية بامتياز. مهمة شبار في غانا تكمن في مواصلة العمل الذي بدأته الدبلوماسية المغربية مع هذا البلد الإفريقي. من جهته، يعتبر رشيد الركيبي واحدا من الأطر الصحراوية التي تمرنت داخل الإدارة الترابية، كما خبرت العمل الدبلوماسي خلال فترة تعيينه عاملا مكلفا بالتعاون الدولي بوزارة الداخلية. سبق للركيبي أن كان ضمن طاقم الوفد المغربي المفاوض في نزاع الصحراء، وخلال الفترة التي شغل فيها مهمة مدير التعاون الدولي ظل الركيبي يستقبل وفودا من البعثات الدبلوماسية، في سياق متابعته لتطور قضية الصحراء، غير أنه غاب قبل أن يعود إلى الواجهة سفيرا للمملكة بالبنين. المحيط الملكي الدبلوماسي منذ سنوات ظلت ملفات الخارجية بيد الملك، وقد شكلت وزارة التعاون والشؤون الخارجية، بصفتها قطاعا حكوميا، مجالا سياديا بامتياز ظل التعيين فيها بعيدا عن الأحزاب السياسية باعتبارها وزارة سيادة. وقد فرضت الملفات الكبرى التي تديرها الوزارة اعتماد هذه المقاربة في تعيين كفاءات من قطاع الخارجية بعيدا عن الحزبية، غير أن هذا الواقع تحول تدريجيا منذ انتخابات 2011، حين فوضت المؤسسة الملكية وزارة السيادة إلى الفاعل الحزبي. بالمقابل، حافظ الديوان الملكي على رجالات الخارجية، فاحتفظ بالطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية سابقا، مستشارا في الديوان الملكي، ثم ألحق به لاحقا يوسف العمراني، بعد أن تخلى عن مهمته أمينا عاما للاتحاد من أجل المتوسط، وشغل مهمة وزير منتدب في الخارجية في حكومة عبد الإله بنكيران. وغير بعيد عن الرجلين برز اسم تقنقراطي جديد وزيرا منتدبا في الخارجية، ويتعلق الأمر بناصر بوريطة، الذي ارتبطت نشأته داخل وزارة الخارجية بالوزير السابق، الطيب الفاسي الفهري، حيث شغل مهمة مدير ديوانه، قبل أن يعين كاتبا عاما بالوزارة. خبر الفاسي والعمراني قطاع الخارجية جيدا، وهما يلمان بالعلاقات بين المملكة وحلفائها التقليديين، إلماح حجز لهما مكانة في الديوان الملكي بصفة "مستشار دبلوماسي".في كثير من اللحظات الفارقة ظهر المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري، مبعوثا شخصيا للملك، فخلال حملة المغرب للعودة إلى الاتحاد الإفريقي، نشط محيط الملك في تبليغ عدد من البلدان بالقرار، وبدا أن معرفة "الديوان الدبلوماسي" للملك بالشأن الإفريقي سهل عملية التواصل مع عديد العواصم الإفريقية، بينها بلدان تدور في فلك الجزائر في الخلاف حول الصحراء. أما العمراني فإن الخبرة التي اكتسبها في بلدان أمريكا اللاتينية، تسعفه في إدارة كثير من الملفات مع هذه البلدان بطريقة هادئة.

“كتيبة سفراء” في مهام استثنائية بإفريقيا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران حكم علينا بالعطالة

فيديو ... شاهد لأول مرة سيارة محمد عساف الفخمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات