المغرب في قلب الأزمة بين الرياض وطهران

بيان الخارجية يكشف أن الرباط لن تغامر بعلاقاتها مع الخليج من أجل علاقات تطبيع مع "ولاية الفقيه" قرأ الكثيرون في الموقف المغربي حيال الأزمة بين الرياض وطهران، حذرا شديدا تبحث من خلاله الرباط عن موقع وسط بين العربية السعودية وإيران. تداعيات الأزمة التي اندلعت على خلفية إعدام المرجع الشيعي، السعودي الجنسية، نمر النمر، أثارت ردود أفعال قوية بين مؤيد للموقف السعودي ومعارض له وداع إلى التهدئة. موقف مغربي حذر بيان وزارة الخارجية المغربية يمكن تصنيفه ضمن الحالة الأخيرة، ذلك أن الرباط لم تخض في تفاصيل الحادث، ما يؤشر على أنها تحترم أحكام القضاء الشرعي في السعودية، بقدر ما قفز إلى الحديث عن تداعياته بالدعوة إلى «حكمة المسؤولين السعوديين والإيرانيين للعمل على تفادي أن ينتقل الوضع الحالي إلى بلدان أخرى بالمنطقة تواجه العديد من التحديات وتعيش أوضاعا هشة»، وإن كان البيان تحدث صراحة عن علاقة الحكم القضائي بأعمال إرهابية والمس بأمن الدولة، محذرا من أن «تأخذ التجاوزات الجارية بعدا غير قابل للسيطرة في الساعات والأيام المقبلة». ينسجم الموقف المغربي مع الخيار المشترك القائم على فكرة أن أمن الخليج، وعلى رأسه العربية السعودية، هو امتداد للأمن الإستراتيجي للرباط. غير أن تزامن التوتر مع عودة التطبيع إلى العلاقات المغربية الإيرانية، ساهم في إرباك حسابات الدبلوماسية المغربية وإحداث حالة من الحذر في التعاطي مع تطورات الأزمة بين الرياض وطهران، وإن كانت الرباط لن تغامر بعلاقاتها مع دول الخليج في سبيل موقف متوازن يرضي الإيرانيين. فقد وجدت الرباط في الخليج مدخلا لعلاقات اقتصادية وسياسية قوية، تستعيض بها عن فكرة إحياء المغرب العربي. بالمقابل، يبرز التضامن المغربي مع العربية السعودية، من خلال مشاركة القوات المغربية في الاختيار العسكري في اليمن. فرغم أن الرباط بدت غير معنية بالرسائل الموجهة إلى إيران، من وراء هذه الحرب، بحكم البعد الجغرافي عن منطقة التوتر، فإن المسافة تقصر حين يتعلق الأمر بتهديد حقيقي أو مادي، يمس أحد بلدان الخليج العربي. وهو ما برز حين ربط بلاغ للخارجية المغربية موقف الرباط قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران قبل أربع سنوات، بالتهديدات التي صدرت عن مسؤوليها في حق سيادة واستقلال البحرين. الاتهامات المغربية اتخذت طابعا رسميا، في بلاغ لوزارة التعاون والشؤون الخارجية، يوم 7 مارس من 2009. وتمت أجرأتها بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية. ولعل مصدر هذا القلق تقارير أمنية تفيد أن التمدد الشيعي، عبر المغرب، بواسطة أنشطة ثابتة للسلطات الإيرانية، خاصة من قبل البعثة الدبلوماسية بالرباط، يستهدف المقومات الدينية للمملكة والمس بوحدة المذهب السني المالكي، بعقيدته الأشعرية. تقارب دبلوماسي "بارد" تصدر الأهداف التوسعية الإيرانية لواجهة الخلاف بين دول الخليج وطهران، لا يخفي وجود مخاوف مغربية متقاطعة مع توجسات عربية عامة، مفادها وجود قوى إقليمية مثل إيران في منطقة القرن الإفريقي، وعلى شواطئ البحر الأحمر وفي المدخل الشمالي لإفريقيا وعلى التخوم الجنوبية لمصر، قد يفتح الباب أمام تداعيات سياسية وأمنية في المنطقة العربية والقارة الإفريقية، ويزداد القلق بالنظر إلى النوايا الإيرانية في إقامة نظم موالية لها في المنطقة، عن طريق مساندة الحركات الأصولية. الموقف المغربي «البارد» حيال الخلاف السعودي الإيراني، قد تغذيه علاقات تطبيع جديدة جارية بين الرباط وطهران، وإن كان هذا التقارب ليس عنصرا حاسما في مواقف السياسة الخارجية المغربية، فالمشاركة ضمن التحالف العربي في اليمن والتدخل عسكريا بها، جاء في توقيت شديد الحساسية سابقا، لتزامنه مع الإعلان الرسمي عن عودة العلاقات بين المغرب وإيران. هذا المعطى يفيد أن تعيين سفير جديد للجمهورية الإسلامية في الرباط، لا يعكس تفاهما سياسيا بين البلدين، بقدر ما يروم تحقيق هدفين: الأول بغطاء ديني والثاني سياسي يكمن في دعم المملكة المغربية لتيار الإصلاحيين الحاكم في إيران، وتوفير بعض ظروف استمراريته في السلطة من خلال عملية التطبيع الدبلوماسي. خلفيات الدعم السياسي تعيد إلى الأذهان واقعة الملك الراحل الحسن الثاني مع شاه إيران، حين اعترف الأخير لملك المغرب أنها المرة الوحيدة التي دخل فيها طهران بدون سيارة مصفحة هي اللحظة التي كان يجلس فيها إلى جانب الملك الراحل، لمعرفته مسبقا بمكانة آل البيت في المغرب عند الشيعة في إيران. وهي الفكرة التي أكدها وزير الخارجية المغربية السابق، عبد اللطيف الفيلالي، حين روى في مذكراته كيف أن المرشد العام طلب منه عدم نزع حذائه أثناء الدخول عليه بخلاف باقي البعثات الدبلوماسية التي زارته في مجلس الإرشاد على هامش مؤتمر إسلامي. إمارة المؤمنين وولاية الفقيه علاقة بالجانب الديني، الذي يشكل أداة لتنشيط الدورة السياسية في مملكة إمارة المؤمنين كما في جمهورية «ولاية الفقيه»، فالمكانة التي يحظى بها أهل البيت في المغرب، قد تحفز المسؤولين الإيرانيين على إعطاء أولوية للتقارب مع الرباط، لما يجنيه من مكاسب سياسية بهوية دينية. غير أن الرباط لا تغامر بعلاقاتها مع الخليج من أجل علاقات دينية مع طهران، رغم أن الدين يشكل أحد مداخل السياسات الخارجية للرباط في علاقتها مع المحيط الإسلامي والإفريقي، فالمصالح العليا للتكتل المغربي الخليجي فوق اعتبارات المرجعيات الدينية نفسها. بالمقابل، لا يخفي توقيت التقارب المغربي الإيراني، رغم تزامنه مع التحرك العسكري ضد الحوثيين الموالين لإيران في اليمن، استمرار مؤشرات الخلاف بين الرباط وإيران، فالاتهامات التي وجهتها المملكة إلى الجمهورية الإيرانية، باستخدام سفارتها في الرباط، قاعدة لأنشطة التشيع في المغرب وبوابة تصديره نحو إفريقيا جنوب الصحراء، لم تسقط بالتقادم، ويبقى على الدبلوماسية الإيرانية إبراء ذمتها. إحسان الحافظي

المغرب في قلب الأزمة بين الرياض وطهران

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النمر... المعارض الشيعي

حجز سكين بابتدائية سلا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات