تحصيـل حاصـل بفـاس

الدعوة إلى عقوبات بديلة للجنح البسيطة وتشديدها بالنسبة إلى الجانحين في حالة عود لن تستطيع الحملات الأمنية على أهميتها وجديتها، استئصال رحم الجريمة بمختلف أنواعها، في غياب مقاربة أمنية إستراتيجية ناجعة، مقرونة بحل المسببات الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء ارتفاع معدلاتها، سيما بالأحياء الهامشية المحتاجة إلى التأهيل اللازم. وقبل التفكير في قطع دابر الجريمة، وجب استئصال مظاهر الفقر والأمية والجهل وتنامي الإدمان على مختلف السموم الفتاكة، خاصة بالنقط السوداء المحتاجة إلى مشاريع تنموية تنقذ أبناءها من أورام اجتماعية تتنامى سنة بعد أخرى في غياب العلاج الناجع. وفي انتظار ذلك تبقى الحملات الأمنية مجرد تحصيل حاصل تضخم الأرقام وتخنق السجون بالآلاف من المتهمين سيما المتورطين في جنح مرتبطة بمسك المخدرات واستهلاكها وتسهيل استعمالها على الغير، وهي أحد أهم مسببات باقي الجرائم بما فيها القتل. ويتضح من خلال إطلالة على جدول الملفات المعروضة على أنظار ابتدائية فاس، على سبيل المثال، سيادة هذا النوع من الملفات ذات الصلة بالمخدرات والخمور، التي تستحوذ على أكثر من نصف عدد الملفات المدرجة في كل جلسة سيما تلك الجنحية التلبسية. ثلث الملفات المعروضة في جلسة الجمعة، تتعلق بالسكر والمخدرات، ب11 من أصل 33 ملفا، متبوعة بملفات عدم أداء مؤونة شيكات والنفقة وحيازة السلاح الأبيض وما يرتبط به من عنف وضرب وجرح وغيرها من الجنح الغارقة فيها جلسات المحكمة الابتدائية. وتختصر هذه النوعية من الجرائم، طبيعة الموقوفين عقب الحملات الأمنية التي تمشط الشوارع بشكل عشوائي أحيانا لرفع الحصيلة سيما كلما وقعت هزات أمنية التي من آخرها الاعتداء الجسدي على سياح ألمان كانوا يتجولون بين دروب المدينة العتيقة. وتبدو مثل هذه الحملات من أعدادها، ناجعة وذات جدوى في الحد من نسبة الجريمة، لكن البعض يتحدث عن «عشوائيتها» واستهدافها الجميع، دون تمييز أو تأكد من الهويات وما إذا كان الشخص ذا سوابق أو مطلوبا للعدالة، قبل الإيقاف. والأهم أن يركز في كل حملة يومية على إيقاف المبحوث عنهم في قضايا خطيرة، والمتورطين في جرائم أكبر من حيازة سكين أو السكر غير المرفوق بالضوضاء والعنف، مع تكثيفها وتركيزها بالنقط السوداء الغارقة في جريمتها البعيدة عن الضبط أحيانا. هذه الحملات تخلص الأحياء من «منحرفيها» مؤقتا قبل العودة بقوة بعد مغادرتهم المؤسسة السجنية التي تزيد من خبرتهم وتقوي علاقاتهم بمن هم أكثر تمرسا منهم، ليطوروا نوعية إجرامهم خاصة أمام عدم استفادتهم من الإدماج المضخمة شعاراته الرسمية. وتبقى إعادة النظر في الطريقة وكيفية التعامل مع نوعية الجرائم والموقوفين، لازمة تخليصا للسجون من اكتظاظ خانق، بالبحث عن عقوبات بديلة تكون مالية في بعض الحالات التي لا تستدعي الإيداع بالسجن الذي يزيد من الخبرة الإجرامية للمودعين فيه. ولم يعد السجن وسيلة لتربية النزيل، بل يكتسب في فترة عقابه تجارب ومهارات جديدة يوظفها خارجه لتطوير قدراته في ارتكابه الأفعال الجريمة، ونسج العلاقات مع زملائه، ما قد يولد عصابات متخصصة في نوع معين من الجريمة خاصة السرقة والنصب. وتبقى إعادة النظر في دور السجن في إعادة الإدماج، لازمة على غرار إعادة النظر في نوعية العقوبات المسلطة على الجانحين، باختلاف نوعية الجريمة وخطورة الفاعل، والاكتفاء بالعقوبة المادية بالنسبة لغير الغارقين في سوابقهم، القابلين للإصلاح. وتذهب بعض المصادر إلى حد المطالبة بتشديد العقوبة بالنسبة لبعض المتورطين في جرائم كبرى أو مرتكبيها في حالة عود، من قبيل اللجوء إلى «الأعمال الشاقة» وعادة «التطويف» رغم لاقانونيتها، كي يكون المطوفون بالشوارع، عبرة لمن لا يعتبر. وتجد في الأعمال الشاقة طريقة لتطويع المجرم ودفعه لمراجعة سلوكه، فيما في التطويف «شوهة» قد تؤتي أكلها، مقترحة مراجعة شروط وظروف الاستفادة من العفو، طالما أن بعض المفرج عنهم لهذا السبب، عادة ما يعودون إلى السجن بعد أيام من ذلك. حميد الأبيض (فاس)

تحصيـل حاصـل بفـاس

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سيطايـل و"عروبـة" المغـرب

نقص حاد في "كونتورات" الكهرباء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات