الإهمال يهدد منتزه “سيدي ربي” بابن سليمان

مدمنو الشيشا والخمور يفرضون قانونهم والأسر مجبرة على سلك حظر التجول داخل الغابة لم تعد عين الدخلة، ب»العذراء الهادئة»، ولا مضيافة، مبتسمة في وجه مرتاديها الذين يعدون بالآلاف أيام السبت والأحد، يحجون رفقة أسرهم وأقاربهم من كل مدن الجوار. فقد أضحت العين، أو منتزه «سيدي ربي» كما يحلو للبعض هنا تسميتها، مرتعا لمدمني الشيشة والمتسولين، تعاني التلوث بسبب رمي الأزبال ومواد البناء ومقالع الأحجار والحصى، علاوة على إتلاف آلاف الهكتارات الغابوية واستنزاف ثرواتها الحيوانية.قرويون يقتاتون من فتات السياحةخلف أغصان وجذوع يابسة لأشجار الفلين والأوكاليبتوس، بدأت ميلودة تنصب خيمتها الأسبوعية لبيع الحليب واللبن والماء والخبز القروي، توفر لزبائنها من سياح منطقة عين الدخلة بضواحي مدينة ابن سليمان، ما تيسر من راحة واستجمام وأباريق الشاي والقهوة. فطنت ميلودة إلى أن فصل الربيع قد حل وأن المنطقة السياحية العذراء لا شك ستفقد عذريتها ككل فصل ربيع بسبب الغزو البشري لمواقعها السياحية.لدى ميلودة الأرملة أثمان رمزية تيسر مقام السياح وتغنيها عن مد يديها للتسول أو الاسترزاق. وبجانب ميلودة نساء ورجال ينصبون بدورهم خياما للتجارة أو يمتهنون الحراسة، وأطفال يستعدون لقضاء النهار في التجوال على متن دوابهم، يعرضونها على السياح الذين يستهويهم ركوب الحمير والخيول.. قرويون يقتاتون من فتات السياح، كل يمتهن مهنته الأسبوعية لتوفير مدخول يضمن لأسرته حياة كريمة. تمتمت ميلودة قبل أن تهمس ل»الصباح»: «للأسف قل السياح وكثر المنحرفون والشباب الذين يقضون يومهم في معاقرة الخمر وتناول المخدرات والشيشا رفقة المومسات».الشيشة والخمور تغزو المنتزهعكس ما كنا نعرف عن شباب يلجون المنتزه راجلين أو راكبين دراجات هوائية أو عربات مجرورة بالخيول والدواب بهدف الترفيه والتسلية، شباب ما إن تطأ أرجلهم المنتزه حتى يبدؤون في التسابق من أجل ولوج غار العين المتواجد في قمة أحد الجبال، أو ممارسة بعض الرياضات الجماعية أو الفردية كتسلق الجبال أو العدو.فعلى طول المسالك والممرات المؤدية إلى بعض المواقع المميزة للمنتزه، وجدنا خياما لشباب وأطفال بعيون شاحبة، منهمكين في التناوب على شرب الشيشا، وبعضهم يعد «الكانون» حيث تزف «الكوامل» و»الطواجن» على مهل إلى أن تسوى العقول بدخان الشيشا المتنوع «شيشا المخدرات والطابا..»، فيما كانت تصب كؤوس الخمر في خيمات أخرى وتحت ظلال أشجار الفلين.. شباب همهم الوحيد هو التحرش الجنسي بالفتيات دون احترام لأسرهن.هنا صراخ مهول لشباب وجدوا ضالتهم في بلوغ رأس جبل ما، ولكي يلفتوا الأنظار كان لابد أن يتلفظوا بكلمات نابية ويصبوا انحرافهم على الأسر في سفوح الجبال. وهناك آخرون، بعد أن لعبت الخمر بعقولهم، فضلوا التجوال مع قنيناتهم البلاستيكية والزجاجية، عابثين بكل ما صادفهم. وغير بعيد عن كل هذا هناك ملاسنات بين مجموعات من الشباب تتحول إلى تشابك بالأيادي والتقاذف بالقنينات الفارغة والعصي، لتتحول المنطقة إلى أرض معركة، أعلن إثرها حظر التجول لدقائق، فيما بدأت الأسر في الدعاء بالسلامة و»الله يخرج العاقبة على خير». انعدام الأمن والسلامة بالمنتزهقد تقوم بعملية مسح كاملة لأزيد من ألفي هكتار، وهي المساحة التقديرية للمنتزه، ولن تجد بين الأسر والشباب فردا من أفراد القوات المساعدة أو الدرك الملكي أو حتى عون سلطة، فباستثناء دورية للدرك الملكي اتخذت لها مكان بعيدا من المنتزه لمراقبة مستعملي الطريق بين المنتزه ومدينة ابن سليمان، فإن كل القوافل البشرية والجمعيات والمؤسسات التعليمية وغيرها من الوفود السياحية التي تحج إلى المنتزه تكون تحت رحمة «المنحرفين» و»المتسولين» وبعض الأشخاص الذين يطالبون بمقابل بعض الخدمات يرغمون الناس على طلبها.وزاد من استياء السياح وجودهم خارج تغطية الهاتف المحمول، وانعدام موارد مائية كافية رغم أن المنطقة تحمل اسم عين الدخلة، إحدى العيون الكبيرة بالإقليم.السياح طالبوا ببناء مركز أمني بالمنطقة، وإنجاز جسور صغيرة ولو خشبية لقطع الأودية الصغيرة عوض عملية العبور العشوائية التي يتأذى منها الناس.فإذا أردت تجاوز أحد الأودية التي تجري وسط المنتزه وبلوغ أهم فضاء به، فأنت أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تؤدي درهما واحدا لمجموعة أشخاص فيتركونك تقطع الوادي فوق مجموعة أخشاب، أو تؤدي خمسة دراهم لأحد الأطفال أو الفتيات الذين سيقلونك على متن دابة مسافة ثلاثة أمتار، وإلا فعليك العودة من حيث أتيت سالما معافى، وقد تنال نصيبك من الشتائم.منتزه «سيدي ربي» في طريقه إلى الانقراض«لم يكن لأحد أو جهة الفضل في وجود منتزه عين الدخلة»، قال أحد مرتادي المنتزه، مضيفا «إنه منتزه سيدي ربي، ولا أحد فكر في تهيئته ليكون في مستوى السياح الذين يلجون إليه كل فصل ربيع، غير أنه للأسف اليد البشرية تعبث به وسوف يختفي مع توالي الأيام». المنتزه تابع للمياه والغابات ويقع تحت نفوذ جماعة عين تيزغة أغنى جماعة قروية بالإقليم، ومسؤولو الجماعة يؤكدون أنهم قدموا عدة مشاريع سياحية بهدف تغيير وجهة المنطقة، وأن منتزه عين الدخلة كان وما يزال من بين المناطق السياحية المهمة التي يأملون تنميتها وجعلها منتزها عصريا بمقومات طبيعية، لكن المنطقة تابعة لتراب إدارة المياه والغابات فلا الجماعة تنقصها الإمكانيات المالية ولا المديرية تعارض على تهيئة المنتزه واعتماد سياحة منظمة، كما أن المعارضة داخل المجلس الجماعي تعتبر أن المكتب المسير يتحمل مسؤولية تدهور المنطقة، في إشارة إلى التراخيص التي تمنح لإنجاز العشرات من مقالع الأحجار والحصى التي أتلفت آلاف الهكتارات الغابوية والفلاحية (أزيد من 17 مقلع)، لكن انعدام المراقبة الأمنية حول المنطقة إلى مطرح للأزبال وقنينات الخمر.موظف بمديرية المياه والغابات بإقليم ابن سليمان أكد أن المكتب السابق لجماعة عين تيزغة سبق أن وضع مشروعا سياحيا بالمنطقة، وانتظر موافقة مسؤولي المياه والغابات من أجل تفعيل مسطرة الاحتلال المؤقت دون جدوى، مشيرا إلى أنه «لم يسبق للمكتب المسير الحالي للجماعة أن تقدم بأي مشروع سياحي للمنطقة».ويمتهن سكان المنطقة، من نساء وأطفال وشيوخ وشباب مهنا موسمية، فالنساء والفتيات يبعن الحليب واللبن والشاي و»السيكوك» والخبز، وبعضهن يستأجرن رفقة الأطفال الدواب للتجول أو قطع الوادي، فيما جلب شباب المنطقة بعض مواد التغذية ومشتقات الحليب يعرضونه على الراغبين من مرتادي المنتزه الذين غالبا ما يجلبون كل ما يحتاجونه معهم. المنتزه قبلة للطلبة والباحثينإن أبرز ما يتداوله سكان المنطقة والجوار، يصب في أن المنطقة ذات تاريخ وتراث عميق، وأنه قبل حوالي 11 سنة، حل بالمنطقة وفد من الطلبة والباحثين مغاربة وأجانب من إحدى الجامعات بالرباط، استقروا بالمنطقة لأزيد من أسبوعين بعد أن أقاموا الخيام، وجردوا إثرها المنطقة من عدة هياكل عظمية بشرية وعتاد قديم، وكانت المجموعة الباحثة محتضنة من طرف جماعة عين تيزغة، وتساءلوا أين تم وضع تلك الآثارات، وما نتيجة أبحاث الطلبة والباحثين.وتبقى المنطقة المعروفة لدى طلبة وتلاميذ الجيولوجيا وعلوم الحياة والأرض، إذ تلجها مجموعات تنتمي إلى مؤسسات تعليمية عمومية وخاصة من عدة مدن مغربية. وتعتبر مغارة (صخرة الشلح) التابعة لتراب إقليم ابن سليمان، وكهف (البارود) في الطرف الثاني من الوادي الذي يمر وسط المنطقة، والتابع لتراب إقليم الصخيرات تمارة، أهم النقط السياحية التي تعرف سياحة ثقافية وترفيهية، ويتعرف السياح على أنواع كثيرة من الأحجار والنباتات النادرة. أطفال يسبحون في البرك المائيةيستقبل المنتزه المئات من الأطفال، يركضون هنا وهناك، يلعبون بين الحفر والمسالك، في غياب أدنى متابعة صحية، أو إسعافات أولية. منتزه بدون ممرض أو طبيب أو سيارة إسعاف، رغم أن معظم السياح يأتون وفي نيتهم ممارسة بعض الرياضات وتحدي الغابة و مسالكها. وأطفال آخرون اختاروا السباحة في الوادي أو في البرك المائية المجاورة دون أدنى إحساس بخطورة السباحة في المياه الراكدة. بوشعيب الحمراوي (بنسليمان)

الإهمال يهدد منتزه “سيدي ربي” بابن سليمان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تردي البنية التحتية بالمنطقة الصناعية لتصبير السمك بآسفي

العاهل الأردني يدعو إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات