شبكات التواصل… وسائل استخبار جديدة

الأمن يتجسس داخل الفضاء الأزرق لقياس مواقف مستخدميه وفهم "وجوههم" رقميا تحتل وسائل التواصل الاجتماعي مكانة مهمة في العلاقات بين السلطة والمجتمع، وقد تحولت إلى وسيلة للتواصل مع الأجهزة الأمنية عبر الإخبار عن الجريمة، أو الاحتجاج على وقائع معينة أو حتى التبليغ عن فساد بعض العناصر التي تنتمي إلى جهاز الأمن. وبقدر ما أصبحت وسائل التواصل، خاصة «الفايسبوك» الأكثر استخداما من قبل المغاربة، وسيلة للضغط الاجتماعي والترافع في مواجهة تفشي الجريمة أو انعدام الأمن، بقدر ما تحولت إلى أدوات للاستخبار الأمني على المجتمع. إنجاز: إحسان الحافظي لم يعد عمل الجهاز الاستخباراتي يعتمد العنصر البشري فقط، في البحث عن المعلومة الأمنية وتحليلها وتقدير المخاطر من خلالها. بل لجأ الأجهزة إلى ما يمكن أن نطلق عليه «استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي»، وهو مفهوم حديث يتجاوز الوسائل التقليدية للعمل الاستعلامي. إن عمل الأجهزة الاستخباراتية، وهي تتخذ أيضا تسميات استعلامات أو جهاز مباحث أو أمن الدولة في بعض الدول، يشكل جزءا من أسرار الدولة وهو ما يعقد مهمة الاطلاع عليها أو تحليل القرارات الأمنية التي تصدر بناء على هذا العمل. الاستخبار على المجتمع يتميز عمل الجهاز الأمني، إلى جانب سرعة تداول المعلومة الأمنية وطابع السرية، بالتطور السريع للوسائل المستعملة، ففي عصر التواصل الاجتماعي يجري الحديث عن "استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي"، بصفتها واحدة من القنوات التي توفر المعلومة وتمكن من قياس وفهم وجوه ملايين الناس الذين يتحادثون ويمزحون، ويشجبون أشياء ويستحسنون أخرى بطريقة رقمية. وتتوافر حاليا مجموعة من البرامج الخاصة بالبيانات الضخمة، التي تهدف إلى فهم وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة منها. إن اعتماد تقنيات التواصل الاجتماعي في مجال الاستخبار، يمكن من استقاء المعلومات من مصادر الجمهور، والبحث في عدد من الظواهر بقياس مستويات العنف ومؤشراته والظروف التي تسمح به، وتقدير الموقف من خلال متابعة تطور الأحداث، وفهم أفضل لسلوك المجموعات التي تنشط على شبكات التواصل الاجتماعي، وصولا إلى تحديد النيات الإجرامية أو العناصر الإجرامية في سياق السعي لمنع الجريمة وملاحقة مرتكبيها. و"تشير مثل هذه الإمكانيات إلى أن استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي، تستحق أن تحتل مكانة مهمة في منظومة عمل أجهزة الاستخبارات الوطنية". ردة الفعل التواصلي لقد أبان التعاطي الأمني، للمديرية العامة للأمن الوطني، مع دعوات المطالبة بالأمن، في سياق حملة "زيرو كريساج"، أن جهاز الأمن تفاعل مع ردود الفعل الشعبية من خلال القنوات نفسها التي صدرت منها الدعوات. وبغض النظر عن التحامل الذي تضمنه الخطاب الرسمي بشأن الجهات المحرضة وتصيد بعض مقاطع الفيديو لتبرير ذلك، فإن الاستخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي مكن أجهزة الأمن من تقدير الموقف بشكل دقيق واستباق المخاطر، وقياس درجة الخطر التي تمثله هذه المطالب وجدية دعوات الاحتجاج في بعض المدن. لا شك أن جهاز الأمن (بالمعنى الشرطي) وجد نفسه لأول مرة أمام وقائع احتجاج افتراضي، كانت تنذر بأن تنزل إلى الشوارع طلبا للأمن، وبذلك فإن الطريقة التي قاس بها ردود الفعل والسرعة والنجاعة التي تعامل بها بعض الأحداث الإجرامية، ساهمت في تخفيف الضغط على المواطن، وجعلت الإحساس بانعدام الأمر يغادره ولو مؤقتا، كما أن تداول بعض الأشرطة بشأن عمليات الاعتداء على المواطنين أو ممتلكاتهم، دفع بكثير من أفراد الأمن إلى الشارع وظهورهم المادي في الأزقة والأحياء بقصد التصدي للظواهر الإجرامية، لأنه لا يكفي فقط الاستخبار الافتراضي لمعرفة الوضعيات النفسية للمواطن، بل يتطلب الأمر التدخل لاسترجاع الثقة وفرض الأمن، ولو أن تحقيق هذا المبتغى يتطلب موارد بشرية كبيرة وتحفيزات وحماية قانونية لرجال الأمن أثناء مواجهتهم للجانحين. تدبير الحوادث الأمنية في الأحداث الأخيرة التي شهدتها الحسيمة على خلفية "طحن" المواطن محسن فكري، بدا من خلال التتبع أن الأمن كان حريصا على ألا يتدخل في سير التحقيقات، وإن تداولت بعض الصفحات على الفيسبوك مسؤولية عناصر أمنية عما وقع. إلا أن بيانا لمنتدى الكرامة، الهيأة الحقوقية المقربة من حزب العدالة والتنمية، الذي تبنى هذه الاتهامات ووجه مدفعيته صوب قوات الأمن بدعوى أن "حجز أسماك المواطن محسن فكري خارج ميناء الحسيمة وفي الشارع العام من قبل رجال أمن تحت إدعاء أنها أسماك ممنوع صيدها.. أعمال لا يمكن أن يغطيها عمل النيابة العامة واختصاصاتها ولا أي سلطة قضائية أخرى" (هذا البيان) سيخرج مديرية الأمن عن صمتها، بشكل فضح متابعتها لكل ما يجري على المواقع، باعتبار أن ما ورد في بيان منتدى الكرامة، يعكس ما يجري من تأويلات ومداولات على مواقع التواصل الاجتماعي. في ردها أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني أن بيان منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بخصوص الوفاة “تناول جانبا من أعمال ضباط الشرطة القضائية بشكل موسوم بعدم الدقة”، وأوضح أن ما ورد فيه ادعاءات غير صحيحة، مضيفا أن دور عناصر المديرية العامة للأمن الوطني "انحصر في الإجراءات التمهيدية التي استهدفت سائق السيارة المحملة بالأسماك، باعتباره ارتكب مخالفات للتشريع الوطني، وذلك دون أن تتعداها إلى إجراءات الإتلاف أو المطالبة بتحريك المتابعة والتي تبقى من اختصاص هيآت وأجهزة أخرى". تعليق الأمن على الحادث عكس تفاعلا سريعا من داخل الفضاء الأزرق (الفيسبوك)، من أجل مطاردة كل الإشاعات التي نسجت حول الواقعة، لمنع انتشارها بشكل يزيد في تأجيج الوضع وتعزيز الاحتقان الاجتماعي الذي تلا حادثة مقتل بائع السمك. ولأن الهيأة الحقوقية المذكورة تعمدت نشر بيانها على حساب المنتدى في الفيسبوك، فإن سرعة رد الفعل التي صدرت عن إدارة الأمن أبانت أن كل شيء مراقب لقياس ردود فعل رواد هذه المواقع إيجابا أو سلبا، سيما حينما يتعلق الأمر بواقعة تخرج الآلاف إلى الشوارع قصد الاحتجاج. التجسس على الإرهاب الإرهاب هو أكثر القضايا التي يتتبعها قطاع الأمن على شبكات التواصل الاجتماعي. فقد أشارت بيانات صادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني، سواء تعلق الأمر بأعمال الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أو بتدخلات المكتب المركزي للأبحاث القضائية لاحقا، أن شبكات التواصل عبر الانترنيت كان لها دور كبيرا في إسقاط العديد من الخلايا الإرهابية التي تنشط داخل هذا الفضاء. فمن خلال تتبع غرف الدردشة أحيانا والبروفايلات المشبوهة أحيانا أخرى ورصد محاولات التواصل مع شبكات الإرهاب، تمكنت عناصر الأمن من تفكيك مجموعات إرهابية أو إيقاف "ذئاب منفردة"، كانت بصدد الإعداد لأعمال تخريبية تمس مصالح حيوية في البلاد. مكن الاستخبار عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، من التعرف على هويات متربصين بأمن الوطن، وإذا كان الاستخبار بهذه الآليات ينفع في استقراء مواقف الناس وقياس درجة احتقانهم حيال قضية رأي عام أو حيال سياسات معينة، فإن اعتماد تقنيات متطورة ضمن هذا الفضاء الأزرق وتوظيف برامج متطورة للتتبع (رومنت كنترول اكسيس) تسمح بالولوج إلى البريد الإلكتروني والحساب الشخصي، ساهم في التجسس المباشر على عدد من الرواد "المشتبه بهم" إلى حين توفر أدلة الإدانة، وهي مرحلة نهائية تبدأ بعمل بشري يبدأ بالرصد والبحث والتحقق قبل الاعتقال. بنية قطاع الأمن تتوفر كل دولة على قطاع أمني تختلف صلاحياته، باختلاف نفوذه الترابي ومركزيته داخل نظام الدولة، والسلطات التي يتمتع بها في التعاطي مع التهديدات الأمنية. فالتهديدات التي تنشأ لتحاصر وتقوض استقرار الدولة تتطلب وجود قطاع أمني قادر على التعاطي مع مختلف المخاطر الأمنية سواء داخلية أو خارجية. عادة يشمل توصيف "قطاع الأمن" مختلف أشكال القوة العمومية، من قوات الجيش والشرطة والدرك وأجهزة الاستخبارات، على أنه يوجد فوق "القطاع" مستوى من المراقبة يطلق عليها رقابة الحكومة، تتكون من جميع الوزارات المعنية، منها وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وأيضا وزارة الشؤون الخارجية، التي تتدخل أيضا في تدبير البعد الدولي للأمن، خاصة بعد أن أصبح الإرهاب والجريمة المنظمة حاضرين في مختلف أجندات الأمنية. التعيين على رأس المؤسسات الأمنية يختلف من نظام إلى آخر، ففي فرنسا مثلا يكون تعيين مدير الأمن من خارج المؤسسة الأمنية، عرفا سياسيا تسير عليه الدولة وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى مؤسسة الجيش. بينما يكون تعيين قائد الجيش في تجارب أخرى ناتجا عن الترقي الإداري داخل مؤسسة الجيش، وفي تجارب أخرى يكون المكلف بالقطاع ذا مهام إدارية أكثر منها عسكرية، كما هو شأن التجربة المغربية (الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني). أما بخصوص جهاز الشرطة، فإن المسؤول الأول عن الجهاز لا يخرج، في الغالب، عن كوادر المؤسسة الأمنية في حين تتمايز مسطرة التعيين من نظام سياسي إلى آخر. وعلى العموم فإن وحدات المنظومة الأمنية وأجهزتها داخل الدولة، تشكل مجتمعة بنية لقطاع الأمن.

شبكات التواصل… وسائل استخبار جديدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ميناء الحسيمة يغرق في "السيبة"

الجمهور غاضب ... منتخب رينار يلعب اليوم مباراة الطوغو أمام مدرجات فارغة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات