قاعـة الانتظـار

مد يده، ومددت يدي للسلام. سحب كفه، وقال "اعطيني باش نتعشا الله يرحم الوالدين". تأملت سحنته وهيأته قليلا، ثم أخرجت خمسة دراهم، "خطفها" بسرعة البرق وخبأها في جيب "فوقيته"، وتمتم بدعاء غير مفهوم، ثم أدار وجهه إلى الحــــــــــــائط.تجاوز الخمسين من عمره، بملامح شاحبة، وملابس اتسخت من الإهمال. كان، لحظتها، يسند جسده المنهك بحقيبة ملابس سوداء دون سحابة، ويمد رجليه فوق "مانطة" وضعها فوق المصطبة الاسمنتية بقاعة الانتظار بقسم المستعجلات ابن رشـد.في الجهة الأخرى من المصطبة، كانت تجلس امرأة أخرى متلفعة بوشاح صوفي، وتحيط بها أكياس بلاستيك بأحجام مختلفة، واحدة منها "تطل" منها نصف "كوميرة" وكأس "رايبي جميلة"، قالت لي بعد إلحاح، إنه جاءت من مكان من بعيد من أجل العلاج، قبل أن يتقطع بها "الحبل"، وتلجأ إلى هذه القاعة في انتظار توفير مبلغ اقتناء تذكرة عودة. تحت المصطبة مباشرة، افترشت أخرى ملاءة تحتها قطع كارتون، ووضعت تحت رقبتها رزمة ملابس وغطت في نوم عميق، رغم الجلبة التي كانت تعرفها أكبر مستعجلات البيضاء في هذا الوقت المتأخر من الليل.رجل وامرأتان لا يعرف أحد من أي أتوا ومتى وصلوا إلى قاعة الانتظار، وما هي طلباتهم بالضبط، كل ما يعرفه الممرضون والتقنيون وأعوان الحراسة إنهم يغيبون أياما، ثم يعودون إلى المكان نفسه.بعضهم يقول إنهم مرضى غادروا أقسام العلاج، ووجدوا صعوبة في العودة من حيث أتوا، وآخرون يؤكدون أنهم متسولون يهجعون إلى هذه القاعة في ليالي الشتاء الباردة، يأكلون وينامون هنا، ثم يرحلون فجرا.حارس الأمن البدين، قال إنهم أصبحوا جزءا من المكان، ولا يمكن تخيل قاعة الانتظار دون هؤلاء "الغرباء" الذين يثيرون عطف الزوار وينفحونهم بقطع نقود، أو وجبات غذائية، مؤكدا أن الحراس يطلبون منهم إخلاء القاعة، حتى لا يثيروا الانتباه إليهم أثناء زيارات مفاجئة لمسؤولين ومديرين، قبل أن يسمح إليهم بالعودة.. من جديد.أما هم فلا تهمهم الروايات ووشوشات الزوار وعيون الفضوليين. هم وحدهم يعرفون الحقيقة، ووحدهم يعرفون لماذا هم هنا في هذه القاعة، وماذا ينتظرون بالضبط، ومتى سيرحلون.ي. س

قاعـة الانتظـار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دفن جثة نفساء بإملشيل خلسة

الأمطار ترفع أسعار الخضر إلى مستويات قياسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات