قبل أن يطيح محضر 20 يوليوز 2011 بالقاضي محمد الهيني من منصبه، حسب ما هو متدوال بين مسانديه، لأنه أصدر حكما ضد رئاسة الحكومة يقضي بتنفيذه، كانت تلك الوثيقة التي وقعت بين حكومة عباس الفاسي، ومجموعة من الأطر العاطلة، أحرقت عبد الوهاب زيدون، في يناير 2012، فخلف وراءه، زوجة وطفلة صغيرة.عبد الوهاب الذي لم يعد خافيا انتماؤه إلى جماعة العدل والإحسان، وانسجاما مع قناعاته الدينية لم يكن ينوي أن يضرم النار في جسده، أمام بناية الموارد البشرية التابعة لوزارة التربية الوطنية، حسب رفاقه وزوجته أمينة زيدون، بقدر ما كان البنزين الذي اغتسل به، بغرض التهديد، لكن قدره أراد له أن يكون أول صاحب قضية "يعذب" بالنيران في عهد الحكومة الحالية. حدث ذلك أساسا بسبب الجوع، إذ أن المجموعة التي كان ينتمي إليها "المحروق"، كانت تحتج على إقصائها من محضر 20 يوليوز 2011 القاضي بالتوظيف المباشر لعدد من الأطر العليا، فقررت، الاعتصام فوق بناية الموارد البشرية بعد اقتحامها، غير أنه من سوء حظ أفراد المجموعة، أن القوات العمومية، فضلت خطة "الإنهاك" على التدخل وإخلاء المعتصم.ولما استمر "الطوق" الأمني، لم تكن المؤن الغذائية تصل إلى المعتصمين، حسب الرواية التي قدمتها أرملة عبد الوهاب زيدون، وعندما أنهكهم الجوع، فكر زوجها مع أحد زملائه، في الضغط على السلطات بالتهديد بإحراق أنفسهم، فتبللوا بالبنزين، لتحل اللحظة صفر من العد التنازلي لحياة عبد الوهاب.كان ذلك، لما نط من فوق السور من أجل تسلم مؤونة من المتضامنين الموجودين بالخارج، غير أن الهراوة كانت له بالمرصاد، لينطلق مسلسل من الكر والفر، وفي إبانه، انتبه زيدون أن النيران مشتعلة في رفيقه محمود الهراس، فهب محاولا إطفاءها ناسيا أنه مبلل بالبنزين، لتنتقل إليه، وتأتي على جسده.لم يودع عبد الوهاب زيدون، الحياة مباشرة، إذ مازالت صور الواقعة، شاهدة على أن النيران أخمدت، ووقف، هو، مشدوه، وعلى بشرته احمرار شديد وبقع بيضاء ناصعة تحيط بها بعض من قشور بشرته الأصلية التي لم "تفركها" النيران كلها، فتم نقله إلى المستعجلات.مرت الساعات، وبحلول تاريخ 24 يناير 2012، جاء الخبر من قسم معالجة الحروق بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالبيضاء: محمود الهراس، زميل زيدون نجا، أما عبد الوهاب فأسلم الروح. نزل الخبر كالصاعقة على جموع العاطلين والمتضامنين، الذين هبوا بالمئات إلى منزل أسرته بسلا، سيما وأن نيران الحراك الشعبي الذي شهده المغرب في 2011 لم تنطفئ كلها بحلول يناير 2012.قبل أن يقتنع الجميع برواية أن زيدون لم يتعمد إحراق نفسه بل كان يريد إنقاذ زميله، كان جدل وصدمة حول كيف يمكن لإطار منتم إلى جماعة إسلامية (العدل والإحسان) وحافظ للقرآن أن ينتحر حرقا من أجل الوظيفة، لكن في النهاية، أسدل الستار على القضية، دون أن يدفع أحد ثمن وفاته، باستثناء أسرته المتكونة أساسا من زوجة شابة وطفلة صغيرة، لا يبدو أنهما، تجاوزتا إلى اليوم مخلفات الحادث، رغم ظهورهما المتواصل متماسكتين في عدد من اللقاءات التي تخلد ذكراه وتعده "شهيدا" للمعطلين.امحمد خيي