المخدرات الرقمية… “التبويقة على النت”

مقاطع موسيقية تحاكي المخدرات الحقيقية والمهيجات الجنسية ومنشطات خاصة بالرياضة اخترعت المخدرات الرقمية في أواخر القرن 19 لعلاج حالات نفسية للمصابين بأعراض الاكتئاب الخفيف، على يد عالم ألماني، سيما أن هذا القرن وصف بعصر «السنموفونيات الخالدة»، لكن مع تطور التكنولوجيا، حرف دورها العلاجي وأصبحت تستغل في التخدير، بعد إدخال تعديلات عليها. المثير في هذا الملف، أن مخترعيها، نجحوا في محاكاة كل أنواع المخدرات، من الكوكايين إلى الأقراص المهلوسة، بل نجحوا حتى في صنع المهيجات الجنسية ومنشطات خاصة بكمال الأجسام، ما جعلها تحظى بإقبال كبير من قبل شباب العالم، في حين وقف الأطباء وعلماء النفس وأمنيون حائرين أمام هذا الزحف التكنولوجي، ما دامت الأبحاث حول خطورتها ما زالت متضاربة. إنجاز: مصطفى لطفي يكفي كتابة المخدرات الرقمية على موقع "يوتوب"، حتى يعرض عليك العديد من مقاطع فيديو، يدعي واضعوها، منهم شركات متخصصة في هذا المجال، أنها تحتوي على مقطع له مفعول مخدر.خلال تفحصك لعناوين هذه المقاطع، يثير انتباهك أحدها يحمل اسم مخدر "الماريخوانا"، وعندما تشرع في مشاهدته، تعمد واضعه تحرير عبارات على شكل جنيريك تشترط عليك اتباع شروط معينة، كي تصل إلى مستوى عال من التخدير، وهي أن تكون في غرفة مظلمة، وأن تضع عصابة على عينيك، وأن تتمدد على سرير وتسترخي عند سماع المقطع.يشرع وقتها مقطع موسيقي برنات هادئة وجميلة، فجأة تشعر بدوار وبارتفاع ضربات القلب، إنه الطريق نحو التخدير .إلى جانب هذا المقطع، كان هناك مقطع فيديو آخر، يختلف عن الأول من حيث طبيعة الموسيقى، إذ تسمع فقط "رنة موسيقية" متكررة كأنها موجة كهربائية، موحدة تتكرر على مدار الشريط، مع أشكال هندسية ملونة تتحرك في اتجاهات متعاكسة، يطلب من المشاهد التحديق فيها من أجل بلوغ عالم النشوة.يتساءل المرء، كيف وصلت هذه المخدرات لتعرض على موقع "يوتوب"، رغم وجود مواقع متخصصة في ترويج هذا النوع من المخدر، الجواب لا يستدعي الكثير من الجهد، فقط يكفي زيارة أحد المواقع المتخصصة في هذا المجال، لتكتشف أنها تعرض مقاطع منها بشكل مجاني، وهي الفرصة التي استغلها بعض القراصنة وحتى المدمنين، من أجل تحميلها وعرضها على الجميع.رواية أخرى، تؤكد أن هذه المواقع المتخصصة، تتعمد عرض هذه المنتوجات المجانية من المخدرات الرقمية على موقع "يوتوب" لكثرة زواره، والذين يعدون بمئات الملايين، وبالتالي تكون فرصة سهلة لكسب زبناء منهم. زيارة الموقعخلال بحث على موقع «غوغل»، نجد أن المخدرات الرقمية هي ملفات صوتية وأحيانا تترافق مع مواد بصرية وأشكال و ألوان تتحرك وتتغير وفق معدل مدروس تمت هندستها لتخدع الدماغ عن طريق بث أمواج صوتية مختلفة التردد بشكل بسيط لكل أذن. وبحكم أن هذه الأمواج الصوتية غير مألوفة، يعمل الدماغ على توحيد الترددات من الأذنين للوصول إلى مستوى واحد، وبالتالي يصبح غير مستقر، ويتم الوصول إلى إحساس معين يحاكي إحساس أحد أنواع المخدرات أو المشاعر التي تود الوصول إليها كالنشوة.في البداية يجد المرء صعوبة في الوصول إلى اسم المواقع المتخصصة في المخدرات الرقمية، تشعر معها أن هناك بوادر من قبل جهات لحجبها بشكل مؤقت أو على الأقل وضعها في الترتيب الأخير في لائحة البحث على موقع «غوغل»، حتى يتفاداها كل باحث عنها.لكن رغم هذه العملية، نجحت بعض مواقع المخدرات الرقمية في احتلال الصفوف الأولى على مستوى الزوار، خصوصا عندما ادعى مالكوها أن المخدرات التي يقدمونها، قانونية وليست لها أضرار على صحة مستهلكها.بعض هذه المواقع، لم يتردد في وضع إحصائيات حول عدد الزوار والمناطق التي يتحدرون منها، أغلبهم من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، وحتى من الشرق الأوسط أيضا.خلال تفحص الموقع، تجد أنه هندس بعناية فائقة من أجل جلب زوار أكثر، ألوانه اختيرت بعناية، منها الأبيض والأسود، وألوان حمراء وزرقاء وخضراء فاتحة، مثيرة.أحد المواقع الشهيرة، ومن أجل كسب ثقة زواره، كتب مؤسسوه على بوابته الإلكترونية فقرة باللغة الإنجليزية تفيد أن منتوجاتهم آمنة وفعالة، وأنها تحاكي المخدرات عبر استخدام «جرعات» الصوت بكلتا الأذنين، وأن هذه المنتجات تستخدم من قبل الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم.يعرض الموقع العشرات من المقاطع الموسيقية المخدرة، وضع أسفل كل واحد منها مبلغا يصل إلى 14 دولارا، ومن أجل تشجيع الزوار على الاقتناء، تعرض تخفيضات مالية على بعض المخدرات.خلال تفحص أنواع هذه المخدرات، يصاب المرء بالحيرة، فالموقع يعرض مختلف أنواع المخدرات، من الكوكايين إلى الأقراص المهلوسة، والتي وضع على ملفها علامة «الخطر» في إشارة إلى قوة مفعولها.وفي حال لم يقتنع الزائر بهذه المخدرات، يقدم الموقع اقتراحا بإنتاج مخدر خاص، يقترح الزبون ماهيته، مقابل مبلغ 100 دولار. جنس ورياضةليست كل أنواع الموسيقى المعروضة على الموقع مخدرة، بل وصل ابتكار مخترعي المخدر الرقمي إلى عرض مهيجات جنسية إلكترونية، فعلى الموقع، وضع ملف به صورة لشابين، يحمل اسم "استكشاف جنسي"، الهدف منه تقوية الرغبة الجنسية للطرفين عبر الاستماع إلى ملفه الموسيقي، يدعي مصممو هذا النوع من المخدر أن له مفعولا كباقي المهيجات الجنسية، ويكفي الشخص الاستماع إلى الموسيقى التي يعرضها الملف مع اتباع طرق خاصة، حتى يحقق المستمع النشوة الجنسية.إلى جانب هذه المخدرات، يوجد ملف خاص بمخدر، مخصص للرياضيين، يدعي مؤسسو الموقع أن هذه الموسيقى مصممة لمساعدة الرياضيين عبر التأثير في قوة الأداء، وتعزيز نمو العضلات وتحفيز متعاطيها على الفوز، وأنها مخصصة للمحترفين والهواة معا، عبر الاستماع إليها سواء قبل أو بعد التمارين الرياضية.إلى جانب المخدرات الجنسية والرياضية، يعرض الموقع، ملفات موسيقية أخرى، منها ما يتعلق بـ"اليوغا" وآخر خاص بالارتخاء وتخفيف الضغط النفسي، وملفات عديدة أخرى. ناقوس الخطرتشكل المخدرات الرقمية، تحديا جديدا لمختلف المصالح الصحية والأمنية بالعالم، فإلى حدود اليوم ما زالت الدراسات على المستوى الدولي تتضارب حول مدى خطورة هذه المخدرات على متلقيها من عدمها، وهل فعلا تتسبب في الإدمان على غرار المخدرات الطبيعية؟أول انتشار لهذا النوع من المخدرات، كان بالولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، منذ خمس سنوات تقريبا، قبل أن ينتشر حول العالم، خصوصا بالوطن العربي، فكان أول من دق ناقوس خطر المخدرات الرقمية، اللبنانيون، الذي تفاجؤوا بانتشار تعاطيها بين شبابهم، وفجرت القضية صحيفة لبنانية، قبل أن تظهر حالات في الإمارات العربية المتحدة، وبعدها السعودية ثم أغلب دول الخليج.بالمغرب الأمر صعب جدا، لتحديد إن كان هناك مدمنون أم لا، وبالعودة إلى إحصائيات الموقع، نجده استبعد دول شمال إفريقيا، واقتصر على دولة جنوب إفريقيا، لكن هذا لا يمنع من وجود حالات محدودة. المراقبة الأمنية مستحيلة كما هو الأمر بالنسبة إلى الخبراء النفسيين، تفاجأ أمنيون بهذا النوع من المخدرات، لدرجة أن أحد رؤساء فرقة مكافحة المخدرات علق ساخرا "نحاربو المخدرات الحقيقية بحال الشيرا والكوكايين والقرقوبي، عاد نشوفو المخدرات الرقمية."بالنسبة إلى هذا المصدر، فمحاربة هذا النوع من المخدر، ستتكلف به الجهات الأمنية المختصة في محاربة الجريمة الإلكترونية، معتبرين أنهم أمام جريمة افتراضية يصعب إثباتها ماديا، كما أن تعاطيها يتم داخل المنازل، وبالتالي من الصعب فرض رقابة عليها، وما يفرضه ذلك من مساطر خاصة، منها إذن النيابة العامة وغير من الإجراءات. وأضاف المسؤول الأمني، أن الأمر بيد وزارة الصحة التي عليها إجراء دراسات لمعرفة مدى خطورة هذه الأنواع الجديدة من المخدرات على متعاطيها، وبعدها على المشرع التدخل لتجريمها، وعندها يمكن الحديث عن محاربة المخدرات الرقمية.ورغم هذه التوضيحات، اعترف المصدر ذاته، أنه حتى في حال ظهور دراسات طبية تؤكد خطورتها على متعاطيها، فإنه من الصعب محاربتها على شاكلة باقي المخدرات الأخرى، لهذا افترض أن الدولة، عبر أجهزتها المتخصصة، ستعمل على الوقاية منها، عبر حجب المواقع المتخصصة في هذا النوع من المخدرات، بعد تتبع نشاطها ومدى الإقبال عليها من قبل الشباب المغربي. خبراء: لا علم لنا حاولت «الصباح» معرفة رأي المتخصصين في علم النفس، لكن أغلبهم اعترف أنه سمع بالأمر لأول مرة في حوار نشرته «الصباح» في وقت سابق، منهم الخبير في الطب النفسي التربوي عبد الغني الخرشي، وطالبوا بمنحهم مهلة من الوقت لدراسة هذا الموضوع بشكل مفصل. قصور تشريعي أكد عثمان أبو الوفاء الإدريسي، محام بهيأة البيضاء، أن المخدرات الرقمية بحكم أنها نغمات موسيقية، فهي لا تقع تحت طائلة القانون في أي دولة، ولا يوجد تشريع حالي لعقاب مرتكبي هذه الجريمة، سواء مروجيها أو المدمنين عليها، نظرا لصعوبة ضبطهم، بحكم انهم يتعاطونها في أماكن خاصة، وغالبا ما تكون في المنازل، فضلا أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.وأبرز أبو الوفاء أن المشرع المغربي كان حريا به أن تكون له نظرة استباقية للجرائم، وأن يبادر إلى تجريم هذه الأفعال والجرائم المستحدثة ويضع لها عقوبات رادعة ولو من باب الترهيب، وأن يتدارك ذلك ضمن مسودة مشروع القانون الجنائي المعروض من طرف وزارة العدل والحريات على أنظار الرأي العام بمختلف مكوناته، من قضاة ومحامين ومهنيين وأساتذة وحقوقيين وجمعويين.وبخصوص التضارب في مدى خطورة هذه المخدرات الجديدة من عدمها، شدد المحامي على أنه لا يجب عدم التقليل من شأن المخدرات الرقمية، لأن مروجي هذه العقاقير غير الملموسة يحرصون على نشرها بين الشباب وجرهم إلى الإدمان الحقيقي، منبها إلى أن الخطر المقبل، هو الاستخدام السيء للأنترنت وتطبيقاته، نظرا لعلاقة الشباب بالتقنية والمعلومة الإلكترونية، سيما أن هذا النوع المستحدث من المخدرات، متاح للجميع من خلال المواقع الإلكترونية، تارة مجانا وتارة بأسعار زهيدة، لا تقارن بأسعار المخدرات التقليدية، لهذا فهو يرى أن خطورة هذه المخدرات، لا تقل خطورة عن أكثر أنواع المخدرات فتكا، كالهروين والكوكايين، لتصميمها بطريقة تحاكي الهلوسة وحالات الانتشاء المصاحبة للمتعاطي للملفات الصوتية أو النغمات، وبالتالي وجب دق ناقوس الخطر حولها، وإعلان الحرب عليها بحكم أنها شبح إلكتروني عابر للقارات يستهدف الجميع.

المخدرات الرقمية… “التبويقة على النت”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البنك الدولي يطلب مساعدة المغرب

تنقيلات في صفوف مديري التجهيز

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات