“دواعش” دار بوعزة… رواية الأمهات

كشفن لـ "الصباح"ظروف الاعتقال وبعض أسرار أبنائهن الموقوفين كسرت عملية نوعية للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، فجر الجمعة الماضي، الروتين في حياة سكان "كاريان بنعبيد" في دار بوعزة، ضاحية البيضاء، ومنذ ذلك الحين،وأمهات سبعة شباب، لم يستوعبن بماذا ابتلين. هنا رواية الأمهات عن أفراد أول خلية متهمة بالإرهاب تفكك في السنة الجديدة. إنجاز: امحمد خيي - تصوير: (عبد اللطيف مفيق) "أنا بغيت ولدي الله إجازيكم بخير، الصراحة ديالت الله، ولدي خدام علي، ظريف وشاد تيقارو، ملي جاو إديوه قلت ليهم نتوما غادين بيه دابا، وأنا وخوتو ليتامى، ماغانصيبو ماناكلو، وكون شميت فيه شي نية يضر بها راسو ولا بلادو، كنت نهرس ليه رجلو"، تقول أم تداري دموعها، وهي لم تصدق بعد، أن "اليتيم"، فلذة كبدها البالغ من العمر 23 سنة، متهم بالانتماء إلى "داعش"، ويعد واحدا من بين سبعة شباب، دخلوا التاريخ، بوصفهم أول صيد في 2016، للمكتب المركزي للأبحاث القضائية. منذ فجر الخميس الماضي، 7 يناير، وإلى الأحد 10 من الشهر ذاته، مازالت آثار الصدمة بادية على وجوه الكبار والصغار في كاريان "بنعبيد"، الموجود داخل تخوم توصل إليها طريق معبدة حديثا، ومتفرعة عن مدارة "التيرمينيس 600"، على الطريق الرابطة بين البيضاء والجديدة مرورا على دار بوعزة وطماريس. ينفتح باب خشبي لمنزل بدوي موجود على هضبة تطل على البحر، وعندما تطل من ورائه، مالكة البيت، يختفي كلب حراسة شرس تحت سيارة مركونة أمام البيت فاسحا المجال للزوار للاقتراب. كذلك كان المشهد، تقريبا، الخميس الماضي، بمجرد أن رفع أذان الفجر، وحلت أمام البيت سيارات رباعية الدفع، على متنها رجال غلاظ شداد، يلتحفون ألبسة سوداء، ويضعون أقنعة على وجوههم، طالبين من الأم، المنهمكة في المطبخ بإيقاد النار تحت قدر من المياه تريد الوضوء بها، أن تدلهم على ابنها "اليتيم". لم يقاوموا "أيقظوه وهو في لباس نومه، الذي لم يكن سوى سروال قصير رث، ثم قلبوا البيت، رأسا على عقب، دون أن يجدوا شيئا"، تقول الأم، التي كانت تلك اللحظة آخر عهد لها بابنها، ولا تتذكر، من هول الصدمة والهلع، آخر حديث دار بينها وبينه. وقبل أن يصل فريق العمليات التابع للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، قادما من مقره بسلا، إلى بيت الأرملة التي كانت تعيل "اليتيم"، واثنين من إخوته من بيع "روح جافيل" قبل أن تتوقف بسبب أمراض مزمنة، كان الفريق قد مر من حي الألفة بالحي الحسني في البيضاء، وهناك وضع يده على "المرضي". "طرقوا الأبواب، وفتحت لهم، في حين كان هو مستغرقا في نومه، كان المنظر باعثا على الخوف، كانوا 16 رجلا ذوي بنيات ضخمة، أيقظوه وفتشوا البيت، وتفاجأت لما استعمل أحدهم جهاز اتصال، قائلا: لقد وجدنا الهدف، إذ حينها فقط علمت أن مجموعة منهم ولجت بطريقتها الخاصة إلى سطح المنزل، ورابطوا فيه قبل أن يطرق علينا الباقون الباب"، تقول شقيقة "المرضي"، فتاة عشرينية، تضع غطاء على رأسها، ولها نظرة حادة توحي بشخصية قوية، ونبرة تبرز أنها متعلمة. كان "المرضي"، ليلتها، وعلى عادته، في منزل جدته بحي الألفة، ومن هناك توجهوا به، "بعد أن وضعوا كيسا على رأسه"، إلى مسكن أسرته في "كاريان بن عبيد"، حيث وجدوا الأم، والأب المتقاعد من ميدان الملاحة البحرية، والتمسوا منهما تفتيش البيت والحصول على بعض الأغراض التي تخصه. "سألوني إمدادهم بحاسوب إن كان يتوفر عليه، لكنني أخبرتهم أنه نقل كل أغراضه قبل مدة إلى مسكن جدته، من حيث استقدموه"، تقول أم "المرضي"،ى التي تمكنت من إلقاء نظرة على ابنها قبل أن يتوجهوا به نحو سلا، "كان داخل سيارتهم، واضعا يديه خلف ظهره، ربما لتوهمه أنه مصفد اليدين، إذ فاجأه أحد العناصر قائلا: طلق يديك، راك خلعتي ماماك، حنا مادايرينش ليك المينوط"، فاستجاب الموقوف، الذي رأى النور في 1986، ثم طلب من والدته، شيئا واحدا: "أكثري من الصلاة والدعاء لفائدتي". وتشترك أم "المرضي"، مع والدة "اليتيم"، في ندب حظها بالبكاء، وتختلف عنها في التعبير عن غضبها والتوجه بكلام قاس نحو أفراد تظنهم مخبرين بالكاريان، من قبيل "لعنة الله عليك، فينما كان شي كلب هنا...."، لاعتقادها أن أعوان السلطة، أعدوا تقارير ضخموا فيها من حجم خطورة سلوكات الشباب السبعة، الشيء الذي عجل باقتيادهم وراء القضبان. غير بعيد عن المسكن العشوائي لأسرة "المرضي"، تم وضع اليد على "الكهربائي"، من مواليد 30 نونبر 1989، داخل المسكن حيث يعيش وحيدا مع والدته، منذ أن تزوجت أخته قبل أشهر، هما اللذان تخلى عنهما والدهما وهما في سن صغيرة، تاركا الأم، تمضي يومها خادمة في البيوت، من أجل كسب قوت لأبنائها. وتقول الأم إنها لم تكن في البيت ليلتها، "لقد وجدوه بمفرده داخل غرفته"، وهي الغرفة، التي ليست سوى زاوية مظلمة داخل المسكن العشوائي، فيها أغراض كثيرة، بينها "لوح" على الأرض مسنود إلى الجدار، مكتوبة عليه آيات قرآنية، وبجانبه مصحف وكتيبات دينية للجيب أبرزها "متن الأربعين النووية" و"متن ابن عاشر في الفقه المالكي"، وقنينة دواء اسمه "محلول أبو سلطان لصحة الكلي والمسالك البولية". وكما اقتيد "الكهربائي"، تاركا أمه وحيدة، وفي حالة مزرية جدا، فقد زوجين آخرين، ابنيهما، "اللحام"، من مواليد 1990، وشقيقه "الفنان"، الذي خرج إلى الوجود في 1994. "هذه الغرفة، اختارها اللحام، وتلك المقابلة لها، أرادها الفنان، فشرعنا في إصلاحهما، استعدادا لتزويجهما". وتم إيقاف الأخوين، على نحو متفرق، إذ كان "اللحام"، في بيت الأسرة بالكاريان، في حين كان "الفنان"، رفقة أمه وأبيه، في مسكن آخر غير بعيد عن "الكاريان" بحي اسمه "اللوتيسما"، وحينما حل الفريق المكلف بإيقافه بالمسكن، وجد الباب مواربا لا مغلقا، إذ أن "الفنان"، ذهب لصلاة الفجر في المسجد القريب، وتعقبوه إلى هناك لإيقافه. المتهم السادس في خلية السبعة، كان هو "الفقيه"، رأى النور وترعرع بدوره في "كاريان بن عبيد"، وهو طالب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية لعين الشق، تخصص الدراسات الإسلامية، عمره 23 سنة، وله أربعة إخوة، بينهم "النجار"، ويقول إن شقيقه، أوقفته عناصر مكتب الأبحاث القضائية خلال الساعة ذاتها، وفي الظروف نفسها، التي اعتقل فيها رفاقه من أبناء الجيران. ويشكو النجار، من "تضخيم" في نسج حكاية الاعتقال ورسم بورتريهات بملامح خطيرة عن الشباب، "باعتبار أنه كان بينهم من بال في سرواله، ومن تقيأ، ومن فقد الوعي، من شدة الخوف، بمجرد أن تم إركابهم في دوريات المكتب المركزي للأبحاث القضائية". آخر عنصر في "الخلية" التي فككت في الليلة المشهودة، هو "البقال"، عمره 25 سنة، من أصول سوسية ويسير دكانا، تم إيقافه فغادر فريق العملية مسرح الاعتقال، باتجاه مدينة سلا، تاركا الأسر والأمهات والسكان مذهولين، لكن دون أن يعلم أحد أن تلك اللحظة، لن تكون آخر عهد لرجال "البسيج" بالمنطقة. ذلك أن "البقال"، يوجد اثنان منه بكاريان سنطرال، ليس قريبين، لكنهما يحملان الاسم نفسه، ويتحدران من الأصول نفسها، وكلاهما يعملان في تجارة المواد الغذائية، لكن الذي تم وضع اليد عليه، فجرا، لم يكن هو الهدف، فتم إطلاق سراحه بعد أن وصل إلى مقر الأبحاث بسلا، بالتزامن مع حلول فريق، آخر، بـ"اللوتيسما"، فأوقف المطلوب الحقيقي، وهو يستعد لإغلاق دكانه من أجل أداء صلاة الجمعة. "الفرسان" السبعة في "كاريان بن عبيد" العريق جدا بالبيضاء، والذي يضرب الفقر بأطنابه فيه، وساءت الأحوال الاقتصادية لسكانه، تحديدا منذ أربع سنوات، تاريخ وقف استغلال مقلع الرمال "بن عبيد"، حيث كانت الأغلبية تكسب قوتها، يتخوف السكان، أن يكون تجمعهم السكاني، الواقع في نفوذ بلدية دار بوعزة، رديفا في الأذهان، لتفريخ الإرهاب، بدل الوجهة الشاطئية الأشهر بالبيضاء. وظهر التخوف أساسا، بعد الاهتمام الكبير الذي لقيه الإعلان عن خبر تفكيك خلية الفرسان السبعة، "واستغراق الناس في نسج روايات، غير صحيحة، تتحدث عن اكتشاف صناديق من الأسلحة، وأحزمة ناسفة، وكل ما لا يخطر على بال"، يقول بعض شباب المنطقة وتدعمهم أسر الموقوفين. وحقيقة، لا تعرف الأسر، وأساسا الأمهات، الشيء الكثير عن الملف الذي تورط فيه الأبناء، لكنهن، بالمقابل، يعرفن "الأولاد" جيدا. فـ"اليتيم"، تنطوي حكايته على مأساة كبيرة، وتحكي أمه، أنها كانت تعيله، رفقة أخويه، "من عطف الناس، ومن دراهم معدودات، أكسبها من بيع ماء جافيل بالتقسيط، عبر عربة أدفعها بيدي، وأطوف الدواوير القريبة، إلى أن رأف أحد المحسنين لحالتي، فتدبر لفلذة كبدي شغلا". وقبل إيقافه، كان "اليتيم"، يعمل عامل نظافة في المركب التجاري "موروكومول"، وتؤكد أمه، أنها لم تحس يوما بأن سلوكاته فيها ما يمس بالقانون، "كان فتى جيدا، ماصبتش باش نقريه، وتناسى بناء مستقبله، جاعلا من إعالة إخوته، الشيء الوحيد الذي يعطي معنى لحياته"، تقول بائعة "جافيل"، بنبرة مختنقة من شدة الحزن والدموع، مضيفة: "كنت لأكسر رجليه، لو لاحظت ما يوحي بالخطر في تصرفاته". أما ، والدة الأخوين "اللحام" و"الفنان"، فمازالت تحتفظ ببطاقة زيارة، تخص ابنها الأصغر، وفيها صورة له مع ثلاثة من رفاقه، يرتدون زيا تقليديا رجاليا أخضر اللون، ويتوسطهم الخامس بلباس مماثل لكنه أحمر اللون، وهم يشكلون "مجموعة الدقة المراكشية السرورات طماريس". وقبل خمسة أشهر، كان "الفنان"، كائنا ليليا، يلاحق مع رفاقه الأعراس والمناسبات على امتداد جهة البيضاء، وترقص المدعوات على إيقاع ضرباتهم، غير أن حياة الليل، كانت مقلقة لوالديه، توجسا من أن يسقط في فخ إدمان الكحول أو المخدرات، سيما أنه عازف كمان، وقد يتشجع ويبدأ في إحياء سهرات في الملاهي الليلية، "وكثيرا ما نصحناه بأن يتعلم مهنة أخرى، على غرار شقيقه، الذي يعمل لحاما في شركة لتحويل الحديد"، تقول والدته. ولا يخفي والده، وهو رجل شاب، يكشف مظهره، وقد استفاق من النوم متأخرا الأحد الماضي، أنه إنسان مقبل على الحياة، وأنه طالما انفرد بأبنائه، قائلا لهم: "كونوا أفضل مني، وإن رأيتموني لا أؤدي الصلاة، قوموا أنتم بالعكس"، وهو ما استجاب له "الفنان"، قبل خمسة أشهر، حينما أخبر والديه أنه قرر اعتزال تنشيط الأعراس، والشروع في حفظ القرآن بمسجد بحي الألفة، "ومنذ ذلك الحين، صار يزور البيت كل يوم خميس، ويغادر صبيحة الجمعة". وفي الوقت الذي يعرف شباب الحي، عن "الكهربائي"، أنه يحبذ، حينما لا يجد فرصة عمل، الاعتكاف ببيته لحفظ القرآن، ما يوحي للبعض أنه شخص مكتئب، لا يخفي "النجار"، أن شقيقه "الفقيه"، الطالب الجامعي في تخصص الدراسات الإسلامية، شخص ملتزم، لكنه منفتح، "منخرط في حزب العدالة والتنمية، وكان منتدبا للحزب في مراقبة اقتراع 4 شتنبر الماضي، مع أنه قام بحملة انتخابية، ضد حزبه، لفائدة مرشح منافس، حتى يحصل على بعض الأموال ليمول بها دراسته". وحينما شرع "الفقيه"، في إمامة الناس في الصلاة خلال مناسبات متفرقة بالمنطقة، اقتنع "البقال"، بحكمة "حرفة بوك لا يغلبوك"، فاستجاب أخيرا للأسرة، وغادر شركة متخصصة في "الألومنيوم"، وقبل أن يفتتح له والده دكانا، لينتقل بذلك رصيد الأسرة، إلى ثلاثة دكاكين، ومخبزة تعمل فيها الأم. وفيما ظهرت والدته، من وراء بوابة المخبزة، امرأة قوية الشخصية كأي "سيدة أعمال"، ولا توحي ملامحها بأي تشدد، أعطت ابنتها العشرينية، صورة مفارقة، فقد كانت ترتدي لباسا ملتزما بنفسجي اللون، وتخفي يديها بقفاز بني، ولا يظهر من جسدها غير الوجه، وتقول: "أخي، غادر أقسام الدراسة في الثالثة إعدادي، كان شخصا من الحانوت للدار، من الدار الحانوت، ماعرفناش باش تبلينا، ولكن هذا ابتلاء وامتحان من الله". "والمرضي"، الذي كان أول موقوف في الليلة المشهودة بحي الألفة، ثم اقتيد إلى كاريان بن عبيد، مسقط رأسه، حيث تم إيقاف رفاقه، حصل على دبلوم تقني متخصص من مدرسة خاصة، ويعمل في شركة متخصصة في تسلق الواجهات الزجاجية لتنظيفها، وحسب أخته "كان طيلة الشهر الماضي، بمراكش، حيث أوفدته الشركة إلى مهمة في أحد الفنادق هناك، وفي السبت ما قبل الماضي، كانوا ينظفون مبنى القنصلية الأمريكية". وتقول عنه والدته، إنه "ماكايدير حتى حاجة، دري نقي، خدام، كايصلي، وهاز دارهم، ولكن ماعندي ماندير الغالب الله"، ثم تقاطعها شقيقته: "ماشي شي واحد متشدد، ولحيتو مقبولة ومشذبة بعناية، داكشي مقاد، سول غي الدراري، حنا مانقولو والو، ماعمرنا سمعنا شي حاجة خايبة عليه".

“دواعش” دار بوعزة… رواية الأمهات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إنفاق 250 مليارا على الحلي والعطور

مطالب بفك العزلة عن دواوير بأزيلال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات