السباعي: ملفات الفساد رسّخت انعدام المساواة في المساءلة

المشكل يتعلق بالنظام السياسي الذي عليه الاختيار بين القضاء على الفساد أو ترك الأمور على ما كانت عليه يرى طارق السباعي أن ملفات الفساد ونهب المال العام تطبعها الانتقائية في الاحالة في ظل تماطل الحكومة في محاربة الفساد وتفعيل آليات الحماية وإصلاح القضاء وإعلان التصريح بالممتلكات، واتخاذ تدابير صارمة في مجال المراقبة القبلية والبعدية للمال العام. ويربط رئيس الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب ذلك بانتقال البلاد إلى مستويات أنظف مما هي عليه في الترتيب العالمي لمحاربة الفساد، كما أن البطء في التحقيقات القضائية وتفشي الفساد بالجهاز القضائي يعتبر عرقلة حقيقية لاسترجاع الأموال المهدورة بل اعداما للضمير وترك الأخلاق..... طفت من جديد ملفات الفساد المالي على السطح، وظهرت متابعات جديدة بعد إحالة وزارة العدل لمجموعة من ملفات الفساد بالجماعات المحلية على القضاء، كيف تقيمون مساطر الإحالة هذه؟ وهل في نظركم تعد الطريقة التي بموجبها يتم القضاء على تبديد المال العام؟إن حجم الملفات المحالة على القضاء يعد على رؤوس الأصابع ولا يتطابق مع ما تنشره الصحافة يوميا عن مئات من القضايا التي تورط فيها رؤساء جماعات في اختلاس الأموال العامة، ولذلك فالانتقائية في الاحالة هي السمة الغالبة في ظل تماطل الحكومة في محاربة الفساد وتفعيل آليات الحماية وإصلاح القضاء وإعلان التصريح بالممتلكات، واتخاذ تدابير صارمة في مجال المراقبة القبلية والبعدية للمال العام وتفعيل مؤسساتها، لتنتقل البلاد إلى مستويات أنظف مما هي عليه في الترتيب العالمي لمحاربة الفساد، كما أن البطء في التحقيقات القضائية وتفشي الفساد بالجهاز القضائي يعتبر عرقلة حقيقية لاسترجاع الأموال المهدورة بل اعداما للضمير وترك الأخلاق.فمسطرة الإحالة يجب ان تكون فورية و من الوزارة الوصية أي وزارة الداخلية دون انتظار تعليمات وزير العدل باعتباره رئيسا للنيابة العامة، لتجنب البيروقراطية العقيمة والاعتبارات السياسية والتخفي وراء الحصانات الظاهرة منها والخفية. فافتضاح جملة من الملفات الكبرى للفساد وتورط لوبيات ومافيات في ملفات الجماعات المحلية، دفع الكثيرين إلى التساؤل بخصوص تواطؤ الجهات الموكول إليها المراقبة والمحاسبة والمساءلة، والتي تعتمد معايير الزبونية والمحسوبية في المساءلة، إذ أن السلطات الوصية تراقب كل شيء، ولها من الإمكانيات ما يُخوّل لها تتبع صرف كل درهم، بل كل سنتيم، يزيغ عن طريق الصالح العام فاذا كانت المساءلة في اياد غير أمينة فعلينا أن نصلي صلاة الجنازة على النزاهة والشفافية وحماية المال العام.إن الممسكين بخيوط هذا الملف يجب أن يكشفوا الحقيقة أمام الرأي العام، لرد الاعتبار للحقيقة وايضاح الخلفيات الكامنة وراء تحريك الملف في ذلك الظرف.إن الجماعات المحلية أصبحت رهينة لوبيات عائلية ومافيات وامبراطوريات تتقن فن تزوير الانتخابات بشراء الذمم وتتحكم في أغلب مصادر الثروة المحلية والجهوية، وكذلك تُعتبر صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في صناعة القرار المحلي مستمدة قوتها من مركز القرار فأصبحت في رمشة عين صاحبة الصوت الذي يعلو ولا يُعلى عليه في مختلف شؤون تدبير الشأن العام المحلي والجهوي. هذا ما أسهم في استمرار بؤر الاختلالات واستشراء الفساد واتساع دوائره.فالطريق الى حماية المال العام يمر عبر المساءلة الفورية ودون انتظار التعليمات، بإلغاء الحصانات المعلنة والخفية لاسترجاع الثقة المفقودة بمراجعة شاملة وعميقة للدستور وللقوانين الموجودة، مراجعة من شأنها أن تزيل العراقيل المانعة والمعرقلة لحماية المبادئ والحقوق والضمانات أو المضعفة لها، و تفعيل الضمانات الدستورية والقانونية الموجودة والتي ستوجد، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات فورية وملموسة تعتمد استخدام صرامة القانون بقضاء حر وكفؤ ونزيه ومستقل. تقارير المجلس الأعلى للحسابات تحبل بمجموعة من نماذج الاختلال المالي في المؤسسات العمومية وشبه العمومية، ترى لماذا يحال بعضها على القضاء والبعض الآخر يظل حبيس الرفوف؟ وما هي الجهة التي تختار الملفات؟أصدر المجلس الأعلى للحسابات عدة تقارير تفضح عدة اختلالات وانحرافات تظهر بشكل واضح استفحال الفساد والتلاعب في الصفقات واهدار الأموال العامة وتبييضها وهناك تقارير لم تنشر ويظهر انها تتعلق بأشخاص فوق القانون.إن ظاهرة اقتصاد الريع وأنظمة الامتيازات في مجال العقار والإنعاش الوطني والخدمات واستغلال الملك العام أصبحت هي السمة الغالبة لدى مسؤولينا صغارا وكبارا كل حسب نفوذه. هذه الانحرافات وغيرها رسّخت مظاهر عدم تكافؤ الفرص بين المواطنين، في مجال المساءلة، وحتى الاختلالات المرتبطة بشخصيات نافذة لا تضمن بتقارير المجلس الأعلى للحسابات.كما أن سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء به عدة اختلالات وأن حجم الخسائر والاختلاسات فاقت في حدودها الدنيا مئات الملايير لم ينجز في شأنها أي تقرير يحدد حجم الاموال المنهوبة.لقد نال هؤلاء النافذون كثيراً من مرتكزات دولة الحق والقانون، وكانت النتيجة فقدان الثقة في المؤسسات بما فيها مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات فالملفات المعالجة من طرفه لم تحل على القضاء، واذا ذكر السبب بطل العجب.فهناك فئة من ذوي النفوذ استطاعت إنتاج وتوليد اليأس والتذمر والسخط والاحتقان الاجتماعي. الذي يؤدي الى ليّ ذراع الدولة، فناهبو المال العام هم انفسهم الجلادون المنتهكون لحقوق الانسان، ولهذا فاننا في الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب نربط بين ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ونهب المال العام، وبالتالي فالمشكل يتعلق بالنظام السياسي، والذي عليه الاختيار بين القضاء على الفساد أو ترك الامور على ماكانت عليه ، ولا مجال للقول بأنصاف الحلول فهي من الاخطاء القاتلة .فاذا كان القائمون على الامر لا يعتبرون الجرائم الاقتصادية جرائم ضد الانسانية وماداموا لا يتجاوبون مع مطالب الهيأة فلا نستغرب بقاء تقارير المجلس الأعلى للحسابات الحبلى بمجموعة من نماذج الاختلالات المالية الخطيرة في المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وتبقى حبيسة الرفوف للتداخل المصالحي والضغوط السياسية للإفلات من العقاب و الذي يجعل هذه الملفات متعثرة ولا ترى طريقها للقضاء، فمادمنا نفتقد للحياة الديموقراطية السليمة والتي تقوم على سيادة القانون والشفافية والعدالة و صيانة حقوق الانسان والحريات الأساسية للمواطنين، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالها عن بعضها البعض، فلن تر الملفات الطريق المعبدة للقضاء ... ان قوانين محاربة الرشوة ونهب المال العام توجد بثلاجة كبيرة محكمة الاغلاق لاتفتح الا بالمناسبة ولا تطال الا الناهبين الصغار، أما الناهبون الكبار فانهم يظلون بمعزل عن المساءلة لسبب بسيط هو أنهم يقتسمون الكعكة مع المتورطين الصغار والذين تتم حمايتهم بواسطة البوليس القضائي والبوليس السياسي والبوليس الاقتصادي والبوليس الاعلامي فقوانيننا ما شاء الله مشوبة بالثغرات التي يفلت بواسطتها الناهبون من العقاب سيرا على مبدأ حاميها حراميها. اننا لم نفتأ نطالب بتفعيل آليات الحماية للمال العام على اعتبار ان الرشوة ونهب المال العام عرقلة حقيقية للتنمية . وما أكثر الملفات التي تبقى حبيسة الرفوف فإهدار المال العام من تدبير محكم وممنهج للقوى المضادة للتغيير وستتحرك أكثر من أي وقت مضى لعرقلة أو فرملة اية اصلاحات ولوكانت طفيفة . هل نحن إذن أمام انتقائية في اختيار الملفات التي ستحال على القضاء؟إن مشروع القانون المتعلق ب «حماية الشهود والضحايا والمخبرين في جرائم الاختلاس واستغلال النفوذ وتبذيد الأموال العامة سيبعث الأمل في عدم الافلات من العقاب، كما أن الاجراءات المتعلقة بإصلاح القضاء وتعزيز حقوق الإنسان وتشكيل لجنة وزارية لحقوق الانسان ستبعث الأمل في القطع مع الانتقائية.وأعتقد أن الحركات الاحتجاجية كفيلة بإصلاح الاوضاع الفاسدة، فعلى حركة 20 فبراير وكذا القوى الحية الداعمة لها العمل من أجل رحيل المفسدين عن مركز القرار.بالنسبة إلى متابعات المسؤولين في الجماعات المحلية كانت قروية أو حضرية، هل في نظركم التراكمات التي تعرفها هذه الجماعات من حيث تبديد المال العام وصرفه بطرق عشوائية والتلاعب أيضا في الصفقات، هل المسؤول الوحيد عن ذلك هو رئيس الجماعة والموظفين أم أن سلطة الوصاية من خلال العامل والباشا وغيرهم يتحملون أيضا المسؤولية؟ وما موقعهم أو مركزهم القانوني من تلك المساءلة؟لا يعتبر رؤساء الجماعات مسؤولين وحدهم عن التلاعب بالصفقات وإهدار المال العام فسلطة الوصاية الممثلة في وزارتي الداخلية ووزارة المالية مسؤولتان مسؤولية مباشرة عن البطء في محاربة الفساد، كما أن المجلس الاعلى للحسابات مسؤول عن مراقبة صرف المال العام.كما أن القضاء يعتبر مسؤولا عن عدم ملاحقة هؤلاء الناهبين بصفة تلقائية فليس ما يمنع من مباشرة التحقيق طبقا لمنشور الوزير الاول الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي رقم 29/99 المؤرخ في 17 نونبر 1999 والذي حث على الاهتمام بما تنشره الصحافة من خروقات وتجاوزات واختلالات تمارسها الإدارات والمؤسسات العمومية صيانة لكرامة الإدارة من جهة وتجاوبا مع الرأي العام من جهة أخرىكما تجدر الاشارة الى أن بعض المحاكم تقبل بالتنازل عن الشكاية من طرف الجماعة التي سبق لها ان قدمتها اعتمادا على التحالف السياسي واقتسام الكعكات كما حصل بجماعتي دبدو وانزكان.هل في نظركم التخليق يمر عبر هذه المحاكمات؟ أو بمعنى آخر هل تستطيع هذه المحاكمات أن ثبت الردع اللازم لمنع تكرارها؟ وما هي الوسيلة الناجحة لمراقبة صرف المال العام؟إن الاحزاب مسؤولة عن التخليق ايضا فاذا لم تطهر نفسها من ذوي السوابق والمنحرفين من أصحاب الشكارة التي تعطى لهم التزكيات، كما أن ضمان عدم التكرار غير مضمون فالأحكام التي تصدر في حق الناهبين مخففة جدا و يستهتر بها الناهبون ولا يبالون بها فهاهي محكمة الاستئناف بالرباط في ملف الفراع تحكم بمليار فقط وبالتضامن بين المتهمين المدانين جميعا ولم تحكم بالباقي الذي هو 116 مليار حيث انه وبعملية حسابية بسيطة نقسم المائة والسبعة عشر على الثلاثين شهرا المحكوم بها على الفراع المسؤول الأول عن اختلاس المال العام بالتعاضدية ستكون النتيجة اربعة ملايير للشهر. فيا لصوص المال العام ابشروا فاختلاس اربعة ملايير لايكلف الا شهرا واحدا نافذا أو موقوف التنفيذ ونعم الحصانة البرلمانية فصاحبنا ما زال ينعم بالحرية ولعله سيفلح في إدخال بند بالدستور المنتظر يعفيه من العقوبة ولم لا فهو منتسب للحزب الليبرالي.يكفي ان نطلع على القانون المعمول به في الصين الشعبية فقد حكم على مختلس لجزء من مالية المؤتمر الدولي لحماية حقوق المرأة بالإعدام لا لشيء إلا لكونه اختلس من ميزانية المؤتمر ما يعادل 700 درهم مغربية ؟؟؟ وفي الختام فقد رجعت بي الذاكرة الى سنة 1968 حين قابلت النقابي المشهور المرحوم المحجوب بن الصديق بمدينة فاس وبمنزل المرحوم الدكتور الشامي وبمحضر محمد اليازغي حيث كنا نحن طلبة «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية « تعرضنا كقيادة حزبية للقطاع الطلابي للضرب المبرح وبالفلقة وبمقر الاتحاد المغربي للشغل فقد أجابني عن شكواي وعينه في السماء «شوف آولدي الثورة غادا تجي بوحدها». ولم لا فحركة 20 فبراير تعد بالكثير أما نحن فقد هرمنا. أجرى الحوار: المصطفى صفر

السباعي: ملفات الفساد رسّخت انعدام المساواة في المساءلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

غياب سلطة الوصاية في المساءلة يثير الاستفهام

جدل قانوني حول المجلس الأعلى للحسابات والمتابعات القانونية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات