“ضربة ساليغان”… مجزرة استعمارية

أحداث دموية نفذها جنود أفارقة بمباركة فرنسية بدرب الكبير بالبيضاء تحل اليوم (الخميس) الذكرى التاسعة والستون لأحداث 7 أبريل 1947 الشهيرة ب"ضربة ساليغان" التي ما زال يستعيدها المغاربة، باعتبارها وجها من وجوه الفظاعات الاستعمارية التي ارتكبها فرنسيون في حق المغاربة، سخروا فيها فيالق من الجنود الأفارقة للانتقام من زيارة محمد الخامس لطنجة. في هذا الخاص تستعيد "الصباح" جوانب من هذه الذكرى الأليمة. إنجاز: عزيز المجدوب الأزقة المفضية إلى ساحة 7 أبريل بدرب الكبير لم تعد سالكة كما كان عليه الأمر من قبل، بعد أن اختنقت مروريا بفعل عربات باعة الخضر والفواكه المتجولين الذين احتلوا جنباتها، قبل أن يفيضوا عن حاجة الأزقة وينتشروا على امتداد قطر الدائرة التي تحيط بالساحة التي تتوسط درب الكبير أحد أعرق الأحياء بالدار البيضاء.في وسط الساحة يمتد نصب تذكاري معانقا السماء، مخلدا ذكرى ضحايا مجزرة "ضربة ساليغان" التي كانت الساحة مسرحا لها قبل 69 سنة، ومنها استمدت اسم "7 أبريل" وهو اليوم المشهود من 1947 الذي ظل موشوما في الذاكرة البيضاوية، وذاكرة المقاومة المغربية بشكل عام.معظم العابرين من هذه الساحة أو القاطنين حولها، لم يعد يعني لهم شيئا تذكر واقعة "ضربة ساليغان" بعد أن غطت السمعة السيئة للحي الذي ينتمون إليه، على ماضيه التليد المرتبط بمقاومة المستعمر والأسماء المتألقة في مختلف المجالات التي أنجبها، قبل أن يتحول خلال السنوات الأخيرة إلى مرتع لكل أنواع الانحراف والاتجار في الممنوعات وهو ما جعل الكثير من سكانه الأصليين يهجرونه إلى وجهات مختلفة، ولا يحتفظ سوى بقلة قليلة ما تصر على استحضار الأيام الخوالي وتقاوم موجات الترييف والبدونة التي تعرض لها "درب الكبير".ورغم حرص المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ومعها السلطات المحلية، على تخليد ذكرى "7 أبريل" كل سنة، وهو ما يعكسه النصب التذكاري الذي يرمز للواقعة، إلا أن الطابع الرسمي المبالغ فيه لهذا الاحتفاء والذي يقتصر على استعادة عبارات وجمل مسكوكة عن "كفاح السلطان والشعب"، لا يترك وقعه لدى سكان الحي الذين ما زال الكثيرون منهم، ومعهم العديد من المغاربة، يجهلون تفاصيل الحدث ومعناه ودلالاته الرمزية. ألفا قتيل أطلق المغاربة على أحداث 7 أبريل "ضربة ساليغان" نسبة إلى الجنود الأفارقة الذين كانوا الأداة التي نفذت بها الإدارة الاستعمارية الفرنسية خطتها الانتقامية التي جاءت على شكل مجزرة في حق سكان "درب الكبير" ردا على إصرار الراحل محمد الخامس الذهاب إلى طنجة لإلقاء خطابه الشهير هناك.وكان المغاربة يسمون كل الأفارقة المرتزقة في جيش الاحتلال الفرنسي سنغاليين حتى ولو كان أصلهم من أقطار أخرى من المستعمرات الفرنسية بالقارة الإفريقية.ومن الروايات التي تستعيد بعض تفاصيل الواقعة هناك رواية الزعيم الوطني الراحل علال الفاسي في كتابه "الحركات الاستقلالية بالمغرب" قائلا "بينما كان أطفال الحي يلعبون بحي بن امسيك بالدار البيضاء، إذ بثلاثة عمال من السنغاليين يتجولون، فطالبهم طفل بأن يعطوه هدية، ولكن السنغاليين شتموه ورموه بحجارة كانت بيدهم، فأثار ذلك غضب أصدقائه الأطفال فتابعوا الجنود السنغاليين بحصباوات صغيرة، وذهب السنغاليون إلى الحصن القريب من الحي، ثم عادوا ومعهم فرقة من السنغاليين مسلحة بالبنادق والرشاشات والمدافع الخفيفة، وصحبتها ضباط فرنسيون، وما أن وصلوا الحي (درب الكبير) حتى أعطى الضباط لجنودهم الإذن بإطلاق الرصاص على الأهالي العزل، وطوقوا الأحياء الوطنية من كل جانب ونظموا هجوما عليها، وقد احتلوا الشوارع وهاجموا المارة بالقتل والتنكيل والتمثيل، ثم دخلوا البيوت يقتلون من وجدوا فيها من طفل أو امرأة أو رجل، بل قتلوا حتى الدواجن والحيوانات، ونهبوا الأمتعة وكسروا ما لم يقدروا عليه".ويضيف الزعيم الوطني قائلا "وصلت فرق الفرسان السنغاليين بقيادة ضباط فرنسيين أيضا، وامتدت المعركة إلى مسافة كيلومترات من الأحياء العربية المجاورة، واشتد السنغاليون وانقلبوا إلى حيوانات متوحشة شرسة، فشدخوا رؤوس الموتى وفصلوا أعضاءهم وبقروا بطونهم، وفعلوا ذلك حتى بالصبية الصغار بمحضر أمهاتهم اللائي أخروا قتلهن إلى ما بعد التمثيل بأبنائهن على مرأى منهن"."كما احتلت، يضيف الفاسي، فرقة أخرى من السنغاليين سطوح المنازل حيث سلطت نيران رشاشاتها على كل من تحدثه نفسه بالنفاذ من الشارع أو تصادفه مارا به." ويمضي صاحب "النقد الذاتي" في استحضار تفاصيل الواقعة بقوله "ولم تتدخل السلطات الفرنسية المدنية لإيقاف العدوان الذي استمر أكثر من عشر ساعات اختفى خلالها رجال البوليس بكيفية تلفت الأنظار، بل إن بعض الفرق المكلفة بحراسة المدينة لم يسمح لها قوادها العسكريون بالتدخل لحماية السكان، وهناك ثكنة عسكرية قريبة من موقع الحادثة كتب عليها "مقر حراسة المدينة" جنودها كلهم من عساكر "الكوم" المغاربة برئاسة ضباط فرنسيين، توجه إلى ضباطها وفد من كبار حزب الاستقلال يعلمه بالحادث ويطلب الإذن من الجنرال للجند المغربي بالقيام بواجبه في إرجاع الأمن، فطلب منه التريث قليلا، ثم تخابر مع الكولونيل وبعد دقائق عاد فأصدر الأمر بإقفال الثكنة وسجن جنوده جميعا بداخلها".ولكي تكتمل فصول القضية المحبوكة يضيف الفاسي أن السلطة "حشدت الجيوش الفرنسية والأجنبية بسائر أحياء المدينة بكل الطرق المؤدية من الدار البيضاء إلى الرباط، ولم يكن معهم ولا جندي "مراكشي" (يقصد مغربي لأن كتابه موجه إلى القراء المشارقة) واحد، وقد ثبت بعد التحري والبحث الدقيق أن الجيوش ورجال الشرطة المغربية جردوا من كل سلاح قبل الحادث بيوم واحد، الأمر الذي يدل على أن المأساة مدبرة ومبيتة بليل. وقد بلغ مجموع القتلى والجرحى في هذه المأساة التي انتقم فيها الجيش الفرنسي من الوعي القومي، ألفي مغربي". مقدمات الفاجعة أما المقاوم الحسين برادة فيستعيد في كتابه "مسيرة التحرير" الظروف والإرهاصات التي مهدت للمجزرة منذ اللحظة التي أعلن فيها المقيم الفرنسي الجديد، آنذاك إريك لابون، يوم 22 يوليوز 1946 عن برنامج فرنسا أمام مجلس شورى الحكومة، فكان برنامجا مخيبا لآمال الراحل محمد الخامس والمغاربة الذين انتظروا أن تخطو فرنسا إلى الأمام في اتجاه الاعتراف باستقلال المغرب بعد الخدمات التي أسدوها لفرنسا خلال حربها التحريرية في مواجهة النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. ووقع الاصطدام ما بين محمد الخامس وإريك لابون ومعه المعمرون، في الوقت الذي كان فيه السلطان يخطط لزيارة طنجة التي كانت منطقة دولية، ولم تحظ بزيارة ملكية آنذاك منذ 1889 في عهد الحسن الأول.وكانت لاختيار محمد الخامس لطنجة، يقول برادة، أبعاد سياسية عميقة، فقد اختارها ليكون حرا في التعبير عن رأيه والجهر بمطالب بلاده في الحرية والاستقلال، وليكون وسط فضاء يتمتع بتمثيل دولي واسع، بوجود ممثلي الدول العظمى، وليؤكد أنه ملك تمتد مملكته إلى كل أطراف وطنه، ويتنقل فيه بمطلق الحرية رغم ظروف الاحتلال الفرنسي والإسباني والدولي على السواء.وكان رد فعل المقيم الفرنسي سلبيا حين أطلعه محمد الخامس على رغبته في زيارة طنجة، التي قرر أن تتم برا عبر القطار وفيها سيلقي خطابه وخطبا أميرية أخرى، فطلب لابون من الملك إطلاعه على نص الخطاب مقترحا إضافة فقرة إليه تنوه بعلاقات التعاون بين المغرب وفرنسا وتعبر عن الاعتراف بالجميل لسلطات الحماية.وظهرت لفرنسا، آنذاك، الأبعاد الدولية الخطيرة للزيارة الملكية، وما ستحدثه من ردود أفعال سلبية إزاء سياسة الحكومة الفرنسية بالمغرب، فعمدت إلى افتعال المناورات للحيلولة دون تحقيق الرحلة الملكية، من خلال الترويج لفكرة إضراب السككيين حتى لا تتم الرحلة عبر القطار برا، واقتراح السفر بحرا، والادعاء بقلق إنجلترا وأمريكا من الزيارة. إلا أن العقبة الكبرى التي أرادت الإدارة الاستعمارية نصبها في وجها الزيارة تمثلت في إشعال فتيل أحداث "7 أبريل" التي كان بطلها فيليب بونيفاص رئيس ناحية الدار البيضاء ومارسيل فالا الموظف السامي آنذاك بإدارة الداخلية التابعة للٌإقامة العامة بالرباط وهي الأحداث التي كانت مقدمة لانبثاق خلايا المقاومة المسلحة التي ستعجل أنشطتها برحيل المستعمر الفرنسي. عبد الرحمن اليوسفي يوثق فظاعات الحادث يحكي الصحافي والكاتب عبد اللطيف جبرو في كتابه "المهدي بن بركة.. الرياضيات مدرسة للوطنية" في سياق حديثه عن أحداث "7 أبريل"، أن عبد الرحمن اليوسفي، المناضل الاتحادي والوزير الأول الأسبق، قدم من الدار البيضاء إلى الرباط لمقابلة الأمين العام المساعد لحزب الاستقلال، محمد اليزيدي، في بيته بديور الجامع في اليوم الموالي للمجزرة، حاملا معه روبورتاجا مصورا لجرائم الاستعمار الفرنسي بالدار البيضاء، على أساس أن تخصص جريدة "العلم" صفحة للتعريف بفظاعة المأساة، لكن اليزيدي أفهم اليوسفي أن نشر هذه الصور أمر مستحيل لأن هذا الروبورتاج سيكشف الحقائق للناس ويثير مشاعر الشعب مما سيضفي جوا متوترا على لقاءات الجماهير وهي تحيط بالقطار الملكي على طول السكة المتجهة من الرباط إلى طنجة خاصة أن قيادة الحزب أعدت العدة الكاملة للمشاركة في هذه الأفراح الشعبية والإذاعة عنها بإصدار عدد خاص عن طنجة وموقعها وقيمة الزيارة الملكية لها وهو العدد الذي وزع مجانا عند وصول القطار الملكي إلى المدينة الشمالية.

“ضربة ساليغان”… مجزرة استعمارية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الداخلية تقترح تخفيض العتبة إلى 3 في المائة

حملة ضد محل للدجل بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات