الدم…الحرب المقبلة

الدولة تدق ناقوس الخطر وتراهن على أريحية المواطنين وقوافل منتظمة لرفع المخزون في وقت ترتفع فيه الاحتياجات إلى الدم بمعدل 22 في المائة سنويا، ولا يتزايد فيه حجم التبرعات سوى بـ 6 في المائة منذ 2012، استنفرت وزارة الصحة أجهزتها للتخفيف من نقص مخزون الدم بعدد من المستشفيات، وأطلقت قافلة وطنية لجمع 4500 كيس دم، على مستوى خمس جهات. وتقربكم "الصباح" من خلال هذا الربورتاج، من وضع هذه المادة الحيوية داخل مراكز تحاقن الدم، ومن المسار الذي تأخذه انطلاقا من جسم المتبرع وصولا إلى المستعجلات والمستشفيات، بالإضافة إلى عمليات التقسيم التي تخضع لها، ومدة صلاحية كل مكون من مشتقات الدم، كما تطلعكم على المراحل التي يمر منها المتبرعون. إنجاز: عصام الناصيري - تصوير: (أحمد جرفي) حلت القافلة الوطنية للتبرع بالدم بالبيضاء بعدما أعطى أنس الدكالي، وزير الصحة المعين حديثا، انطلاقتها من الرباط، إذ حطت شاحنة التبرع رحالها بساحة "الدريسية". وعاينت "الصباح" إقبالا كبيرا من قبل المتبرعين، إذ كان بعضهم ينتظر دوره داخل الشاحنة، فيما كان آخرون ينتظرون خارجا في خيمة مقابلة لها، ويجلسون فوق كراس حمراء، ويترقبون خروج أحد المتبرعين للحلول مكانه، إذ يصعدون درج الشاحنة، ويجدون ممرضة شابة في استقبالهم، تتأكد من رغبتهم في التبرع، وتعرضهم على طبيب عهد له بإجراء اختبار طبي للمتطوعين، للتأكد من سلامتهم الصحية قبل مرورهم إلى مرحلة أخذ الدم. معادلة صعبة لعل أكثر الصعوبات التي تواجهها مستشفيات المملكة، هي انخفاض مخزون الدم بين الفينة والأخرى، خصوصا في الأعياد والمناسبات، والعطل المدرسية، وفصل الصيف، إذ يتقلص حجم المتبرعين، ما يضع عددا من الأطر الطبية في حرج كبير، إذ يعجزون على إسعاف المرضى، والحالات الحرجة التي تستقبلها المستعجلات، وسبب ذلك أن الدم مادة لا تصنع داخل المختبرات، بل يظل المتبرعون مصدرها الوحيد. وتكمن صعوبة معادلة الدم ومشتقاته، في ضرورة توفر ثلاثة شروط أساسية، وهي المخزون الكافي، الذي يستجيب لمعايير دقيقة من الجودة، بالإضافة إلى تحدي توفير هذين الشرطين في الوقت المناسب، إذ هناك حالات مستعجلة لا تقبل الانتظار. ويقول محمد المريني، الطبيب المشرف على قافلة التبرع بالدم في البيضاء، "إن الهدف من هذه الحملة هو حل معادلة صعبة تتمثل في كيفية توفير أكياس الدم باستمرار وبصفة يومية بكميات كافية تحترم معايير الجودة والسلامة وفي الوقت المناسب". ويضيف المريني أن عدد المتبرعين يرتفع كل سنة بمعدل 6 بالمائة، مقابل تزايد الحاجيات بـ 22 بالمائة سنويا، ما يوضح أن هناك خللا في الموازين، ويتوجب التدخل لأجل تدارك النقص في المخزون. وأوضح أن الدم ومشتقاته يستعمل في حالتين أساسيتين، هما في بعض الأمراض التي يكون فيها الدم جزءا من الحل، والتي تكون خارج إطار الاستعجال، وبالمقابل هناك حالات تستوجب توفير أكياس الدم في وقت محدد، وغالبا تكون في المستعجلات، مثل الأشخاص الذين يتعرضون لحوادث السير، أو النساء اللائي مررن من ولادة عسيرة وكن في حاجة ماسة للدم. حماس المتبرعين حمست شاحنة التبرع بالدم عددا من المتطوعين، وكان بينهم من انتظر طويلا استجابة للنداء. إذ عاينت "الصباح" حماسا كبيرا خصوصا لدى الشباب، الذين كانوا يمرون بجانب الشاحنة، إذ بمجرد رؤيتهم لها، يقصدون خيمة الانتظار، وكان جلهم يجلس منتظرا دوره. وعاينت "الصباح" توجسا وترددا لدى البعض، الذين كانوا يأتون لتفقد الأوضاع، إذ لا يجدون من يتحدث إليهم، لأن الممرضة التي تستقبل المتطوعين توجد داخل الشاحنة، فكان بعضهم يغادر لغياب من يرشده، رغم الحماس الذي يبديه بداية حلوله بالمكان. وقال شاب، ذو بشرة سمراء، يبدو أنه في عقده الثاني "واش هنا كيعطيو الدم، بغينا نعرفو غير الفصيلة ديالنا"، مضيفا "هادشي عامر ولكن نتسناو شوية". وفي الوقت الذي كانت فيه خيمة الانتظار مليئة بالشباب، دخلت امرأة تبدو في عقدها الخامس، كانت ترتدي لباس "حق الله" الأبيض، وتضع قفازين أبيضين، وانزوت في ركن الخيمة منتظرة دورها للتبرع. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين لم يكن بإمكانهم الانتظار فكانوا يسألون عن تاريخ نهاية الحملة، إذ قال ثلاثيني كان يرتدي لباسا رسميا، ويحمل حقيبة سوداء، "بغيت نتبرع ولكن ممساليش دبا، حتى نرجع غذا". ومن جانبه أكد الطبيب المشرف على القافلة، أنه لاحظ إقبالا كبيرا من قبل المواطنين على التبرع قائلا، "لاحظنا إقبالا عفويا، إذ هناك من يحضر إلى خيمة الانتظار قبل التاسعة"، مضيفا "النهار الثاني جاو قبل الوقت، وهذا يظهر أن المواطنين لديهم ثقافة التبرع، وينتظرون فقط مثل هذه القافلات". وحدات متنقلة يقول محمد المريني، إن استقبال المتبرعين عبر تراب المملكة، سواء في المراكز الجهوية لتحاقن الدم، أو في قافلات التبرع، ينضبط لمراحل محددة ومضبوطة، وتستجيب لمعايير السلامة، سواء تعلق الأمر بصحة المتبرع أو المتبرع له. مضيفا "نحن في المركز الجهوي بالبيضاء، الذي يقع قرب المستشفى الجامعي عبد الرحيم الهاروشي للأطفال، بشارع الزرقطوني، نفتح أبوابنا أمام المتطوعين بصفة يومية، من التاسعة صباحا إلى حدود السادسة مساء"، موضحا أن المركز يتوفر على وحدة تابعة له بساحة الأمم المتحدة، كما أن المركز يعمل وفق إستراتيجية ثابتة، متمثلة في وحدتين متنقلتين، عهد إليهما بزيارة مجموعة من المؤسسات الخاصة والعمومية الشريكة للمركز، من قبل المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين المهني والجامعات والشركات الخاصة، من أجل جمع التبرعات. وأما بالنسبة إلى يوم الجمعة فتقصد هاتان الوحدتان المساجد في فترة ما بعد صلاة العصر إلى حدود صلاة العشاء، وذلك وفق شراكة تجمع المركز بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين. وأما بالنسبة إلى المراحل التي يمر منها المتطوع خلال عملية التبرع، فيوضح المريني، المكلف بالتحسيس والوحدات المتنقلة، "نستقبل المواطنين إما داخل المراكز الثابتة أو في القوافل المتنقلة، وهم إما متطوعون جاؤوا من تلقاء أنفسهم أو تلبية لطلب أحد مقربيهم الذي يكون في حاجة إلى الدم، ونقوم باستقبالهم وتسجيل هوياتهم على الحاسوب"، مضيفا "بعد ذلك يعرضون على طبيب يقيس ضغطهم، ويناقش معهم تاريخهم الصحي، بمعنى الأمراض التي سبق وأصيبوا بها، أو العمليات الجراحية التي أجروها، والتحقيق من عدم إصابتهم بمرض معين أو أنهم يداومون على دواء معين"، معتبرا أن الهدف من هذه المقابلة الطبية هو الحرص على سلامة المتطوع والمتبرع له، كما أن الطبيب يقرر بعد الاختبار السماح للشخص بالتبرع إذا كان سليما صحيا، أو أنه يشكره على مبادرته ويخبره بأن وضعه الصحي لا يسمح له بالتبرع. وتلي هاتان الخطوتان، مرحلة التبرع أو أخذ الدم، التي تدوم حوالي ثماني دقائق، ويشرف عليها ممرضون استفادوا من تكوين خاص في مجال تحاقن الدم، ويستعملون أدوات معقمة مائة بالمائة، ويشدد المريني على أنه لا يمكن التشكيك لوهلة في جودة الأدوات الموظفة في أخذ الدم، لأن الأمر متعلق بصحة أشخاص متطوعين، مؤكدا أنها تستعمل مرة واحدة فقط. وبعد ذلك تأتي مرحلة الوجبة الغذائية التي من شأنها تعويض الشخص على المجهود الذي قام به، مؤكدا أنه بعد 24 ساعة يمكن للمتبرع الاستفادة من مجموعة من التحاليل، مثل تحليلة السيدا والزهري أو السفلس، والالتهاب الكبدي (ب و س)، وأنزيمات الكبد. "مجرى الدم" بعد أخذ الدم من المتبرعين، يتخذ مسارا طويلا قبل أن يصل إلى جسم المرضى، إذ يخضع إلى تقسيم مكوناته، واستخراج مشتقاته، إذ يحفظ كل مكون لوحده، لأن مدة صلاحية كل مكون تختلف عن الأخرى، ويقول الدكتور المريني " يخضع الدم لمجموعة من العمليات داخل المختبرات، ومن بين هذه المراحل المخبرية التفرقة بين مكوناته، إذ نفصل البلازما أو المصل عن الكريات الحمراء وعن الصفائح الدموية"، موضحا أن "كل مكون لديه مدة صلاحية، والتكنولوجيا الطبية اليوم عبر العالم تسمح بالاحتفاظ على الصفائح لمدة خمسة أيام فقط، والكريات الحمراء يحتفظ بها مدة 42 يوما، أما البلازما فيمكن الاحتفاظ بها سنة كاملة". وشدد المتحدث ذاته على أن الإشكال المرتبط بالصفائح الدموية هو مدة صلاحيتها القصيرة، أما الكريات الحمراء فرغم أنه يمكن الاحتفاظ بها مدة أطول، إلا أنها تنفد بسرعة نظرا لحجم الطلب عليها، والمغرب يراهن على رفع مخزونه إلى كميات كافية لسد حاجيات المستشفيات، الذي حدد في 7 أيام". وقبل إطلاق الحملة دق المركز الوطني لتحاقن الدم ناقوس الخطر، نتيجة انخفاض المخزون إلى 5 أيام، ما يستوجب التدخل لإنقاذ الوضع. وأضاف المريني، أن بالبيضاء والرباط تشكلان حالة استثنائية في انخفاض مخزون الدم، وذلك راجع إلى تركز أغلب المؤسسات الاستشفائية بهما، وكذا أغلب التخصصات الطبية، مثل جراحة القلب والأنكولوجيا وتصفية الدم، ما يرفع معدل الاستهلاك مقارنة بباقي الجهات، بالإضافة إلى أن بعض الأشخاص يأتون من مدن أخرى من أجل العلاج بالبيضاء أو الرباط.

الدم…الحرب المقبلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بوريطة يكشف ما دار بينه وبين كولر بلشبونة

وسائل للعلاج دون جراحة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات