فتاوى المجلس الدستوري… خليط السياسة والقانون

التركيبة الحزبية للمجلس تنعكس على بعض أحكامه في تأويل وقائع دستورية تُضمر بعض قرارات المجلس الدستوري مزيجا بين السياسة والقانون، وتنعكس التركيبة الثنائية للمجلس المكونة من ممثلي الأحزاب ورجال القانون، على طبيعة القرارات التي يصدرها، ما يجعلها أحيانا تعبيرا عن جوهر الدستور وفي أحيان أخرى مسايرة للتوافقات السياسية ضدا على الدستور. فتصدر تأويلات النص الدستوري متضاربة أحيانا بشأن قضايا ومواقف قانونية متشابهة، بسبب الأثر الكبير للسياسة على القانون في أعمال المجلس الدستوري، المحكمة الدستورية في صيغتها الجديدة. إذا كان المجلس الدستوري قد رفض مسايرة التأويل السياسي للدستور، والاجتهاد مع وجود النص في بعض القضايا المعروضة عليه، فإنه في حالات أخرى ساير الجدل السياسي فجاءت قراراته انعكاسا لمواقف سياسية متباينة. في الطرد الحزبي... ضد الأحزاب في القضايا الانتخابية تحديدا، وقفت المحكمة الدستورية ضد الأحزاب، كما وقفت في قضايا أخرى معروضة عليها، لمناسبة البت في دستورية القوانين، في وجه الأحزاب السياسية التي تحالفت من أجل تكريس تأويل غير ديمقراطي للدستور، بتضمين القوانين المنظمة للجماعات الترابية نصا يشير إلى اعتبار "الطرد" من الحزب السياسي موجبا لإسقاط العضوية بالهيآت المنتخبة، وقد لقي هذا الموقف رفضا سياسيا من قبل الهيآت الحزبية التي أدرجت شروطها في التعديلات الخاصة بالقانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.في الموضوع، قطع قرار رقم 15/968 م. د الصادر عن المجلس الدستوري بشأن القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، مع كل التأويلات التي أرادت الأحزاب السياسية أن تعطيها لعملية طرد منتخبين من الهيآت التي ترشحوا باسمها بوصفها ترحالا سياسيا. فلم يساير أعضاء المجلس الدستوري هذا التوجه ورفضوا تحويل التزكيات الحزبية إلى وسيلة للضغط على منتخبيها في الجماعات المحلية وتهديدهم بالطرد من الحزب مقدمة لفقدانهم صفة العضوية في المجالس المنتخبة، حتى وإن تعلق الأمر بخلاف شخصي مع الأمين العام للحزب المعني. فكرة توصيف الطرد بأنه ترحال سياسي، وردت في المادة 51 من القانون المتعلق بالجماعات، فاعتبرها المجلس الدستوري غير مطابقة للدستور، مشيرا في تعليله إلى أنه "لئن كان يحق للأحزاب السياسية، تطبيقا لأنظمتها الأساسية، وضع حد لانتماء بعض الأعضاء إليها، فإن ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 51 المذكورة من اعتبار عضو مجلس الجماعة في وضعية تخل عن الحزب الذي ترشح بتزكية منه، إذا قرر هذا الأخير وضع حد لانتسابه إليه بعد استنفاد مساطر الطعن الحزبية والقضائية، بما يترتب عن ذلك من إمكان تجريده من العضوية بمجلس الجماعة، يشكل مساسا بالانتداب الانتخابي لهذا العضو وتوسعا في تطبيق الفصل 61 من الدستور". في منع الترشح... مع الأحزاب إذا كان المجلس الدستوري قد رفض مسايرة التأويل السياسي للدستور، والاجتهاد مع وجود النص كما حدث في واقعة القانون التنظيمي للجماعات المحلية (رفض اعتبار الطرد بمثابة ترحال سياسي)، فإن بعض قرارات القاضي الدستوري عكست توافقات الأحزاب السياسية وإن كان ذلك ضدا على الدستور وقواعد المساواة في الحقوق والواجبات. تفاصيل القرار تعود إلى مناقشات القانون التنظيمي لمجلس النواب، حين طرحت اللائحة الوطنية للانتخابات، صنف الشباب والنساء، قبل عرض القانون على المجلس الدستوري وقع توافق بين الأحزاب بشأن منع المرشحين الذين فازوا في انتخابات الدوائر الوطنية من الترشح مرة ثانية برسم اللائحة الوطنية نفسها. فقد ساير المشرع النقاش السياسي والتوافق الحزبي الذي وقع حول قرار "المنع"، رغم لا دستوريته باعتبار أن موانع الترشيح ورد التنصيص عليها صراحة في مواد مستقلة من القانون.وفقا للمادة الخامسة من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، فإنه "لا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب برسم الدائرة الانتخابية الوطنية كل شخص سبق انتخابه عضوا في المجلس المذكور برسم نفس الدائرة الانتخابية". منطوق النص يمنع ترشيح برلمانيي اللائحة الوطنية لولاية ثانية قصد فتح المجال أمام نخب جديدة، لكن روح قرار المحكمة الدستورية بشأن إقرار هذه المادة يخالف الدستور ويضيف قائمة جديدة بأسماء "غير المؤهلين" للترشح في الانتخابات. هذا التواطؤ بين المجلس الدستوري والأحزاب السياسية، بدأ يتفكك اليوم بسبب مطالبات نساء برلمانيات عبرن من اللائحة الوطنية إلى البرلمان، بحقهن في الترشح في الانتخابات المقررة يوم 7 أكتوبر المقبل، لخوض الاستحقاقات التشريعية ضمن قوائم اللوائح الوطنية لأحزابهن. لم يقف الجدل عند حدود النساء بل تعداه إلى لوائح الشباب الذين يدافعون عن الحق في لائحة وطنية مفتوحة على مرشحين جدد وقدامى، وبين الموقفين يوجد تبرير واحد مفاده أن التجربة التي راكمها برلمانيو اللائحة الوطنية، هي مسار لا يمكن قطعه ضدا على الدستور. الترحـال... تناقضـات التأويـل آخر ملفات المجلس الدستوري المثيرة للجدل، قراره رقم 16/994 م.إ بإلغاء عضوية المستشار البرلماني محمد دعيدعة، بعد الأخذ في دعوى خرق المادة 26 من القانون المتعلق بمجلس المستشارين بعلة أن المطعون في انتخابه غير انتماءه النقابي. في حيثيات القضية أن المطعون فيه فاز في اقتراع 3 يونيو 2015 لانتخاب ممثلي الموظفين للجان الإدارية المتساوية الأعضاء بوزارة الاقتصاد والمالية في لائحة مشتركة باسم "النقابة الوطنية الديمقراطية للمالية"، ثم انتخب بعدها في الانتخابات الخاصة بمجلس المستشارين باسم "النقابة الوطنية الديمقراطية"، وهي نقابة لم تشارك في انتخابات ممثلي الموظفين باللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بالوظيفة العمومية في قطاع المالية تحديدا. و"حيث إن القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين ينص، في الفقرة الرابعة من مادته 26، على أنه لا يقبل ترشيح أي شخص يغير انتماءه النقابي الذي تم على أساسه انتخابه عضوا بإحدى الهيآت الناخبة لممثلي المأجورين"، فإن القضاء الدستوري رأى بإلغاء الانتخاب.ظاهر التعليل قانوني، لكن خلفياته تثير بعض الملاحظات بشأن ثبوت واقعة تغيير الانتماء النقابي، فإذا كان المجلس الدستوري أخذ بحجية طرد برلمانيين من أحزابهم في تفسير قرارات سابقة بعدم إسقاط العضوية عنهم، فإنه في الحالة المعروضة لم يأخذ بهذا التعليل رغم أن المرشح المطعون فيه قدم ما يفيد بوجود الطرد، وهي واقعة تدوولت في وسائل الإعلام بعد تفجر الخلاف داخل الفدرالية الديمقراطية للشغل. لم يأخذ المجلس الدستوري بهذه الواقعة، رغم أن تطورات الخلاف داخل المركزية النقابية كانت موضوع تناول إعلامي وتداول واسع وصل إلى ردهات المحاكم، ما يفيد أن بعض قضاة المجلس الذين أعملوا مبدأ "عدم التوسع في تفسير الدستور" برفضهم اعتبار الطرد من الهيأة السياسية بمثابة تخل عن الانتماء، لم يروا في قضية الطرد النقابي طردا موجبا لرفض دعوى إلغاء العضوية ! تركيبة المجلس... الولاءات الحزبية تتألف المحكمة الدستورية، الصيغة الجديدة للمجلس الدستوري سابقا، طبقا لأحكام الفصل 130‏ من الدستور، من اثني عشر (12) عضوا، يعينون لمدة تسع (9) سنوات غير قابلة للتجديد. ويتوزع هؤلاء الأعضاء بين ستة أعضاء يعينون بظهير من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وستة أعضاء آخرين ينتخبون من مجلسي البرلمان بالتساوي بين النواب والمستشارين، في حين يختص الملك بتعيين رئيس المجلس.بناء على هذا التصور تبدو تركيبة المجلس الدستوري مزيجا بين السياسة، التي تخضع لمنطق الولاء الحزبي الضيق، ورجال القانون ممن يفترض فيهم القانون سنوات من الخبرة والكفاءة والنزاهة العلمية. وإذا كان هناك إجماع على وجوب اختيار رئيس المجلس الدستوري من قبل الملك كما يجري العمل به في تجارب مقارنة، فإن منطق "الوزيعة" الذي يتحكم في التعيينات الحزبية داخل الحزب، يبقى مثار جدل ونقاش كبير بالنظر إلى الممارسات التقليدية التي تطبع الداخل الحزبي، وخضوعها لمنطق الولاءات للزعيم والقائد، ما يجعل التمثيل الحزبي داخل هذه المؤسسة الدستورية المختصة بالبت في المنازعات الانتخابية انعكاسا لهذه الممارسات القائمة على الزبونية الحزبية.كثيرة هي قرارات المجلس الدستوري التي أثارت جدلا في المشهد الحزبي، فقد كشفت بعض الأحكام الصادرة عن المجلس أن الموقف السياسي تحكم أحيانا في التفسير القانوني، وفي أحيان أخرى بدا أن النص القانوني قفز فوق الوقائع السياسية. بموجب دستور 2011 اتخذت الهيأة اسم المحكمة الدستورية، وقد جاء القانون التنظيمي رقم 066.13، ليكرس هذا التوصيف الدستوري الجديد للمجلس، فأوكل إليه البت في دستورية القوانين والطعون الانتخابية المتعلقة بمجلسي النواب والمستشارين، وكذا اختصاص الدفع بعدم دستورية القوانين، إذ تبت المحكمة، مسطريا، في "القضايا المعروضة عليها بعد الاستماع إلى تقرير عضو من أعضائها يعينه الرئيس. وتكون مداولاتها صحيحة إذا حضرها تسعة من أعضائها على الأقل. وتتخذ المحكمة الدستورية قراراتها بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين تتألف منهم". بين القانون والدستور باعتبار أن الخاص يقيد العام في تفسير القاعدة القانونية، فإن القضاء الدستوري استند في تبريره لقرار إسقاط العضوية على مقتضيات القانون التنظيمي لمجلس المستشارين، الذي ينص صراحة في الفقرة الرابعة من المادة 26 منه، على أنه "لا يقبل ترشيح أي شخص يغير انتماءه النقابي الذي تم على أساسه انتخابه عضوا بإحدى الهيآت الناخبة لممثلي المأجورين"، والحل أن الدستور يتحدث في فصله 61 عن الترحال السياسي وليس النقابي بالتأكيد على أنه "يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها"، وهنا يطرح السؤال حول إمكانية لجوء المتضرر من هذا التأويل الدستوري للفصل 61 إلى مسطرة الدفع بعدم دستورية القوانين. إعداد: إحسان الحافظي

فتاوى المجلس الدستوري… خليط السياسة والقانون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سعـر الدجـاج يتجـاوز 25 درهمـا

الإنارة تغير موعد قمة الوداد والفتح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات