هوس الألعاب الإلكترونية…المتعة المكلفة

المتاجر الكبرى أنهت احتكار "درب غلف" وأسعار تبدأ من 360 درهما لتتجاوز 7000 درهم تفتح وعي البيضاويين على ريادة سوق "درب غلف"في التكنولوجيات الحديثة، حين اشتهرت براريكه المتهالكة بداية التسعينات بتسويقها للألعاب الإلكترونية، المعروفة آنذاك بـ"الآثاري"أو "التيلي جوه".أجهزة إلكترونية ضخمة، سرعان ما صغر حجمها، تحوي ألعابا محدودة العدد، مسجلة في قرص تخزين داخلي، قبل أن تظهر في تطور لاحق، ألعاب مدمجة إضافية، في رقائق إلكترونية وأقراص مدمجة. سقط الصبية والشباب صرعى الانبهار خلال تلك الفترة، بما تمنحه تلك الألعاب، على بساطتها، من أحاسيس ومشاعر إثارة، كونت جزءا من شخصياتهم، واقتطعت حيزا مهما من ذاكراتهم، لتخلق شريحة من "المهووسين"بالألعاب الإلكترونية، ظلوا زبناء أوفياء للسوق، ينفقون آلاف الدراهم شهريا لاقتناء أحدث الألعاب والأجهزة، قبل أن تقضي سنة التغيير على هذا الرواج، وتحوله إلى مساحات تجارية متخصصة، أكثر رقيا، أغلبها تحمل علامات شركات دولية "فرانشيز"، وتقدم لزبنائها أسعارا تنافسية مع ضمانات أكثر. إنجاز: بدر الدين عتيقي - تصوير: (أحمد جرفي) لم يكن محمود يدرك أنه سيتحول إلى مهووس بالألعاب الإلكترونية، حين داعبت أنامله أول لعبة جلبها والده إلى المنزل قبل سنوات. كبر الصبي ليصبح شابا، وبعد ذلك، متزوجا وأبا لطفلين، إلا أن جذوة الإثارة والمتعة لم تخمد لديه اتجاه الكائنات الرقمية والمغامرات المحبوكة، التي عاش معها منذ فترة صباه. أحكم الشاب الثلاثيني قبضته على يد طفله، خلال عبور الشارع في اتجاه سوق "درب غلف"، وعلامات القلق بادية على وجهه. عشرات الأسماء الغريبة تتقاذف ذهنه، تشير إلى لعب بعينها، والخوف من عدم توفرها في السوق يستبد به. لكن سرعان ما انتهت "معاناته"، حين رد البائع بالنفي ببرود. "اللعب التي ذكرتها غير متوفرة حاليا... يمكن تأمينها خلال أسبوع أو اثنين". لم يستسغ مدمن "البلاي ستايشن"و"الإكس بوكس"و"الوي" الأجوبة التي تلقفها بحنق، وقرر الانتقال مباشرة إلى وجهة أخرى. انتشار واسع تشير الساعة إلى العاشرة صباحا، من يوم صيفي حار، أجبر البعض على اللجوء إلى الشواطئ، فيما ألزم البعض الآخر منازلهم، لتقتصر تحركاتهم على أهم الأمور اليومية، في الوقت الذي فضل محمود، الذي يزاول عمله مهندسا في إحدى الشركات الخاصة بالدار البيضاء، ملاحقة رغبته في اقتناء ما يريد ويشتهي من الألعاب الإلكترونية، فقادته قدماه إلى محل "فيرجن ميغا ستور"في مركز التسوق "أنفا بالاص"بالبيضاء، حيث وجد ضالته بمجرد مطالعته لرفوف الألعاب بالمحل الأحمر، الذي يحمل علامة تجارية عالمية، ولجت السوق المغربي في 2010، وسرعان ما انتشرت في مدن مراكش والرباط. مضت الدقائق سريعا، وتناسى المهووس بالألعاب طفله، وهو يقلب ذات اليمين وذات الشمال رفوف الألعاب، قبل أن تنبهه إحدى العاملات في المتجر إلى الأمر، إلا أنه واصل بحثه غير عابئ بصراخ الطفل الذي استبد به الملل من طول مكوث والده في مكان واحد، إذ لم يسفر هذا البحث إلا عن نصف قائمة الألعاب المطلوبة، الأمر الذي فرض عليه طرق أبواب فضاء آخر. كساد "سوق السلك" عودة إلى "درب غلف"، حيث يغطي غبار وأتربة "سوق السلك"الشهير، أجهزة بآلاف الدراهم، تنتظر زبناء من نوع خاص. جولة بسيطة في المكان، تزرع فيك إحساسا بالغرابة، عبارات فرنسية وانجليزية، بل وحتى يابانية، تتداول بين الزوار، الذي يتحدثون في ما بينهم بحماس عن جديد عالم الألعاب الإلكترونية الفريد، وهي الخصوصية التي يعلق عليها فريد، 24 سنة، طالب جامعي، بالقول، "إن هواة الألعاب الإلكترونية، ارتبطوا في البداية بالشخصيات الكرتونية اليابانية، التي جذبتهم إلى عالم المغامرة، خصوصا أن الحكايات التي تتضمنها كل لعبة، تخلق في النفس أحاسيس واقعية من الحزن والأسى والفزع، والإثارة والذعر"، في الوقت الذي تشتكي هذه الفئة من الزبناء تناقص عدد التجار في السوق المذكور، ممن يسوقون أجهزة الألعاب الإلكترونية. عبد الرزاق، أحد التجار القلائل الذين ظلوا أوفياء لتجارة الألعاب، يؤكد أن السوق يصرف بين ألف و200 لعبة وألف و500 في السنة، من مختلف الأجيال، مع امتياز للجيل السابع الذي يظل الأكثر طلبا، يتعلق الأمر بـ"بلاي ستايشن 3"التي تحمل العلامة اليابانية "سوني"، و"إكس بوكس 360"من "ميكروسوفت"، وكذا "وي"من "نينتاندو". ويفسر التاجر سر تراجع إقبال التجار على بيع الألعاب الإلكترونية ومحتوياتها، بسبب تدني هامش الربح، وعجزهم عن منافسة المساحات التجارية الكبرى المتخصصة، مثل "فيرجين ميغا ستور"و"فناك"، ذلك أن ألعابا من الجيل الثامن، مثل "نيكست- غين"، و"بلايستيشن 4"، وكذا "إكس بوكس وان"، صدرت جميعها في نونبر 2013، في الوقت الذي صدرت "الوي"في نونبر من السنة التي سبقتها، لا تتوفر دكاكين "درب غلف"على ألعاب مقرصنة لها. كما أن الأسعار المعروضة ترجح كفة المساحات التجارية المختصة دائما، إذ أظهرت مبيعات "فيرجين"مثلا، تطورا مهما بزائد 30 % خلال السنة الماضية. ويمثل حسين، تاجر ألعاب آخر، تجمع لديه ما تفرق لدى غيره، صورة أخرى لهجرة "شعب الألعاب الإلكترونية"نحو المتاجر المتخصصة، ذلك أنه يبيع أقراص الألعاب الجديدة بأسعار عالية، ويمتنع عن كشف مصدر بضاعته لأي أحد لاعتبارات تنافسية، إلا أن ضجيج السوق يشير إلى تعامله مع موزع من شمال المملكة، يتاجر في الأجهزة وألعابها المقرصنة، المهربة تحديدا من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، غير أن هواة الألعاب يفضلون في النهاية، اقتناء منتوجاتهم من الفضاءات المهيكلة، من أجل ضمان الجودة والاستفادة من سعر يقارب الموجود في السوق غير المهيكل. شعب الألعاب الإلكترونية ينتقل محمود بسيارته، بعد زيارته لفضاءين لبيع الألعاب الإلكترونية دون أن يدرك غايته تماما، إلى "فناك"، ليقصد مباشرة ركن الألعاب الإلكترونية. يبادره أحد العاملين بالسؤال عن حاجته، ليرد عليه بحنق متسائلا، "ماذا لديكم من جديد؟"، في إشارة إلى عدم رضاه عن الألعاب المعروضة، وتأخر المتجر في تحيين بضاعته، بعد أن اطلع على أحدثها عبر الأنترنت. للإشارة فإن الشبكة العنكبوتية، تعتبر فضاء لقاء مهووسي الألعاب الإلكترونية من مختلف مناطق العالم، يتواصلون عبر مواقع إلكترونية ومنتديات خاصة بهم، ويتبادلون الخبرات والمعلومات في ما بينهم، يتعلق الأمر بمجتمع كبير، لا يعترف بالجنسية أو اللغة، أو حتى العرق أو الدين. لا مجال لمواصلة البحث اليوم، بعد "التيقن" من عدم وجود الألعاب المرجوة. خيبة الأمل تعلو محيا اللاعب المحترف، إلا أن مكالمة هاتفية مفاجئة، أنقذت يومه من الضياع، حين اتصل به شريك في الهوس من فرنسا، يؤكد احتفاظه بألعاب جديدة له، حين زيارته لفرنسا. انفرجت أسارير محمود، وبادره بالسؤال عن وجود ألعاب معينة، ليرد عليه بالإيجاب، ما رفع درجة سعادته. في مجتمع الألعاب الإلكترونية، يعتبر التعاون والتضامن، قيمة مشتركة لدى اللاعبين، وهي الروابط التي تقوت من خلال ظهور مواقع ألعاب الأنترنت، التي تتيح للاعبين من مناطق مختلفة من العالم، حتى وإن كانوا لا يعرفون بعضهم البعض شخصيا، المشاركة في لعبة واحدة عن بعد. المتاجر تربح حرب الأسعار استطاعت المتاجر المتخصصة كسب حرب الأسعار في منافستها لدكاكين "درب غلف" وغيرها من نقط البيع غير المهيكلة، إذ تعرض متاجر "فيرجين ميغا ستور" مثلا، أجهزة "إكس بوكس وان"، خارج العروض الترويجية الخاصة، بسعر ستة آلاف و590 درهما، ولعبة "بلاي ستايشن 4" بسعر أربعة آلاف و990 درهما، وكذا "الوي" بسعر ثلاثة آلاف و290 درهما، وهي اللعب التي تباع بصيغتها الأساسية دون إضافة، مرفقة مع لعبة مدمجة، فيما تسوق أجهزة "بلاي ستايشن 3" بسعر يتراوح بين ألف و990 درهما وألف وألفين و990، حسب قدراتها الاستعابية، أما "إكس بوكس" من الجيل السباق، فالسعر المقترح يتأرجح بين 360 درهما وألفا و990 بالنسبة إلى النسخة الأساسية، ويرتفع المبلغ إلى أربعة آلاف و590 درهما بالنسبة إلى الباقة، التي تضم إضافات وألعاب مرفقة. وتظهر المؤشرات التجارية لسوق أجهزة الألعاب الإلكترونية، استحواذ "بلاي ستايشن" على 60 % من مبيعات الأجهزة في النقط المهيكلة وغير المهيكلة، متبوعة بـ"إكس بوكس"بنسبة 35 %، و"الوي"بـ5 %، علما أن الأجهزة الأولى تمثل فرصة تجارية مربحة للمهربين، الذي يجلبون كميات محدودة من الخارج، لتسويقها في السوق المحلي، إلا أن إدارات "فريجين ميغا ستور"أو "فناك"تقلل من حجم هذه الأجهزة في السوق، إذ تراهن على ثقة الزبناء في متانة الجهاز والضمان المرفق به في حال العطب، عند شرائه من متجر متخصص، كما أن سعر ألعاب مرفقة بهذه الأجهزة مثل، "فيفا"و"بي أو إس"وكال "أوف ديوتي"، وكذا "باتلفيلد أوف جي تي أي"، التي تسوق بسعر يوازي 700 درهم في أسواق أوربا الغربية، تباع بسعر 850 درهما في المتاجر المتخصصة بالمغرب، وبالتالي فأي منافسة على السعر تكون دائما لصالح هذه المتاجر.

هوس الألعاب الإلكترونية…المتعة المكلفة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"لا سويدي لا سويدية الصحراء مغربية"

سجن 28 من مشاغبي "ديربي الشمال"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات