روح السلام…المخترع الإطفائي

فاز بعدة جوائز عن اختراع سيحد من 15 ألف حريق يندلع سنويا بأمريكا بسبب آلات تجفيف الغسيل لو كانت مجرد حماسة، لنجحت العراقيل، التي انتصبت أمام المخترع المغربي آدم روح السلام، في إطفائها بنَفَس واحد، لكن المغربي الذي رفع العلم الوطني في أكبر المعارض الدولية للاختراعات، بالولايات المتحدة الأمريكية، يتسلح بإرادة قوية، تزوده بطاقة أمل كبيرة ينثرها على كل من يلتقيه، ويحقنها في الآخرين بعبارات يعجز السياسيون المغاربة عن صناعتها، وبالتالي صناعة الأمل في نفوس الشباب. إنجاز: ضحى زين الدين لأنها ليست مجرد حماسة، فالمخترع، يسابق الزمن، ليقنع بعض وزراء حكومة بنكيران، الذين وضع على مكاتبهم مشروعا يهدف من خلاله إلى تطوير طاقات الشباب، وفتح آفاق جديدة أمامهم، مشروع يجسد مقولته المفضلة «أجمل ما في هندسة الحياة: أن تبني جسرا من التفاؤل على بحر من اليأس». «هي الجسور التي كنت أحتاج إليها في بلادي، فحين هاجرت إلى أمريكا، قضيت السنتين الأوليين في تيه، امتهنت عدة مهن، قبل أن أهتدي إلى طريقي، وعدت الآن حاملا خبرتي وأسعى لتكوين آلاف الشباب في عدة مهن مرتبطة بالعمل في الخارج وذلك بالمجان». عراقيلقد تكون سلة المهملات هي مصير المشروع الذي وضعه آدم روح السلام في ست وزارات، كغيرها من المشاريع التي يحملها الناجحون في ديار المهجر، ويلفونها بعناية في قطعة من نجاحاتهم في الخارج، ليبثوا فيها روح التفوق، قد يكون هذا هو مصير مشروع آدم في البلاد التي أنجبته، إلا أن مشروعه الثاني، في البلاد التي نمت موهبته، يخطو خطوات ثابتة نحو التحقق، بعد أن وضعه سياسيون أمريكيون، على مائدة نقاش لدراسة جميع الإمكانيات لشرعنة قانون جديد تتعمم من خلاله الفائدة على جميع الأمريكيين، وليست فئة بعينها. «اخترعت نظاما سيجنب شركات التأمين الأمريكية ملايير الدولارات التي تصرفها سنويا لضحايا الحرائق والشركات وغيرها من الفئات المتضررة من الحرائق التي تشتعل بالآلاف سنويا بسبب آلات التجفيف المركبة في آلات التصبين، وهو مشكل يؤرق أغلب دول العالم». ولع حكاية الاختراع الذي سيتحول إلى رحم قانون جديد في أمريكا، نسجت تفاصيلها في ولع آدم ابن الحي المحمدي بالبيضاء، بالاختراعات «كنت مولعا من الصغر بإصلاح التجهيزات المنزلية، وغيرها، وأحاول إيجاد حل لأي مشكل في أي جهاز، وبعدما كبرت نما في دواخلي هذا الولع، لذلك تسجلت في معهد للإلكترونيات، وبعد سنتين تخرجت منه وعملت في شركة فرنسية ألمانية بالدار البيضاء».لم يتوقف آدم عن محاولاته، وعن تطوير مهاراته في إصلاح التجهيزات، «كان رئيسي في العمل فرنسيا، وحين كانت أي مشكلة تعترضه في العمل، يطلب مني إيجاد الحل، إلا أنه كان يحتفظ لنفسه بمحصول مجهوداتي، لذلك أحسست ب»الحكرة»، فأخبرت مدير الشركة، كما طلبت منه أن يحسب عملي لي وحدي».أبدع آدم في عمله، وبذل جهدا لفهم كل المشاكل المتعلقة بهذا الجهاز وذاك، وأوجد لأكثر معادلاتها تعقيدا الحل المناسب، غير أنه «حلت مرحلة شعرت فيها أنني أسقط في هاوية التكرار، أو أنني لامست الحد الأقصى في التعلم مما هو متاح في الشركة، وكان علي أن أبحث عن فرصة أخرى أطور فيها مهاراتي، بحثت واكتشفت أن الآفاق في هذا المجال مسدودة».هاجر آدم سنة 2000، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأمله أن ينعش ولعه بمجال الاختراع في مجال التقنيات، «لم أكن أتقن آنذاك الإنجليزية، لذلك اضطررت في السنتين الأوليين إلى العمل في أي شيء، وطبعا الدراسة». بعد تمكنه من اللغة الإنجليزية، حصل آدم على فرصته في العمل الذي هاجر من أجله، «هناك تجد باب المعرفة مفتوحا، والدعوة موجهة إلى الجميع، أما في بلادنا فالأفق في هذا المجال مغلق بعدة مفاتيح» يقول آدم متحسرا. جنونلم يكن آدم من النوع الذي يقبر نفسه في مكان عمل واحد، بل راودته ذات لحظة فكرة مجنونة، بتأسيس شركة خاصة به، «كنت مارا بسيارتي ذات يوم، وإذا بي أرى مكاتب إدارية موضوعة جانبا لمن يريدها بالمجان، حملتها إلى بيتي، ومن هنا انطلقت فكرة تأسيس شركتي الأولى». في ظرف قياسي حقق آدم نجاحا في عمله، وتمكن من تشغيل 31 مستخدما، «في الولايات المتحدة الأمريكية، يكفي أن تتسلح بالطموح والفكرة الجيدة لتحقق النجاح، إذ في بضع ساعات تتمكن من تأسيس شركتك، ولا تواجه العراقيل التي تنتصب أمامك في بلادك، ومن أهم الخطوات في إنجاح الشركة هي الصورة والانطباع اللذان تتركهما عند الناس في النظرة الأولى، فإن قمت بمغامرة من هذا الحجم، عليك أن تختار موقعا جيدا للشركة، وأن تقتني سيارة فاخرة، وتشغل سكرتيرة أنيقة، لتعطي فكرة جيدة عن عملك».كأنه زر إنارة، يستنير وجه آدم، عندما يواجه سؤال نجاحاته في الخارج، وسرعان ما ينطفئ ويتحول إلى عتمة وعبارات أسف حين يتحدث عن مشاريعه في المغرب، «بين عشية وضحاها أصبحت من رجال الأعمال في أمريكا، وحققت شركتي نجاحا كبيرا إلى درجة دفعت المنافسين في الشركات الكبرى إلى تقديم عرض سخي لاحتواء شركتي وضمها إلى شركاتهم».قبل آدم بالعرض، وحقق عائدا وربحا كبيرين، من ذلك، لتنفتح شهيته للتفوق والنجاح، «فتحت شركة ثانية وثالثة، وكل واحدة كانت تحقق النجاح، أفوتها إلى من يعرض أكثر، ويحتضنها، قبل أن يؤسس شركة تهتم بمواكبة المقاولات وأرباب العمل بالسعي نحو إيجاد الحلول المناسبة في المجال الصناعي والمهني واستثمار الطاقات البشرية».لم تكن هذه الشركات إلا جسورا عبرها آدم إلى النجاح المالي، وبقي يشعر بأن نجاحه يرفرف بجناح واحد، «كنت أسير شركة للتجهيزات المنزلية، وبدأت أشتغل في الولايات الأمريكية وفي المكسيك، وذات ليلة وردني اتصال هاتفي من أحد العاملين في شركتي، ليخبرني أن حريقا شب في بيت زبون وأن آلة التصبين التي بعناه إياها تسببت في الحريق».غادر آدم فراش نومه، والتحق بالبيت الذي شب فيه الحريق، «كأنني وجدت ضالتي يومها، أصبح تفكيري وهدفي كله يصب في نقطة واحدة وهي إيجاد حل للحرائق التي تندلع بسبب آلات تجفيف الملابس».أجرى آدم بحثا عن أسباب اندلاع النيران، وصادف وهو يبحث في الشبكة العنكبوتية قصص أسر خسرت بعض أفرادها في هذه الحرائق، ليكتشف أن 15 ألف حريق يندلع سنويا في أمريكا لهذا السبب، كما يلقى ما بين 15 و20 شخصا مصرعهم في هذه الحوادث بسبب آلات تجفيف الملابس، وتدفع بسببها شركات التأمين 100 مليار دولار. كانت هذه المآسي سببا كافيا ليعتكف المخترع المغربي، في مستودعه، وينكب على دراسة الحل، «كلفني ذلك غلافا ماليا كبيرا، ولم يهمني ذلك فهدفي الأسمى هو أن أخترع نظاما ينهي هذا المشكل بصفة نهائية».«سر النجاح على الدوام هو أن تسير إلى الأمام»، وتلك كانت جائزة تعب الليالي التي قضاها آدم ساهرا وهو يبحث عن حل، «نجحت، نجحت، نجحت...» كسر صدى هذه الكلمة الناضجة بالمشاعر، مستودع آدم ذات ليلة، بعد أن وصل إلى الاختراع الذي سيضع حدا لطيف الحرائق، الذي يؤرق عدة دول، «النظام الذي توصلت إليه لا يحل مشكل حرائق آلات التصبين، بل أيضا السيارات والمكيفات وهو نظام يشتغل بطريقة آمنة». رغم أن العروض انهالت على المخترع المغربي، للتخلي عن اختراع لفائدة كبريات شركات تصنيع المعدات والتجهيزات المنزلية، إلا أن طموح آدم روح السلام أكبر من تسويق باكورة اختراعاته باسم هذه الشركة أو تلك، «حلمي أن يصبح هذا النظام حاضرا بطريقة إجبارية في كل المعدات التي تتسبب في الحرائق، وقد استقبلني سياسيون أمريكيون وأعجبوا بالمنتوج، وهم حاليا بصدد دراسة إمكانية تحويله إلى مشروع قانون يقدمونه للتصويت، ليصبح ملزما لكل شركة باعتماده، وذلك لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح، وللحد من نزيف الحرائق».لم يكن الفوز بالجوائز في معارض دولية هو اليد التي فتحت للمخترع المغربي أبواب كبار المسؤولين الأمريكيين، بل فكرته اللامعة، واختراعه، فيما اعترضه عند عتبة ست وزارات مغربية كلب اللامبالاة مهددا بنهشه إذا ما اقترب أكثر.

روح السلام…المخترع الإطفائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التعدد الديني... وهم التعايش

جرائم المدن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات