تجاذب “بيجيدي” و”البام” غير عقلاني

الباحث عمر الشرقاوي قال إن الاستقطاب الحاد بين الحزبين لا يسمح بتنافس البرامج والأفكار تتشكل في المغرب قطبية ثنائية مصطنعة في إطار تجاذب حاد خيطه الناظم، محاولة هيمنة العدالة والتنمية وتحكم الأصالة والمعاصرة على المشهد الحزبي . ولتسليط الضوء على بعض عتمات هذا الصراع، أجرينا الحوار التالي مع الدكتور عمر الشرقاوي، أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية. < يلوح في الأفق صراع ثنائية قطبية بين «هيمنة» العدالة والتنمية و»تحكم» الأصالة والمعاصرة، ألا يعتبر ذلك تهميشا لنقاش البرامج؟ < يعيش «بيجيدي» و»البام» حالة من الاستقطاب الحاد يغذيه خطاب غير عقلاني لا يسمح بتنافس البرامج والأفكار لحل مشاكل المغاربة الملحة، بل شكل مصدرا غنيا لتوسيع رقعة العزوف السياسي. فالطبقة السياسية أصبحت تدرك أن خطابها السياسي مهما كانت رداءته وعنفه لا تترتب عنه مسؤوليات سياسية، وأصبح سائدا أن يقول قادة الأحزاب اليوم ما يشاؤون، ويفعلون غدا ما يريدون. ويبدو أن المنحى الذي أخذه الخطاب بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة ألغى في العمق قاعدة البرغماتية السياسية التي تجعل منها فن الممكن، إذ لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة لخدمة المواطنين والوطن، وليس لخدمة أشخاص محددين، قد لا تتوفر فيهم الكفاءة، ولكن لديهم نفود لممارسة السلطة بأي ثمن وبأي طريقة. < لكن المغاربة ملوا النقاش الخشبي المتعالي حول الصلاحيات الدستورية للمؤسسات والقيم الكونية، وهم يعانون الفقر والإقصاء والبطالة؟ < تجاوز لغة الخشب ليس مبررا لاستعمال قاموس مليء بكل أصناف الاتهام. تاريخ المغرب شهد دائما وأبدا مواجهات سياسية شرسة بين أحزاب الحركة الوطنية والأحزاب الإدارية، لكن بتوظيف خطاب سياسي لمصطلحات كثيرة، توجز ما جرى من أحداث مست في الجوهر عمق الممارسة السياسية. لذلك، نتمنى أن يرقى الفاعل السياسي والحزبي لمستوى اللحظة الفارقة في صناعة القرار بمقارعة الأفكار والبرامج المنتجة للحلول. < ما هي العوامل التي تضبط عمليا التحالفات المرتبطة بالانتخابات التشريعية؟ < يجب التأكيد على بروز مستجد جديد يضبط إيقاع التحالفات الحزبية المرتبطة بالانتخابات، من خلال ما ينص عليه الفصل 47 من الدستور الذي يؤكد أن الحزب المتصدر للانتخابات هو من يقود الحكومة، ومن ثم فإن صناديق الاقتراع هي التي ستحسم في من سيرأس الحكومة والذي سيقود مشوار بناء التحالفات للحصول على الأغلبية البرلمانية لحيازة ثقة مجلس النواب من خلال التصويت على البرنامج الحكومي. لذلك، فإن التحالفات الحزبية لم تعد محكومة بصراع سياسي محض يغلب عليه الطابع الإيديولوجي. ومن الصعب المغامرة بالإعلان عن التحالفات الممكنة، وفق ما يروج من خطاب سياسي أو ما يتم تسويقه من اصطفافات هنا أو هناك والتي مازال جلها يركز على الجانب الانفعالي البعيد عن منطق الحسابات العددية القادرة على تشكيل تحالف حاكم. ونعلم جميعا أن تشكيل أي حكومة يلزم الحصول على 198 مقعدا، وبما أن نمط الاقتراع مختلط، ومدبر بأن لا يهيمن حزب واحد أو حزبان على المشهد السياسي، فإن أمر تشكيل التحالف الحكومي لن يكون قبليا، لأنه محكوم بتصدر الحزب الفائز الذي سيبحث عن حلفائه وفق ما حصلوا عليه من مقاعد، وهي عملية حسابية لا تترك المجال لعديد من المناورات المؤدلجة أو المدعية ذلك بالتمييز مثلا بين من يقول إنه حداثي أو من يشار إلى أنه محافظ. < لكن الصراع يتجه نحو إفراز قطبية على طرفي نقيض. بماذا تفسر هذا التقاطب، علما أن أحزابا ترفض هيمنة «بيجيدي» وتحكم «البام»؟ < يتضح من خلال خمس سنوات من تدبير حكومة عبد الإله بنكيران، أن هناك محاولات حثيثة لاختزال الصراع السياسي في حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، عبر دوائر وتصنيفات مختلفة، حيث يتم تسويق «بيجيدي» كأنه الحزب المدافع عن الديمقراطية، فيما يتم تسويق «البام» على أنه قائد المشروع الحداثي. هذا الاختزال الثنائي يتناسى أو يتجاهل وجود حقيقة سياسية تجعل من التحول نحو الثنائية القطبية أمرا عسيرا للغاية، بل ومستحيلا في ظل وجود حزب مثل الاستقلال الذي مازال يربك هذا التحول. ولا ننسى كذلك أن الثنائية القطبية ليست خطابا سياسيا أو حتى قوانين منظمة، بل هي ثقافة سياسية وقواعد عرفية تبنيها الأنظمة السياسية عبر أزمنة طويلة من الصراع السياسي. < هناك من يطالب بتحرير التحالفات من أي شرط يصل إلى حد الجمع بين حزب معارض وحزب في الحكومة. أليس ذلك «ميوعة سياسية» تعطل مسار مساءلة من دبر الشأن العام للحكم عليه عبر صناديق الاقتراع؟ < لا يمكن أن نتوقع تحالفا بناء على اصطفاف الأغلبية من جهة والمعارضة من جهة أخرى، لأن نظامنا السياسي ونمط اقتراعنا يختلف عما يجري في إسبانيا وبريطانيا . وما سيحكم التحالف اليوم سيبقى بعيدا عن التدافع الفكري والسياسي والإيديولوحي، فإنه سيكون حتما نتاج ما ستفرزه صناديق الاقتراع ومسار المساومات والمفاوضات حول توزيع الحقائب الوزارية طبقا للمقاعد المحصل عليها، سواء كلف بتشكيل الحكومة «بيجيدي» أو «البام». في سطور - أستاذ الحقوق بالمحمدية - دكتوراه في علم السياسة والقانون الدستوري - مستشار قانوني في مجال التشريع أجرى الحوار: أحمد الأرقام

تجاذب “بيجيدي” و”البام” غير عقلاني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المستثمرون الروس يسألون عن الأمن بالمغرب

رباح العدو

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات