حكايات مقاوم يهودي3

والدي قال لي : " أنت مسلم ما شي يهودي" فررت من الزنزانة بعد أن هاجم أبناء حي اليهود مركز الشرطة كان لقاء بحاييم طوليدانو صدفة بمكناس، أثارنا محله التجاري بحمرية، الذي حوله إلى معرض للصور تؤرخ مسارا طويلا من حياته، صور هناك مع الملك الراحل الحسن الثاني وقربها صور حديثة مع الملك محمد السادس، وأخرى مع مسؤولين في الدولة، منهم من غادروا إلى دار البقاء، منتشرة هنا وهناك. هذا الكم من الصور، كشف أن شيئا ما يخفيه هذا اليهودي المغربي حتى النخاع، الذي رفض الرحيل لإسرائيل، وفضل معاشرة أصدقائه أغلبهم مسلمين، في رسالة منه إلى نبذ العنصرية والطائفية.أتى السر من رفيق له، أخبرنا أنه قاوم الاستعمار الفرنسي.كان وقع الخبر مثيرا، بحكم أن الكتب والمرويات أرخت فقط لمغاربة مسلمين، وضعت بعضهم في رتب متقدمة.فكان لابد من استنطاقه، والحصول على أسراره وإن كانت قليلة، لأنها ستكون قيمة، لأنها تؤرخ لكيفية تعامل اليهود المغاربة مع الاستعمار الفرنسي، رغم أن البعض حاول اتهامهم بالعمالة مع الفرنسيين، وبرروا ذلك، أن أغلبهم هاجر المغرب بعد الاستقلال، لكن حياة حاييم طوليدانو كذبت هذه الشائعات، وأكدت أن المغاربة يهودا ومسلمين كانوا يدا واحدة ضد الاحتلال الفرنسي.إعداد: مصطفى لطفي أثارت عملية ضربي للسائق الفرنسي رفقة المقاوم علال بحي الملاح الجديد، استنفار الأمن الاستعماري بمكناس، وفي رمشة عين، انتقل الخبر إلى السلطات الاستعمارية، وأرسلت تعزيزات أمنية، فرضت حصارا محكما على الحي، وشرعت في حملة اعتقالات عشوائية.تمكن رفيقي عبد الله من الفرار، بين أزقة الملاح، لكن لسوء حظي، وقعت في يد الشرطة الفرنسية، نقلوني وقتها إلى مركز للشرطة قريب من الحي. كانت عيون الضباط الفرنسيين وأعوانهم تنذر أنني سأصاب بمكروه، قد يصل إلى حد تصفيتي.مرت ساعات وأنا معتقل في مركز الشرطة، تعرضت فيها لاستفزازات عديدة من قبل الضباط الفرنسيين، لم يتقبلوا أن مغربيا يهوديا، يتبنى مواقف وطنية. صادف اعتقالي من قبل الشرطة الفرنسية، وجود "مولاي مسعود" الذي سيصبح أحد أعيان مكناس بعد الاستقلال، في الحي، وقتها كان تاجرا وصديقا لوالدي، بلغه الخبر، فهرول رفقة مجموعة من تجار مكناس إلى منزل والدي وأخبروه بالواقعة، طالبوا منه استغلال نفوذه لإخراجي من الاعتقال بحكم أنه من أثرياء مكناس، لكنه أجابهم بهدوء " أنا ما نخاف عليه، هو راجل قادر إدبر أمور ديالو ويتجاوز المحنة".تفاجأ مولاي مسعود والحضور برد والدي، كانوا يعتقدون أنه سيهرول، بمجرد سماعه الخبر نحو المسؤولين الفرنسيين، ليستعطفهم لإطلاق سراحي، لكن لم يكترث للأمر. وقتها علمت أنها موافقة ضمنية منه على نضالي في سبيل وطني، وفي الوقت نفسه، تمنعه شيمه ووطنيته أن يستجدي الفرنسيين من أجل عمل يعتبره بطوليا.في اللحظة التي كنت فيها داخل الزانزانة أترقب مصيري، انتفض قاطنو حي الملاح، خصوصا اليهود. لم يتقبلوا اعتقالي، فحج العشرات منهم إلى مقر الشرطة، ودخلوا في مواجهة مع بعض عناصرها. نجح ابن الحي "لوباطون"، الذي كان مشهودا له بالشجاعة في دخول الزنزانة، فأسقط بابها بقوة، أصيب في هذه العملية بجروح، ورغم ذلك تمكنت من الفرار. صرت أتنقل سرا من زقاق إلى آخر داخل الملاح، إلى أن عرجت على خمارة شهيرة، تحمل اسم " أوبيي دو جاكوب"، يملكها يهودي جزائري، استقبلي بحفاوة، وخبأني في ركن منها بإحكام.بعدها بدقائق، سيدخل ضباط وعناصر من الشرطة إلى الخمارة، يبحثون عني، صدهم مالكها وطالبهم بمغادرة المكان. رفضوا في بداية الأمر، وأكدوا أنهم شاهدوني أدخل تلك الخمارة، ولن يغادروا إلى أن يعتقلوني. انتفض اليهودي الجزائري في وجههم، كان ذا شخصية قوية وشجاعة، ساعده في ذلك أنه جندي سابق في الجيش الفرنسي.رضخ الأمنيون الفرنسيون للأمر، وغادروا الخمارة. تقدم زميلي اليهودي نحوي، مخبرا أنني في أمان، قدم لي كوبا من الماء، وبعد أن استرجعت أنفاسي، تناولت وجبة دسمة، وبقيت رفقته إلى حدود الساعة الثالثة صباحا، لأغادر الخمارة متسللا إلى منزل عائلتي.بالمنزل، حل والدي إلى غرفتي، ووجدني منهكا بعد يوم عصيب، كانت قربي والدتي، تعالج جراحي، خاطبني والدي " أنت ما كتخافش، زعيم بزاف، أنت مسلم ما شي يهودي"، وبعد أن صمت برهة، طالبني بأن أكون حذرا في تصرفاتي حتى لا أصاب بمكروه.منذ ذلك الوقت، كان والدي ينادي علي بلقب "المسلم"، كان يردد دائما "أجي أداك المسلم"، "فين كنتي البارح أ المسلم"، في تعبير منه عن شجاعتي ومواقفي الوطنية وحماسي من أجل مناهضة الاستعمار. اختبأت مدة طويلة بمنزلي، وانقطعت أخباري عن الجميع، ما شكل فرصة لترويج الإشاعات أنني قتلت من قبل السلطات الاستعمارية، وتم التخلص من جثتي في مكان مجهول.رفعت هذه العملية أسهمي لدى باقي رجال المقاومة بمكناس.حظيت باحترام كبير من لدنهم، وتوطدت العلاقة بيننا، ما شجعنا على التخطيط لعمليات فدائية في المستقبل.رغم هذا العمل البطولي، إلا أنني كنت ألقى عتابا من قبل بعض زملائي خوفا على حياتي، كانوا يحذرونني عندما نلتقي بخمارة اليهودي الجزائري، من أن أتعرض لاغتيال من قبل المستعمر، خصوصا أنني ابن ثري يهودي، وهو أمر لا تتقبله السلطات الاستعمارية، كنت أجيبهم بهدوء، لا يخيفني الموت ما دام في سبيل وطني.

حكايات مقاوم يهودي3

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجم بقلب مفتوح ١٢

المنصوري: هددوني كي لا أترشح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات