احتـقـار عـلى المـباشر

مرتفقون "يتسلحون" بالصوت والصورة لفضح مظاهر "الحكرة" في الإدارات العمومية بفضل قنوات "يوتوب" وتقنية النقل المباشر على "فيسبوك"، نجح مواطنون مغاربة، وبوتيرة أشد منذ الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي، في توثيق تعرضهم للاحتقار في عدة إدارات عمومية. وفي هذا الصدد، مازال تسجيل بث مباشر لفتاة تقطن في حي "راسين" الراقي بالبيضاء، يحصد المشاهدات، رغم مرور شهر على تاريخ بثه من داخل مقاطعة المعاريف بالبيضاء، التي حلت بها الفتاة تطلب شهادة بسيطة لكنها مصيرية بالنسبة إلى سلامتها الصحية، إلا انها اصطدمت بموظف دخل معها في تحد ببرودة أعصاب نادرة. وفي التفاصيل، تعرضت الفتاة للعض من قبل قط "متشرد"، ما يعني أنه يمكن أن تصاب بأمراض خطيرة منها داء الكلب الذي يفتك بالجهاز العصبي المركزي مما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض ثم الوفاة، ولتحصل على المصل أو الترياق الوقائي، عليها أن تقصد معهد "باستور"، الوحيد المتخصص بالمغرب، لكن لقبولها، عليها الحصول على "شهادة التكفل" من مصلحة حفظ الصحة بالمقاطعة. ولكن لسوء حظ المواطنة، أن الأخطار التي تتربص بها لم تشفع لها لدى الموظف المكلف، إذ نهج معها سلوكا بيروقراطيا، حينما قال لها إن بطاقتها الوطنية للتعريف تشير إلى أنها تقطن بسلا، غير أنها واجهته بنسخة من عقد الكراء باسمها في حي "راسين"، مصادق عليه من قبل مصالح المقاطعة. ورغم ذلك لم يقتنع الموظف، وبأعصاب جامدة، جلس إلى مكتبه وظل يلاعب أوراقا بأصابعه، ولأن المواطنة طافت قبل الوصول إلى مقاطعة المعاريف، ثلاث مقاطعات في البيضاء، وبعدما تأكدت أن المسؤولية تقع على جماعة المعاريف، تشبثت بحقها في الوثيقة. ولم تجد المرتفقة، أمام الوضع، غير "كاميرا" هاتفها، سلاحا تكتسب بها حقا مشروعا، فبثت المشهد بالمباشر على "فيسبوك"، وحينها تحرك الموظف ليتصل بالسلطة المحلية، التي أوفدت مسؤولا عن الحرس البلدي (القوات المساعدة)، وصل بعد نصف ساعة، لكنه سيجد النقل المباشر متواصلا، فلم يجد غير معاملتها باحترام وحذر شديد، إلى أن أقنعها بوقف البث المباشر والنظر في مشكلتها. وإذا كانت الواقعة تكشف كيف أن الموظفين العموميين يتشبثون بقراءات جامدة للمساطر ولو كان المواطن مهددا في حياته وإمكانية نقل العدوى إلى الآخرين، كشفت وقائع مماثلة جرت فصولها في وكالة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأكادير، كيف يمكن للإدارة أن تضاعف منسوب "الحكرة" الذي استدعى تنقل المواطن إليها. الوقائع، اكتشفها آدم بوهدمة، ناشط يساري معروف يشتغل في مجال المعلوميات، فلم يتردد في مشاركتها مع الجميع عبر "يوتوب"، إذ تفاجأ أثناء مثوله في وكالة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أن بعض الأجراء البسطاء، عندما يريدون الحصول على شهادة تتضمن مجموع رصيدهم من النقط ومدى التزام مشغله بأداء مبلغ التصريح الشهري للصندوق، والذي يقتطع في الأصل من منبع الأجر، يطلب منهم أن يكون الطلب مختوما من الشركة المشغلة! بدا ذلك غير معقول بالنسبة إلى إلى آدم، ليس فقط لأن مطبوع الطلب يطالب فقط بتوقيع الأجير، بل لأن المنطق لا يتقبل من أن يطلب من مواطن يشك في مدى التزام مشغله بأداء الاقتطاعات للصندوق، بأن يكون طلبه مختوما من المشغل، كما أثار انتباهه، كيف أن ذلك الإجراء غير معلن عنه، إذ يحضر المرتفق وينتظر دوره ساعات طويلة، ليخبر في النهاية أن عليه ختم الطلب لدى مشغله. بث آدم على "يوتوب" الحكاية، وسرعان ما تحركت الهواتف، فاستدعاه مسؤول جهوي بالضمان الاجتماعي بأكادير ومدير الوكالة التي كان يوجد فيها، وخصصا له استقبالا، يشرحان فيه دواعي سنهم لذلك الشرط، بموجب مذكرة داخلية، وحاولا إبلاغه بأنه توجد أصلا إمكانية الاطلاع على الشهادة إلكترونيا دون اللجوء إلى الوكالة. ولم تكن تبريرات المسؤولين مقنعة بأي حال من الأحوال، بالنسبة إلى آدم، فالموضوع أصلا لا يخصه وإنما أثار انتباهه، وإذا كان هو يمكن له الاستفادة من الخدمة إلكترونيا، فالذي أغفله المسؤولان، هو أن المواطنين المعنيين أساسا بالتأكد من التزام مشغليهم بدفع أقساط الضمان الاجتماعي، بسطاء وحرفيون لا يستعملون التكنولوجيا وكثير منهم أميون وظيفيا. واللافت أن الحكاية ستقود في النهاية إلى اكتشاف السبب الحقيقي لذلك الشرط التعجيزي الذي أقرته مصالح الضمان الاجتماعي بأكادير، وهو أن الدافع إليه هو أن كثيرا من المواطنين يطلبون الشهادة شهريا، ما تعجز الوكالة عن مواكبته بمواردها البشرية، فقررت سن شروط، منها أن يبرر المواطن سبب حاجته إلى الشهادة، لصد كثرة الطلبات. "العكز" يحرم تلميذا من منحة يدفع المواطنون أحيانا ثمن استسلامهم لـ"الحكرة" غاليا، وهو ما تعكسه قصة خالد مع موظفة في "دار الضريبة" بأكادير، إذ حل بها ومعه مطبوع الترشح للاستفادة من المنحة الدراسية بعد الباكلوريا، غير أن الموظفة التي لم ترد أداء عملها، ستصده ليظل دون منحة، ما سيجعله يواجه صعوبات في متابعة دراسته الجامعية بمدرسة عليا للمتفوقين. لقد أراد خالد أن تسلم له "دار الضريبة" شهادة بأن والديه فعلا فقيران ولا يتوفران على منقولات عقارية أو أنشطة يدفعان عنها ضرائب، لكن عوض أن تطلع الموظفة على الأرشيف، "عكزت"، فوقعت على حيلة تصده بها، وجعلته يتخلى عن طلبه، وهي أن العنوان الموجود على البطاقة الوطنية لوالده يشير إلى أنه يعيش خارج المغرب، وبالتالي فهو ثري بالضرورة ! لم تستحضر الموظفة، فرضية أن الأب غائب أو انقطع اتصاله بابنه أو تخلى عنه، كما لم تفترض أن يكون مجرد مهاجر سري لم يسو أوضاعه بعد، علما أن المطلوب منها هو أن تعود إلى الأرشيف وتملأ الشهادة بما هو موجود حول الحالة الضريبية للأسرة، أما أن يكون والده ثريا من عدمه، فذلك شأن اللجنة المكلفة في العمالة بالبت في طلبات انتقاء حاملي الباكلوريا المستحقين للمنحة. امحمد خيي

احتـقـار عـلى المـباشر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شعباني: "الحكار" مريض بالسلطة

"الحكرة" كأس شرب منها المواطن والمسؤول

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات